سرقة مع سبق الغباء
كان أهله دائبين، مجهدين أنفسهم، يبحثون عن من يكفله، كنحل يطير من زهرة إلى أخرى بحثاً عن الرحيق. ليخرج من وراء القضبان، ولينام في أحضان أمه، بعد يومين مجهدين عاشهما بعيداً عنها. ولكن سوء حظه، ادخله التوقيف في آخر يوم عمل، مما أخر تسجيل تنازل رب العمل، ليطلق سراحه. ولكن همة أهله وعلاقاتهم وارتباطاتهم، عجلت خروجه قبل يوم السبت. فلقد أرعبتهم فكرة احتجازه، فقرروا هجران الراحة حتى يتم لهم ما أرادوا.

لم تكن فكرة الكفالة تخطر لهم على بال، وكان اعتقادهم مع تنازل رب العمل عن حقه هو آخر السوء، ولكن هذا الخبر قلب فرحتهم إلى كدرا. بعد ما عمتهم الفرحة والبهجة والسرور، بعد تلك اليومان الذين مرا وهم في قلق وخوف وترقب، وهو خلف القضبان الحديدية لا يعلمون من حاله شيء. فلم يألوا جهدا، رجالا ونساء، يبحثون عن حل يخرجه مما هو فيه بأقل الخسائر. كانوا يجرون وراء رب العمل ووكيله ليلاً ونهارا، محاولين الضغط عليهما لإقناعهم بالتنازل عن حقهما. متعللين بمختلف الأعذار،
- ألو أنا أخو المتهم، اتصالي ليس للدفاع عن أخي وتبرئته، فهو يستحق ما جرى له، ولكن خوفاً على أبي الكبير في السن والمصاب بالقلب، فإذا سمع هذا الخبر، فاحتمال زهق روحه وارد.
- أولا هو ليس متهم، بل معترف بجرمه، ومع ذلك ليس لدي صلاحية في أخذ أي قرار، وعليك أن تأتي غداً الخميس لتناقش رب العمل.
ومرة أخرى ومع مكالمة أخرى، ومن شخص آخر يحاول الضغط من جديد على الوكيل، ليقدم تنازله عن الدعوى.
- أنا صديق الشخص المتهم، إن ما سرق هو شيء تافه، وبقائه في السجن لن ينفعكم شيء، ولكن سيدمر مستقبله وحياته العملية.
- كما قلت لأخيه من قبل هو ليس متهم، بل هو معترف بجرمه، وأنا ليس لدي صلاحية لأخذ أي قرار، وعلى أخيه الحضور غداً ليناقش صاحب العمل.

أن ما أدخله الحجز، لم يكن اتهام رب العمل له، ولكن إلقاء القبض عليه متلبساً، واعترافه الموثق خطياً والموقع من قبله، بارتكابه الجرم. ولكنه لم يرضى أن يدخل السجن وحده، فلقد اتهم معه شخصين آخرين، وسحبهما معه للشرطة. ولكن لم يدخلا معه وراء القضبان، لعدم اعترافهما ولعدم اتهام رب العمل لهما، ولتبرئته هو شخصياً لهما عند التحقيق معه. فلقد أخذه المحقق جانباً، وبحضور الوكيل وسأله: هل اشتركا معك في السرقة، تأكد من أقوالك، وراقب ربك وحاسب نفسك، لان لا ترمي بريء؟!
- لا.. لم يشتركا معي في السرقة، وإنما قلت ذلك انتقام منهما لحصول مشادة كلامية بيننا في اليومين السابقين .

لم يؤخذ إلى مركز الشرطة عنوة ولا قسراً، حتى يقال - مكره أخاك لا بطل. بل تقدم بنفسه الجمع، يشق الصفوف بصدر غير هياب. معتقداً إن ما قام به شيء تافه، ولا يستحق كل هذه الضجة. ولكن رب العمل أراد أن يلقنه درساً يكون عقاباً له، وردعاً لمن تسول له نفسه. ولم يضطر صاحب العمل لهذا الإجراء، إلا بعد محاولاته المتعددة معهم في عدم إيصال المشكلة إلى الشرطة، لذا قدم عرض إليهم قائلاً:
– عليكم اختيار واحد من اثنين، أما أن تقدموا استقالتكم جميعاً وتحفظوا ماء وجوهكم، ونحن نحفظ قضيتكم في طي الكتمان، أو ندع القرار للسلطات الأمنية تحكم فيه؟!
– لسنا بمقدمين استقالاتنا، وإنما هو اتهام منه لنا وبدون دليل، وليس لدينا مانع من الذهاب إلى الشرطة!

بهذا رفضوا اقتراح رب العمل، ورفضوا صون ماء وجوههم، وقبلوا التوجه إلى المخفر، وقبلوا بالفضيحة. لا يعلم ماذا يدور في أدمغة هؤلاء الشباب، رغم تجاوزهم سن المراهقة، لا يزالون مراهقين، هل هو غباء أو سوء تقدير للعواقب، أما ماذا.......؟! حضر في اليوم التالي ليبرر جريمته المتواضعة، ولكن الجريمة تبقى جريمة مهما كان حجمها. وسوف تكتب عليه سابقة، كما قيل (من يسرق بيضة يسرق جمل). حضر وقد كتب على نفسه اعتراف باقترافه الجرم، ولكن وحسب أقواله، لم يكن وحده، بل هم ثلاثة تعاونوا على تنفيذ تلك الجريمة.

لم يشاهد أحداً الآخرين، ولم يلاحظ عليهم ما يثير الشبهة، رغم قوله بأنهم ساعدوه، في التحضير والتغليف، وتمرير منتج رب العمل خارج ممتلكاته دون تصريح. ولكن غلطة الشاطر بعشرة. وكما قيل (لم يشاهدوا وهم يسرقوا ولكن قبض عليهم وهم يوزعوا الغنيمة)، هل هذا فعلا ما حدث؟! مر كل شيء بسلام حتى أكل الفأر قطعة الجبن، فسقط بين فكي كماشة، وقتل نفسه بنفسه. لم يشاهده أحد طوال مشواره، من داخل مقر عمله إلى مكب الزبالة، حيث كان يتصنع رميها. وبدل من تخلصه منها، بطريقة تبعده عن الشكوك، أخذ البضاعة ليبيعها لأحد المحلات القريبة. عندها شاهده أحد المسؤولين وبين يديه المسروقات، وهو يحاول مفاوضة صاحب المحل على سعرها. فأخذه بيده ليكمل معه التحقيق في مقر عمله، ويوقعه اعتراف بارتكاب الجرم مع سبق الإصرار والترصد.
بقلم: حسين نوح مشامع