مساجد المغرب لتكريس الفن الجمالي

عبدلاوي لخلافة


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

مسجد مغربي بلمسات جمالية أخاذة
طالبت توصيات الندوة العلمية التي نظمتها مديرية المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب بتاريخ 18 من يونيو 2007 بالرباط، بإنجاز دليل عملي ومرجعي لمعمار المساجد ليصبح المسجد علامة حضارية ضمن النسيج العمراني المعاصر مع مراعاة الضوابط الشرعية والخصوصيات المغربية في البناء والترميم.


وناقش المشاركون، من خلال استقراء تطور بناء المساجد عبر تاريخ المغرب وتنوعه تبعا لتنوع جهات المغرب، مواصفات مسجد المستقبل ليفي بوظيفته المجتمعية ويستعيد أدواره التعبدية والعلمية.

ونبهت بحوث الندوة -التي شارك فيها معماريون ومهندسون وعلماء- إلى ضرورة تدريس الفن الجمالي من خلال المساجد ضمن البرامج الدراسية في المؤسسات المهتمة بالتعمير ليصبح "علامة" تنافسية ضمن المنشآت المعمارية الحديثة، ومساعدة المهندسين في استحضار هاته الخصوصيات في التصاميم التي ينجزونها.
ضوابط للمعمار

وقد بينت مداخلة الدكتور إسماعيل الخطيب، عضو المجلس العلمي لتطوان، تلازم الآراء الشرعية مع تصميم وتخطيط عمارة المساجد بالمغرب، حيث أوضح من خلال إيراد مجموعة من النصوص الشرعية التي تبين حرص الإسلام على ضبط معايير بناء المساجد في النسيج العمراني مع التوجيهات الشرعية منذ بناء الرسول الكريم لمسجد قباء بعد الهجرة بحيث تكون مركز إشعاع تلتقي حوله مختلف مصالح المدينة الإسلامية.

أما من حيث العناصر المعمارية، فلفت الخطيب إلى أن هاته العناصر تستمد تصورها من الهدي النبوي، حيث يتم توسيع رواق القبلة ليكون على هيئة مستطيل للظفر بفضل الصلاة في الصف الأول، كما جعلت الأبواب ومداخل المسجد في جوانب المساجد وآخرها لتفادي المرور بين الصفوف مع توفير صحن مكشوف لتزويد المسجد بالضوء والهواء وليكون متسعا إضافيا للمصلين عند الاكتظاظ، تزين وسطه نافورة للوضوء تمثل لمسة جمالية للمسجد.

وأشار المحاضر إلى بعض العناصر الإضافية للمسجد مثل الصومعة بأنواعها المدورة والمربعة والمثمنة والمضلعة، والقبب المزخرفة.


علامة حضارية


ولفت بحث الأستاذ حسن خرميش حول موضوع "المسجد علامة في المدينة"، إلى ضرورة العمل لجعل المسجد في ظل العولمة وتحدياتها علامة تنافسية للمنشآت الحديثة في المدينة الإسلامية، ليكون منافسا لمنشآت غربية مثل "مطاعم الماكدولندز" وغيرها في عقد اللقاءات وتوضيح بعض الأماكن بالمدينة.

فالمسجد، برأي "خرميش"، كان منذ التاريخ الأول النواة الأساس لبناء المدينة الإسلامية وإلى جانبه تنشأ دار الإمارة، وهو ما يتطلب العمل لاستعادة وظائفه التعليمية والاجتماعية والسياسية، إذ لم تكن خطبة الجمعة هي الخطبة الوحيدة التي تؤدى بالمسجد، بل كان مركزا لاتخاذ القرارات.

وألح المحاضر على إعادة أدوار المسجد الحضارية دون الاقتصار على بناء مساجد ضخمة معماريا ليصبح علامة بارزة ومنافسة داخل المجال العمراني للمدينة الإسلامية وإقحام المسجد في النسق المتغير للمجتمع.

وقدمت بحوث علمية أخرى معطيات تاريخية ومعمارية عن التنظيم المجالي للمساجد وتاريخها والاتجاهات المختلفة في عمارتها بالاستناد إلى بعض الدراسات المتوفرة حول الدول التي تعاقبت على حكم المغرب الأقصى من موحدين ومرابطين ومرينيين وسعديين وصولا إلى العلويين.
معايير العمارة

وأبرز عبد العزيز درويش، مدير المساجد بالوزارة الوصية عن الشأن الديني بالمغرب، الاتجاهات التاريخية والمعاصرة لعمارة المساجد والمعايير الواجب توفرها في بنائها وترميمها.

وقال درويش: إن المهندس المعماري والصانع التقليدي بالمغرب استطاعا التوفيق بين وحدة المساجد عبر العصور وعنصر التنوع، الذي هو مظهر للقدرة الإبداعية المحددة لملامح الطراز المغربي.

بيد أن مدير المساجد بالمغرب، لفت إلى أن التقدم التقني المتسارع في عصر متغير قد: "يهز قيمة هذه الثوابت ويجعل الهدف الأساسي لعمارة المستقبل هو تبني التقنيات والنظريات الحديثة وإهمال العمارة الأصيلة في بناء المساجد إلى حد تصبح معه بعض المساجد هجينة بدون هوية".

وأضاف درويش أن الاتجاهات المعاصرة تطرح أمام عمارة المساجد اتجاهات متنوعة حسب درجة التوفيق بين الموروث الحضاري من جهة ومواد البناء وطرق الإنشاء والتقنيات الحديثة من جهة أخرى.

وخلص إلى التأكيد أن المعايير التي وضعتها الوزارة المكلفة بالمساجد تروم تحقيق انتظام أكبر لبناء المساجد وتوزيعها عبر التراب المغربي، وتوفير فضاءات واسعة لخدماتها الوظيفية مع توفير العقار لذلك، وإنجاز المرافق والتجهيزات التابعة للمسجد من منزل للإمام وقاعة مجهزة ومرافق تجارية للإنفاق على حاجياته بالتنسيق مع المتدخلين الآخرين في تحقيق ذلك من محسنين ووزارة إسكان وهيئات المعماريين والمهندسين.

لجنة متابعة


ودعت الندوة الباحثين المغاربة للدراسة والبحث للتعريف بالتراث الديني المغربي وأهميته وخصائصه التعليمية والاجتماعية للحفاظ عليه، وعقد ندوات موضوعاتية حول موضوع المساجد ووضع دليل مصطلحات لها، وخطة شاملة لبنائها تتضمن الأسس العلمية والتقنية بإشراك المختصين والمؤسسات المعمارية والجامعات في ذلك.


ولمتابعة هاته التوصيات، ألحت الندوة على تكوين لجنة متابعة مكونة من ممثلين عن وزارة الأوقاف وشركائها لوضع دليل مرجعي لبناء المساجد قبل نهاية السنة الجارية (أواخر نونبر وبداية دجنبر القادم).

يذكر أن إحصاء قامت به الوزارة الوصية على المساجد أشار إلى أن المغرب يتوفر على 41 ألف و755 مسجدًا وقاعة للصلاة لإقامة شعائر الدين الإسلامي يقوم على شئونها، بالإضافة إلى الوزارة الوصية، محسنون.

يذكر أن وزارة الأوقاف تسعى إلى تنفيذ برنامج مستعجل لبناء 20 مسجدًا كل سنة بالأحياء الهامشية بكبريات المدن المفتقرة إلى مساجد لائقة محتوى ومظهرا.

وأكدت الندوة على الحفاظ على الطراز المغربي الأصيل في بناء المساجد والمآثر الدينية في المدن والقرى مع مراعاة الخصوصيات المحلية والتوفيق مع التقنيات الحديثة في البناء.وقد شددت التوصيات الصادرة في ختام الندوة على جمع وتدوين الضوابط الشرعية لبناء المساجد في كتاب شامل، يتضمن أحكام المساجد من فتاوى واجتهادات علمية، وحث المنعشين العقاريين للمساهمة الطوعية في إدماج المسجد في النسيج التعميري والتخطيط العمراني وتخصيص الأماكن الكافية لإنشائها وتجهيزها.


--------------------------------
صحفي مغربي.