الحجاب في المجتمعات


--------------------------------------------------------------------------------




الحجاب» ربما كانت الفكرة الراسخة في أذهان الكثيرين أنه ارتبط بالنساء المسلمات فقط، غير أن معرضا متخصصا افتتح مساء أمس الأول في العاصمة الاماراتية أبوظبي، كان له رأي مغاير، فمعرض «الحجاب» للفنان اللبناني روجر كرزل يعرض صورا وأشكالا متنوعة للحجاب لثقافات وديانات متعددة، ولا يحصره في كونه فرضا دينيا على المسلمات فقط.
الحجاب بأنواعه المختلفة، وطرق استخدامه المتنوعة، واختصار ثقافات وديانات، ارتدته عبر عقود طويلة، هكذا كان المعرض الذي احتوى على صور معبرة تلخص مسيرة الحجاب عبر مجتمعات مختلفة، صحيح أن المصور لم يستطع أن يبتعد عن فترة زمنية معينة، لكنه عوض ذلك بالتقاط الصور المتنوعة للحجاب بكافة تفاصيله، باختصار.. الحجاب حضر بكل أنواعه المعروفة، وربما غير المعروفة لكثيرين، في هذا المعرض.

ومن خلال عدسة الكاميرا يسعى روجر مكرزل لفك لغز قصة الحجاب، عبر جنسيات وأديان في معرض فريد تستضيفه مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون.

معرض (الحجاب) للتصوير الفوتوغرافي يسعى لإثبات قدرة الصورة الفوتوغرافية على التعبير عن مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب العالم المختلفة.

وفي زيارة أخيرة للعاصمة أبوظبي، قام مكرزل بتصوير مواطني الإمارات العربية المتحدة في بيئتهم الطبيعية، حيث كانت الصحراء والبحر ستارة مسرح خلفية ليخلد بذلك جزءاً من تراث البلاد عبر رؤيته الاستثنائية. يقول مكرزل «جئت إلى أبوظبي لدعم التنوع الثقافي الذي يوحده الحجاب. لقد أكملت بحثي في الحجاب عبر تجربتي في الإمارات، بلاد الصحراء والحجاب والتراث والتقاليد».

ويشير الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، راعي المعرض ورئيس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون أن المعرض يقوم على الاعتقاد بأن الناس كلما تخطت الحدود الوطنية والدينية أكثر، وتعاظم فهمهم لعادات وتقاليد بعضهم بعضاً، استطاعوا إعادة التفكير في آرائهم ونظراتهم في الصداقة الكونية، وازداد اقترابنا من تحقيق السلام والتفاهم العالمي.

ويقول الشيخ نهيان إن المعرض يعالج موضوعاً مهماً، برؤيةٍ فريدة، وبفنٍ تصويري رائع، «إنني أعتقد أن هذا المعرض، ليس مجرد مجموعة من الصور الممتازة فحسب، بل هو كذلك معرض تعليمي في المقام الأول: فهو يعرض شكل الحجاب في المجتمعات والديانات المختلفة، ويركز بصفة خاصة على الممارسات والعادات المشتركة بينها، بل إنه من الواضح أيضاً أن المصور ينطلق في هذا العمل من مفهومٍ واعٍ، يتمثل في أن التعرف على العادات والتقاليد الإنسانية عبر الحدود والثقافات يؤدي إلى تعميق مفاهيم الود والتعايش بين الجميع، بل وإلى تحقيق التفاهم والسلام في ربوع العالم».

أما هدى كانو، مؤسسة مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون فتقول إنه من خلال هذه المجموعة من صور الحجاب، يأخذ مكرزل المتلقي عبر الأديان والأعمار والجنسيات ليقدم الحجاب رمزا موحدا للإيمان والإنسانية.

بدأ مكرزل حياته المهنية في صغره حيث عمل مصوراً عدة سنوات، متسلحاً بروح تهوى المغامرة، عمل مع رويترز حيث جمع كل عناصر الحياة والتاريخ والنور والظلام من ألم وأسى وكره ومحبة. نشرت أعماله في مجلات عالمية مثل «Elle».

وفي الذكرى الأربعين لتأسيس «باري ماتش» وضعت صورته على الغلاف حيث تم اختياره واحدا من أفضل أربعة مصورين. يقول مكرزل عندما أقول «تصوير فوتوغرافي.. أقول ارتباطا، ارتباطا مدى الحياة، رسالة حياة.

فهي رسالة جاوبت عن بحثي عن الحقيقة على أكثر من صعيد، حقيقة وجودي وحقيقة العالم. لطالما كان التصوير الفوتوغرافي طريقتي للعثور على المعنى ولكنه أيضا كان في بعض الأحيان مجرد وسيلة ليعكس واقعا مجردا من دون تفسيرات».

وعن ارتباطه بالتصوير يقول «ارتبطت عيني بالكاميرا فراحت تتفحص كل ما تصادفه وتلتقط اللحظات، لحظات الحقيقة، لحظات الطبيعة، لحظات الجمال، لحظات الفرح ولكن أيضا لحظات صعبة ومريرة امتحنت ارتباطي والتزامي، وأثبتت بعدها باعتزاز للآخرين ولنفسي، أني قمت بخياري بكل طواعية وبكامل معرفتي بالنتائج، تماما كاختياري لمواضيع أعمالي كمثل «الحجاب» بكل ما يجسده ويحويه من معانٍ، بالحياة التي يخفيها وبالمساحة التي يغطيها، بالصحارى التي يلاطفها وبالهواء الذي يعذبه، بالرجولة التي يعززها والأنوثة التي يُشعّها، بالسحر الذي يرسله والقصص التي يخفيها». بدأ شغف مكرزل بالتصوير في سن الخامسة عشرة في بلد تتقاذفه الصراعات، فاهتم تحديدا بتصوير الحرب واستمر في هذا النطاق لمدة خمسة عشر سنة، فعمل مع «سيغما» و«رويترز»، مما سمح له باكتشاف المنطقة والعالم خلال تلك المرحلة الشديدة الخطورة.

نُشرت صور روجيه الوثائقية في عدة منشورات دولية حول العالم، كما اختارت مجلة «باري ماتش» الفرنسية إحدى صوره (مشهد دمار بشارع في بيروت) لتظهر على صورة غلاف كتاب عيدها الأربعين.

خمس عشرة سنة من التصوير الصحافي استُحق من بعدها الانتقال إلى التصوير الفني.

المعرض يأخذ الزائرين إليه، إلى ما هو أبعد من «الحجاب» ذاته، إذ أنه استطاع بموضوعه العميق أن يتلمس قيما ومفاهيم مشتركة وعميقة لأحد الجوانب المهمة من ثقافة الإنسان على اختلاف دياناته، وهويته ومجتمعه، ومعتقداته، وأنماط الحياة لديه.

جاءت عدسة المصور اللبناني مكرزل باحترافية فائقة لتحدد هذا الرابط التراثي والمعنوي بين الحجاب وانعكاساته الداخلية لوجه المرأة، الأمر الذي أعطى معاني إنسانية جديدة لمفهوم الحجاب، يعبر عن عمق وجوهر وحدة الوجوه والثقافة الإنسانية على اختلاف ظاهرها. فالمعرض بتنوعه وغناه يرسم تعابير إنسانية صادقة، ويرصد لحظات تواصل بين الصورة والمشاهد مما يجعل المعرض ذاكرة وتجربة غنية لا تنسى.