حرفة الضلال عند البشر ... إلى أين وكيف ؟؟
رأيت عنوانا جميلا لكتاب
وقد كان الكتاب رائعا من حيث المحتوى والقيمة التاريخية والواقعية له ، وقد كان اسم الكتاب
( كيف انحرف العالم )
وتجولت كثيرا وأعدت قراءة ما فيه جيدا ،
والذي ربما يصنفه البعض من الكتب التي تتبنى فكر المؤامرة الكبرى عبر التاريخ
وقد كنت ممن يرفض هذا الفكر قالبا وموضوعا إلى عهد قريب
ولا أنكر أن الكتاب جعلني أمعن الفكر جيدا في تاريخ الإنسان على الأرض
والعجيب أنني وجدت البشر منذ أيامهم الأولى على الأرض وهم محترفون للتزوير والتضليل وتغير الحقائق
وقد وهبهم الله القدرة النفسية على التخيل والابتكار والإتيان بالجديد
وكان هذا من أجل المهمة الأساسية التي خلق من أجلها وهي إعمار الأرض كمستخلف عليها
وفي إطار أنه مستخلف بأمر من خلقه وخلق الأرض فهو مأمور بالطاعة والالتزام بحدود وقوانين الخالق
إلا أن البشر دوما يتناسون أو ينكرون احدهما .. فيرتكبون أحد جريمتين
الأولى
فإما أنهم يجحدون الإطار فينفذون مهمة إعمار الأرض لحسابهم
دون الخضوع أوالطاعة لمن خلقهم وخلق لهم الأرض
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }الروم9
الثانية
وإما ينكرون أو يتناسون المهمة نفسها وهي الإعمار للأرض
ويكتفون بتأدية مراسم العبادة
ويدعون أنهم أبناء الله وأحباءه وينكرون أن غيرهم على حق
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }البقرة113
وينطبق قوله تعالى ... كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم .... على المسلمون الآن
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }المائدة18
وامتلاء تاريخ البشر بتزوير رسالات الله وكتبه وتعاليمه لهم
واحترف البشر تحريف الكتب السماوية
وما كان هذا ليمنع ازدياد الميراث التاريخي للبشر وتناميه
عبر قرون تواجده على الأرض
حتى بلغ حد الرشد التاريخي الذي يسمح
بتحمل تكاليف الخلافة على الأرض كاملة دون تقسيط
كما كان يرأف الله بهم من قبل .. فيحرم ويحلل أشياء طبقا لقدرات تحملهم للتكاليف
وهو ما رأيناه من تدرج في التكليف
حتى في وجود خاتم الأنبياء وحتى إنتهاء واكتمال رسالته
إلا أن الله شاء
بعدما أثبت للبشر عدم قدرتهم على حمل أمانة الحفظ لكلامه ورسالاته دون تحريف
أن تكون مهمة الحفظ لهذه الرسالة الخاتمة ... هي مهمته هو جل شأنه
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9
وذلك حتى لا يكون للبشر على الله حجة
بعدم وجود الدليل الهادي والشامل لما يشجر بينهم
بل وجعل جنود حفظ كتابه من البشر أنفسهم سواء آمن به أو كفر
وتلك معجزة قد لا ينتبه لها الكثيرون
ورغم أن الله حفظ لهم كتابه الجامع والشامل
ودستور حياتهم ودليل الوصول لآخرتهم من التحريف
إلا أنهم هم البشر
فمنهم من كفر به جهلا وظلما لنفسه قبل غيره
ومنهم من كفر به جحودا بعدما استيقنته نفوسهم وعقولهم
ومنهم من يدعي بأن القرآن محرف
وهو يريد إصلاحه بإضافة اسم بشر يرى هو أحقيته بالرسالة
ومنهم من يرى أن القرآن ليس إلا كتاب أحجية وتعاويذ
تقرأ على الموتى وللوقاية من السوء وللتبرك
ومنهم من يرى أنه لا يصلح دستور حياة
وهو مثل مجموعة الأناجيل المحرفة التي أفسدت أوروبا قديما
أما من آمنوا به وادعوا أو اعتقدوا أنهم أهله وحفظته
فقد كانت جريمتهم أشد وأفظع وأنكى
فقد اجتهدوا فيه ليفسروه ويأولوه وما منكر أنهم جاءوا بالكثير من العلم
وطرقوا أبوابا كثيرة كانت مغلقة
إلا أنهم كعادة البشر
رأوا أنهم أول وآخر من له حق الاجتهاد
فأغلقوا الأبواب من خلفهم وكأن ما توصلوا إليه هو غاية العلم وسنامه وذروته
ولا عقول ولا بشر بعدهم سيأتي بأفضل منه
بل وارتكبوا جريمة أفظع ... عندما حذرهم رب العزة .. من محاولة تأويل المتشابهات
حددوا المتشابهات على أنها آيات العلم والخلق التي لم يستطيعوا فهمها في حينه
فتوقف البحث والتطوير لعمار الأرض والاهتداء بتلك الآيات عندهم
وبدأت مراحل تخلف المسلمين تتسارع .. حتى يومنا هذا
بل وأشد من هذا أنهم اختاروا الآيات المتشابهات بالفعل
وهي آيات القصص القرآني واعتبروها هي فقط ليست متشابهات وخاضوا فيها
وأضافوا لها أساطير اليهود وأقواما كفروا قبلهم
فأفرغوا معظم آيات القصص من العبر التي يرويها الله تعالى من أجلها
وخاضوا في تفاصيل لم يعنيها رب العزة ... نقلا عن اليهود وأمم سبقتهم
فغرقوا وأغرقوا من ورائهم وكل من اتبعهم فيما لا يفيد
بل إنهم بالفعل وضعوا أسس الفتنة التي حذر الله منها
فيأس عامة البشر مما يقولونه ... وانصرف البشر لغير ما أمر الله باتباعه
واضطر عامة المسلمين أن يسيروا خلف من أبهرهم
بتقدمه المادي وإعماره الأرض أفضل منهم
ولم يكن أمامهم خيار آخر .. سوى أن يصدقوا
أن الدين لله ... والأرض شأن من يعيش عليها
فقلدوا من كفر وأشرك وصنعوا دساتير حياة منقولة عنهم لتكون لهم أساسا وقانونا
عوضا عن دستور الخالق الذي وضعه لهم
وكعادة البشر
فالجحود الناتج عن الجهل وربما عن عدم الإيمان وربما استكبارا وتعاليا بل وتألها
أدى بالبشر لعدم تصديق أن كتاب الله يصلح دستور حياة
بل وكثر اللغط والكلام والجدال لمن يعلم ومن لا يعلم
وساعدهم سهولة تداول الكلام والمعلومات
حتى صدق فيهم قول الله تعالى
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }
الكهف54
وأفرز هذا المناخ المتلاطم أنواعا من الجماعات والفرق
أفضلها متشددا يريد أن يفرض حصارا
من التشدد كرد فعل لتيارات الانحراف الجارفة
وهم لا يسمعون إلا أصواتهم
وآخرون تعلمنوا ... ورأوا في العلمانية أفضل الحلول
وفي عقولهم خير هداية وأفضل الحلول
والعامة ... ضياع بين الجميع ومتفرجون تخطفهم وسائل اللهو واللهث
وراء مزيدا من الطعام أو المتع
والشباب ممزقون بين الجميع ما بين مستقبل مظلم بكل المقاييس العلمانية
وغير موثوق فيه بكل المقاييس المتشددة التي تدعوا للاستعداد للنهاية القادمة لا محالة
وهو تماما .. ما خطط له بعض البشر (نظرية المؤامرة)
للقضاء على آخر بقايا هؤلاء المسلمون ... من لا يستحقون كتاب الله الأخير
وليس أبلغ على ذلك .. من أن من كفروا بالقرآن كالألمان
هم أنفسهم .. من أنشأ مراكزا استراتيجية لدراسة علوم القرآن بحيادية
ولم يفرق بين آيات أخلاق وحدود ... وآيات علم بحت وتطبيقي
ولا آيات قصص وعبر وحكمة ... ولا آيات تبشير أو نذير
والأعجب أن العاملين فيها
هم أساتذة وعلماء للقرآن واللغة العربية ... ومعظمهم من المسلمين
أما المسلمون .. أصحاب الرسالة والكتاب
فما زالوا يغطون في ثبات عميق
ومن استيقظ منهم ما زالوا في تشابك وتناحر وخلاف
على كل أنواع التوافه من الأمور ... كالفتاوى الفضائية والنقاب أو الحجاب
أو على السلطة .. دنيوية كانت أو دينية كما قسموها من قبل
فما زالوا يعيدون نفس مسلسل الصراع الأوروبي القديم
بين رجال الدين .. ورجال السلطة ... وكأنهم لم يقرأوا التاريخ أو لم يفهموه
ولكن الخاسر هذه المرة ... سيكون الجميع
فكلا الفريقين على باطل ... وكلاهما مسئول عما نحن فيه من تدهور وانحطاط وانحراف
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
والله غالب على أمره ... قد جعل الله لكل شيء قدرا
جمال عمر