قراءة واعية لعلاقة الغرب بالإسلام (1)
مصطفى إنشاصي
إن الصراع الدائر في الوطن الإسلامي وفلسطين خاصة؛ الذي تخوض الأمة غمار معاركه في جميع الميادين، ما هو إلا حلقة من حلقات الصراع الطويل المرير الذي بدأه الغرب (نقصد بالغرب اليهود والنصارى؛ لأن الحضارة الغربية هي نتاج عقائد يهودية إغريقية رومانية، كما أنه جمع بينهما على الرغم من عداوتهما تحالف المشترك فيه عداتهما للإسلام وأمته) منذ سنوات الدعوة الأولى ضد الرسالة الخاتمة، ولم تهدأ ناره في قلب الغرب بل تتضاعف وتزداد لفشله في القضاء على الإسلام، أو إخراجه من حياة وواقع الأمة.
لم يكن الصراع قبل الإسلام بين الغرب والشرق يحمل أي بُعد ديني، لأن كلا الطرفين كان وثنياً، إنما كان صراعاً لاحتلال الأرض واستبعاد الشعوب، وبسط السلطان وتوسيع رقعة الإمبراطورية جغرافياً، ولم يكن الخطر في أحد الطرفين على الآخر يكمن في قوته الفكرية أو الحضارية لكن في قوته العسكرية، فقد كان الغزو يتم عسكرياً وينتهي عسكرياً، أما بعد الإسلام فقد أضيف للصراع بُعداً أقوى من القوة العسكرية. وهو البُعد المنهجي (الأيديولوجي) المتمثل في الإسلام كدين عالمي، ومنهج حياة، وفي البُعد الحضاري المنبثق عن رسالة الإسلام الإنسانية المعالم والأبعاد، التي لم تستهدف من فتوحاتها للبلاد الأخرى ما كان يستهدفه المحتلون سابقاً، احتلال للأرض واستعباد للشعوب، لكن استهدفت تحرير الإنسان من عبودية الإنسان، ومن القيود والأغلال التي أثقلت كاهله نتيجة فقدان المنهج الذي يحترم إنسانية الإنسان وكرامته، والذي ينظم علاقة الإنسان بالإنسان، ويحفظ التوازن في هذا الكون.
فالإسلام هو دين الله الخالد، ورسالة محمد صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هي خاتمة الرسالات السماوية، والمتأمل لطبيعة هذه الرسالات الإلهية يجد أنها تشترك جميعها في هدف وغاية واحدة على اختلاف عصورها ونزولها وظروف الناس المادية والإيمانية، وهذه الغاية تتمثل في الدعوة إلى منهج الله سبحانه وتعالى، المنهج الإلهي الذي يعيد دمج الإنسان في رحم الكون، وتشييد الحضارة البديلة للحضارة الوضعية، التي تعلو فيها إرادة الإنسان على كل شيء، فالحضارة الإسلامية في نسقها وتطورها تقوم على الرعاية الإلهية لها باعتبارها حضارة السلام والوحدة الإنسانية في شكلها النهائي.
وببعثة محمد صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أخذ الصراع شكله الأخير: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (آل عمران:110)، خيرية المنهج وعالمية قيمه وأخلاقه البديل للمنهج الوضعي البشري.
لقد أضاف الإسلام بُعدا جديداً للصراع مكن العرب والمسلمين من الوصول إلى حدود الصين وفرنسا، وأن تدوم دولتهم تحت راية الإسلام ألفاً وأربعمائة عام، ومازال الإسلام ماثلاً للعيان في نفوس الناس وحياتهم بعد أكثر من قرنين من الزمن ومحاولات فصل الأمة عن دينها، وقرن من ألغاء نظامها السياسي وإسقاط الخلافة العثمانية عام 1924م. ورغم حملات التعذيب والتغريب ومحاولات إذابة الشخصية والهوية الإسلامية، ورغم حملات التبشير والتنصير التي ناهزت على ثلاثمائة عام، ورغم تخريج الطوابير المتعددة من المتغربين من أبناء الأمة، إلى جانب حملات القمع والقتل والتشريد والطرد وغيرها من أتباع الغرب ضد المسلمين المطالبين بتطبيق الإسلام منهج حياة، دنيا وآخرة، عقيدة وشريعة، عبادة وجهاد. كل ذلك وغيره لم يؤثر على الإسلام ولم يمنعه من العودة للنهوض وتهديد الغرب داخل حصونه ومعاقله، كما هدده سابقاً!
فقد وجدت كثير من الشعوب الأخرى في الإسلام ما افتقدته في غيره، وجدت فيه الرحمة والسماحة والعدل الإنساني بعد أـن عانت ألواناً من الظلم والقهر والاستعباد، فأقبلت عليه طائعة ودخلت فيه بحرية، وذلك أمر مشهور مشهود به جعل كثير من المستشرقين على الاعتراف بأن الدخول في الإسلام في البلاد المفتوحة تم عن إرادة واختيار، فقد شهد بذلك قبلهم ثيودسيوس بطرق بيت المقدس سنة 869م في رسالته التي بعث بها إلى زميله أجاتيوس بطرق القسطنطينية، التي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامهم المطلق، حتى أنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شئونهم الخاصة، فقد قال: "إن المسلمين قوم عادلون، ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت".
وقد اعترف بذلك قائد طليعة الهجمة الغربية الحديثة على المشرق الإسلامي، نابليون بونابرت: "إن العرب المسلمين قد فتحوا نصف الدنيا في نصف قرن لا غير"! أما المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون وهو من أكبر فلاسفة الاجتماع والعمران والتاريخ في الغرب قال: "فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا ديناً سمحاً مثل دينهم"!
أما المؤرخ الإنجليزي ولز فإنه يعترف أن الإسلام أفضل نظام اجتماعي وسياسي: "إذا كان القارئ يتخيل أن موجة الإسلام قد غمرت بهذا الفيض الذي فاضته بعض مدنيات شريفة فارسية أو رومانية أو يونانية، فيجب أن يرجع عن خياله هذا حالاً، فإن الإسلام قد ساد لأنه أفضل نظام اجتماعي وسياسي تمخضت به الأعصر، وإن الإسلام قد ساد لأنه وجد أمماً استولى عليها الخمول وكان فاشياً بها والظلم والنهب والعسف وكانت بدون تهذيب ولا ترتيب، فلما جاء الإسلام لم يجد إلا حكومات مستبدة ومستأثرة منقطعة الروابط بينها وبين رعاياها، فأدخل الإسلام في أعمال الخلق أوسع فكرة سياسية عرفها البشر، وقد مد إلى البشرية يد المعونة. ولم يبدأ الإسلام بالانحطاط إلا عندما بدأت البشرية تشك في صدق القائمين"!
وقال لوثروب ستودارد الأمريكي: "كاد يكون نبأ نشوء الإسلام النبأ الأعجب الذي دوى في تاريخ الإنسان. ظهر الإسلام في أمة كانت من قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان، وبلاداً منحطة الشأن، فلم يمضِ على ظهوره عشرة عقود حتى انتشر في نصف الأرض ممزقاً ممالك عالية الذرى مترامية الأطراف، وهادماً أدياناً قديمة كرت عليها الحقب والأجيال، ومغيراً ما بنفوس الأمم والأقوام، وبانياً عالماً حديثاً متراص الأركان هو عالم الإسلام"!
قراءة واعية لعلاقة الغرب بالإسلام (1)
مصطفى إنشاصي
إن الصراع الدائر في الوطن الإسلامي وفلسطين خاصة؛ الذي تخوض الأمة غمار معاركه في جميع الميادين، ما هو إلا حلقة من حلقات الصراع الطويل المرير الذي بدأه الغرب (نقصد بالغرب اليهود والنصارى؛ لأن الحضارة الغربية هي نتاج عقائد يهودية إغريقية رومانية، كما أنه جمع بينهما على الرغم من عداوتهما تحالف المشترك فيه عداتهما للإسلام وأمته) منذ سنوات الدعوة الأولى ضد الرسالة الخاتمة، ولم تهدأ ناره في قلب الغرب بل تتضاعف وتزداد لفشله في القضاء على الإسلام، أو إخراجه من حياة وواقع الأمة.
لم يكن الصراع قبل الإسلام بين الغرب والشرق يحمل أي بُعد ديني، لأن كلا الطرفين كان وثنياً، إنما كان صراعاً لاحتلال الأرض واستبعاد الشعوب، وبسط السلطان وتوسيع رقعة الإمبراطورية جغرافياً، ولم يكن الخطر في أحد الطرفين على الآخر يكمن في قوته الفكرية أو الحضارية لكن في قوته العسكرية، فقد كان الغزو يتم عسكرياً وينتهي عسكرياً، أما بعد الإسلام فقد أضيف للصراع بُعداً أقوى من القوة العسكرية. وهو البُعد المنهجي (الأيديولوجي) المتمثل في الإسلام كدين عالمي، ومنهج حياة، وفي البُعد الحضاري المنبثق عن رسالة الإسلام الإنسانية المعالم والأبعاد، التي لم تستهدف من فتوحاتها للبلاد الأخرى ما كان يستهدفه المحتلون سابقاً، احتلال للأرض واستعباد للشعوب، لكن استهدفت تحرير الإنسان من عبودية الإنسان، ومن القيود والأغلال التي أثقلت كاهله نتيجة فقدان المنهج الذي يحترم إنسانية الإنسان وكرامته، والذي ينظم علاقة الإنسان بالإنسان، ويحفظ التوازن في هذا الكون.
فالإسلام هو دين الله الخالد، ورسالة محمد صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هي خاتمة الرسالات السماوية، والمتأمل لطبيعة هذه الرسالات الإلهية يجد أنها تشترك جميعها في هدف وغاية واحدة على اختلاف عصورها ونزولها وظروف الناس المادية والإيمانية، وهذه الغاية تتمثل في الدعوة إلى منهج الله سبحانه وتعالى، المنهج الإلهي الذي يعيد دمج الإنسان في رحم الكون، وتشييد الحضارة البديلة للحضارة الوضعية، التي تعلو فيها إرادة الإنسان على كل شيء، فالحضارة الإسلامية في نسقها وتطورها تقوم على الرعاية الإلهية لها باعتبارها حضارة السلام والوحدة الإنسانية في شكلها النهائي.
وببعثة محمد صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أخذ الصراع شكله الأخير: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (آل عمران:110)، خيرية المنهج وعالمية قيمه وأخلاقه البديل للمنهج الوضعي البشري.
لقد أضاف الإسلام بُعدا جديداً للصراع مكن العرب والمسلمين من الوصول إلى حدود الصين وفرنسا، وأن تدوم دولتهم تحت راية الإسلام ألفاً وأربعمائة عام، ومازال الإسلام ماثلاً للعيان في نفوس الناس وحياتهم بعد أكثر من قرنين من الزمن ومحاولات فصل الأمة عن دينها، وقرن من ألغاء نظامها السياسي وإسقاط الخلافة العثمانية عام 1924م. ورغم حملات التعذيب والتغريب ومحاولات إذابة الشخصية والهوية الإسلامية، ورغم حملات التبشير والتنصير التي ناهزت على ثلاثمائة عام، ورغم تخريج الطوابير المتعددة من المتغربين من أبناء الأمة، إلى جانب حملات القمع والقتل والتشريد والطرد وغيرها من أتباع الغرب ضد المسلمين المطالبين بتطبيق الإسلام منهج حياة، دنيا وآخرة، عقيدة وشريعة، عبادة وجهاد. كل ذلك وغيره لم يؤثر على الإسلام ولم يمنعه من العودة للنهوض وتهديد الغرب داخل حصونه ومعاقله، كما هدده سابقاً!
فقد وجدت كثير من الشعوب الأخرى في الإسلام ما افتقدته في غيره، وجدت فيه الرحمة والسماحة والعدل الإنساني بعد أـن عانت ألواناً من الظلم والقهر والاستعباد، فأقبلت عليه طائعة ودخلت فيه بحرية، وذلك أمر مشهور مشهود به جعل كثير من المستشرقين على الاعتراف بأن الدخول في الإسلام في البلاد المفتوحة تم عن إرادة واختيار، فقد شهد بذلك قبلهم ثيودسيوس بطرق بيت المقدس سنة 869م في رسالته التي بعث بها إلى زميله أجاتيوس بطرق القسطنطينية، التي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامهم المطلق، حتى أنهم سمحوا للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شئونهم الخاصة، فقد قال: "إن المسلمين قوم عادلون، ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت".
وقد اعترف بذلك قائد طليعة الهجمة الغربية الحديثة على المشرق الإسلامي، نابليون بونابرت: "إن العرب المسلمين قد فتحوا نصف الدنيا في نصف قرن لا غير"! أما المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون وهو من أكبر فلاسفة الاجتماع والعمران والتاريخ في الغرب قال: "فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا ديناً سمحاً مثل دينهم"!
أما المؤرخ الإنجليزي ولز فإنه يعترف أن الإسلام أفضل نظام اجتماعي وسياسي: "إذا كان القارئ يتخيل أن موجة الإسلام قد غمرت بهذا الفيض الذي فاضته بعض مدنيات شريفة فارسية أو رومانية أو يونانية، فيجب أن يرجع عن خياله هذا حالاً، فإن الإسلام قد ساد لأنه أفضل نظام اجتماعي وسياسي تمخضت به الأعصر، وإن الإسلام قد ساد لأنه وجد أمماً استولى عليها الخمول وكان فاشياً بها والظلم والنهب والعسف وكانت بدون تهذيب ولا ترتيب، فلما جاء الإسلام لم يجد إلا حكومات مستبدة ومستأثرة منقطعة الروابط بينها وبين رعاياها، فأدخل الإسلام في أعمال الخلق أوسع فكرة سياسية عرفها البشر، وقد مد إلى البشرية يد المعونة. ولم يبدأ الإسلام بالانحطاط إلا عندما بدأت البشرية تشك في صدق القائمين"!
وقال لوثروب ستودارد الأمريكي: "كاد يكون نبأ نشوء الإسلام النبأ الأعجب الذي دوى في تاريخ الإنسان. ظهر الإسلام في أمة كانت من قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان، وبلاداً منحطة الشأن، فلم يمضِ على ظهوره عشرة عقود حتى انتشر في نصف الأرض ممزقاً ممالك عالية الذرى مترامية الأطراف، وهادماً أدياناً قديمة كرت عليها الحقب والأجيال، ومغيراً ما بنفوس الأمم والأقوام، وبانياً عالماً حديثاً متراص الأركان هو عالم الإسلام"!