عز الدين القسام: أنت باقٍ فينا نهجاً جهادياً وفكراً وممارسة (الأخيرة)
لمن قرأ الحلقات السابقة عن القسام ولم يفهم تجربته، أو يميز الفارق بينها وبين الواقع الذي يرفع فيه شعاره فصيلان، إن أراد أن يتدارك ما فاته ويفهم شيء، ليقرأ بعقله وقلبه لا بعينيه وانتماءه الحزبي وتعصبه الأعمى له، ولست مسؤول عن غضب من يغضب انتصاراً للواقع المخالف لحقيقة القسام وتجربته، وأنا أكتب حقائق ومعلومات عن تجربة صاحب الشعار يجهلها هو ومَن يرفعون الشعار أنفسهم، ولم يعيشوه ممارسة ...!
ليلة مثل هذا اليوم 20/11/1936 استشهد الشيخ المجاهد أبا المجاهدين عز الدين القسام، ابن جبلة السورية مولداً ونشأة، والأزهري تربية وعلماً، وابن فلسطين جهاداً واستشهاداً، الذي كانت آخر كلماته أثناء المشاورات التي جرت بينه وبين صحبه المجاهدين الذين كانوا معه، من فلسطين وسوريا ومصر، حول ماذا يفعلون وهم ثلة قليلة وليس معهم إلا القليل من السلاح والرصاص، وليسوا متهيئين لمعركة فرضت عليهم بعد انكشاف مكانهم، وهم محاصرون بمئات الجنود الإنجليز، وعشرات الآليات العسكرية المتنوعة، خلافاً للدعم بالطائرات إن احتاج الأمر، وهم في مهمة لم تكتمل بعد، للتشاور مع علماء ووجهاء ومجاهدي فلسطين لإشعال الثورة ضد المحتل الإنجليزي، حسمت كلماته التي غدت شعاراً للمجاهدين، الذين منهم من أدرك معناها كما أدركه صحبه ومارسه، ومنهم من بقيت شعاراً وكلمات جوفاء لا يفهم معناها لأنها لم تلامس لا قلبه وعلى عقله، ولم يعرف مناسبة قولها، حسمت الموقف:
إنه جهاد: نصر .. أو استشهاد!
إنها (خمسة كلمات) إلا أنها عظيمة في معناها، أجملت عظمة روح وجوهر ومبدأ المجاهد إسلامياً، وسمو ورفعة عن الضعف والتردد في مواطن تضعف فيها بعض النفوس، وزهد في الدنيا وكل ما فيها، وصدقاً للعهد مع الله ووفاءاً بعد طول انتظار لمن سبق ...!
لقد كان شعارك يا سيدي ومولاي شعاراً قرآنياً: إنها إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة!
وممارستك ممارسة كل المجاهدين زمن الاحتلالات الغربية لوطننا: أننا نخوض معركتنا هنا على أرضنا وليس في عصبة الأمم!
لذلك كان موقفك موقف المفاصلة مع كل قوى الشر، البريطانيين والصهاينة وحلفائهم من مسلمين وغير مسلمين، لم تثق في الأنظمة العربية ولا الزعماء والقادة آنذاك ولم تقم معهم علاقات من أي نوع كما هو حال شعارك اليوم!
لأنك لم تهادن محتل فرنسي ولا بريطاني ولا إيطالي، ولا استجبت لأي عرض من العروض المغرية على كثرتها!
لأنك لا أنت ولا أتباعك اتهمت أحداً ممن خالفكم الرأي بأدنى تهمة لأنكم ليسوا أوصياء على أحد، ولا بيدكم مفاتيح الجنة أو النار، ولا مطلعين على ما في قلوبهم حقيقة، وتخشون أن تبوؤوا بإثمها إن لم تصب صاحبها، ولأنكم حريصين على وحدة الشعب وفتح باب الاتهامات يمزق وحدته!
لأنكم لن خوضوا في دماء أو أعراض أحد من المسلمين ممن اختلفوا معكم، لا في سوريا ولا فلسطين، وأنت لم تنسى أن توصي صحبك قبل بدء المعركة: تجنبوا قتل الفلسطينيين الذين في سلك الشرطة مع الإنجليز، ومنهم من قدم مع القوة الغاشمة وتحاصرنا، مأ أعظمك وما أعظم ورعك وتقواك وطهارة سلاحك من دماء المسلمين!
لأنك وصحبك تؤمنوا بالسلطة ولا بالعمل السياسي، ولم يكن انتماءكم لحزب أو طائفة، لم تصارعوا على سلطة أو مغنم، لم تشطر الوطن ولا المجتمع، ولم تزقوا الأسرة والعائلة الواحدة!
حتى أتباعك لم يوقفوا المقاو مة لا استجابة لمطلب اللجنة العربية العليا، ولا استجابوا لدعوة ونداء القادة والزعماء العرب، ولا لاتفاقيات كان يعقدها قائد الثورة المستقدم من الملوك والأمراء العرب آنذاك وفرض على الثوار، وهو ضابط مقاتل في الجيش الفرنسي وعميل للفرنسيين، فوزي القاوقجي، ولا ألقوا بال لكل ما كان يحدث حولهم يمكن أن يشغلهم عن العمل الجهادي!
لذلك سيدي ومولاي لم تكن ولن تكون، ولا فهمتك يوماً اسماً .. ولا شعاراً .. إنما منهجاً ومدرسة وحدوية في السياسة والعسكر والجهاد .. فمن ليس أهلاً لمنهجك ومدرستك ليختار له شعاراً غير شعارك يناسب حقيقته ..
لذلك ستبقى فينا كما كنت لنا، ونسأل الله الثبات وحسن الخاتمة ...