-
الشيك
قصة " الـــــــــــشـــيـــك"
فوق مكتب صغير متواضع وضع حاسوبه،هو كل مايملك في هذه الدنيا الملعونة،وبجانبه عشرات الأوراق الكتب والأضابير،وأقلام صفت بغير عناية،ودواوين شعرية عربية وغربية غطت جزءا من تلك الغرفة الصغيرة،لكن صاحبها يعتز بهذا الإرث المبعثر،ويعتبره عز الذخيرة وخير الزاد.
هو وحده يعلم كم عدد البحوث والدراسات التي كتبها وقام بتخزينها في حاسوبه العتيق.
كلما رفع عينيه إلى هذه الكتب التي تملأ جنبات غرفته الصغيرة،إلا وأحس بالإفتخاروالإعتزاز،فهذه الثروة لايعرف حقيقتها إلاهو،في تلك اللحظة تهلل وحهه وانفرجت شفتاه عن فرحة عميقة حين أبصرابنه آدم يدنو منه وهو يحاول أن يستجمع كلماته في جمل طفولية بريئة طاهرة.
اقترب منه أكثر،حاول أن يضغط على أزرار الحاسوب،حن قلبه للإبن الوحيد،فتركه يعبث بتلك الأزرارفي عفوية ظاهرة كانما يود أن يفك الحروف ويقرأها وبعدها يكتب فصولامن إبداع بهي ومتوهج.
لعب آدم ماشاء له أن يلعب حتى أخذته سنة من النوم،فدنا من الاب ونام بين أحضانه.
تسللت دموع من عيني الاب وهو يبصر أهذاب الصغير السحرية تتهادى في ملكوت الرحمان،وتسبح في أجواء ملا ئكية نقية وبيضاء كالثلج،أمسك بأنامل آدم فرآها منعقدة على شكل كلمة،حاول فتحها فوجد في كف الصغيرقطعة نقدية صغيرة صفراء،تحسسها الأب وأعادها الى يد الصغيرالذي أطبق يده عليها مرة أخرى وهو شبه نائم.
حار الأب في الحركة اللاشعورية لطفله، تساءل كيف لابنه أن يطبق أنامله الصغيرة على القطعة النقدية وهو نائم،ترك حيرته وعاد للحاسوب لكي يكمل بحثا أكاديميا كانت إحدى المجلات العربية قد راسلته بشأن إرساله لكي يصدر في المجلة
كان يكتب على الحاسو ب بحماس،وازداد حماسه كلما تذكرالمكافآة التي سيحصل عليها من وراء هذا البحث،فقد سبق أن شجعه صديق له سبق أن نشر دراسة أكاديمية بإحدى المجلات المتخصصة وحصل على مبلغ محترم من المال وكانت العملة دولارا.
كان ينظر إلى آخر الصفحات التي كتبها،لم يبق إلا أن يلقي نظرة أخيرة على ما كتب،ولم يصدق أنه أدرج في بحثه حوالي مائتين مرجعا وهو مجهود جبار يستحق عليه جزاء مشكورا.
كلما تذكر ابنه الصغير المحتاج الى الحليب والملابس الجديدة
إلا وازداد حماسه لإتمام بحثه خصوصا والعيد على الأبواب، ليحصل على المكافآة،ساعتها سيشتري لآدم كل ما يحتاج إليه من لعب وأقلام وحلويات.
نظر إلى طفله ذي السنتين وهو نائم بالقرب منه،وماتزال أنامله مطبقة على القطعة النقدية النحاسية،ودون وعي منه وجد يده تمتد إلى شعر الصغير تداعبه،سرت دمعة على خده فهذا الطفل هو كل أمله في هذه الحياة،من أجله سهر الليالي،وأعد الجذاذات،وتحمل صراخ الصغار وزعيقهم في تلك المدرسة الخاصة التي يدرس بها.
من أجل ابنه..التهم الكثير من كتب القانون حتى أصبح بارعا في حل مسائل قانونية مستعصية لزبنائه وينال عليها أجرا يسد حاجياته.
ومن أجله أرسل ملفات كثيرة للصحافة المكتوبة ونشر فصولا من رواياته حول مآسي الا نسان في صفحاتها.
مايزال يذكرحين كان ابنه آدم ينظر إلى ذلك الجبل العالي المقابل لمنزله فقال له:
ـ يا أبت هذا هو الجبل( بكسر الجيم والباء).
تبسم الأب ساعتها،وعلم أن ابنه الصغير هذا طفل طموح،فالجبل عال وطموحه أعلى وأكبر من ذلك الجبل.
عند نهاية كل شهرينتظر راتبه من صاحب المدرسة البخيل الذي
لا يعطيه أجرته إلا بعد مرور عشرة أيام من الشهر.
دعا الله من أعماق قلبه ان يقبض روح هذا الحاج البخيل الذي جمع أموال الدنيا وأحصاها ويستغل معلمات طيلة السنة دون أن يمنحهن ولو فلسا واحدا.
...عاد الى حاسوبه وبين سطوره كان يبصر ابنه آدم يمد يديه نحو أبيه قائلا:
ـ أبي أعطيني (فلوسا) يعني نقودا أريد شراء سباتيو( يقصد حذاء).
يبتسم الأب ويعانق ابنه عبر الحروف.
وفي الغد يخرج مبلغا من المال كان قد ادخره لوقت الشدة ويشتري لا بنه مايشاء.
هو وحده يعلم أن ما ينفق في سبيل الذرية فالله يخلفه،وما يدخره الحاج صاحب المدرسة سيكون له حطبا ومعادنا تكوى به جبهته يوم القيامة.
أنهى بحثه وارسل دراساته للمجلة وجاءه الرد بقبول المادة..وبعد مدة توصل بالشيك دولارا.
فرح وغنى ورقص...رآى ادم فرحته فارتمى على عنقه وهو يردد:
" فلوسا ـ فلوسا ـ وحمله الأب للمصرف لصرف الشيك وشراء دب قطبي من الصوف لا بنه آدم وقطع كبيرة من الشوكولاته مكتوب عليها" ماروخا"
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى