بين شيخو توري و عبد الناصر (1 ) : نار تحت رماد هزيمة 67


يمثل إنهائي قراءة كتاب ما .. وداع "صديق" .. تلويحة وداع .. قليل من أسى ... ومع ذلك فلابد من وجود اختلاف بين كتاب وآخر ..
من الكتب المختلفة .. أو التي تركت انطباعا مختلفا .. كتاب"سيرة من ذاكرة القرن العشرين " للأستاذ محمد عالي شريف،مستشار الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه،أول رئيس لمورتانيا بعد الاستقلال...
خرجت بانطباعين من الكتاب .. أولهما تواضع المؤلف،في بداية الكتاب،وتجنبه الحديث المباشر عن نفسه،رغم أنها مذكرات .. الانطباع الثاني : قدرة المؤلف على "كبسلة"- إن صح التعبير – فترة تاريخية معينة .. أي وضعها في "كبسولة".
ثم اختلف الوضع حين بدأ المؤلف الحديث عن عمله .. فهنا لم يكن هناك بد من الحديث عن"النفس" .. وما قام به من أعمال .. وهذا أمر طبيعي.
إلى هنا والأمر عادي .. وقد وضعتُ الكثير من الخطوط تحت بعض الأفكار – كما أفعل عادة – التي لفتت نظري... ولكنني حين وصلت إلى الصفحة 313 - والكتاب يقع في 398 صفحة - وقد بدأ حديث المؤلف الكريم عن" مصر جمال عبد الناصر" :
( لكن مصر الحقيقية التي طبعت القرن العشرين هي بلا شك مصر جمال عبد الناصر الذي جسد الأمة العربية اتجاه التوسع الأجنبي. وكان لقائي بعبد الناصر سنة 1970 قبل عشرين يوما من وفاته المفاجئة،حدثا عظيما ما كنت أحلم به منذ طفولتي.){ ص 313 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.
وأضاف :
(إن القائد الوطني العربي،وقائد الحركة الأفريقية الآسوية الناشئة،ثم بعد ذلك قائد"حركة عدم الانحياز"هو حامل علنا لجراح الأمة العربية النازف.){ ص 314 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.
هذا الكلام كان معقولا قبل عقود – ولعلي كنت أعقده قديما - حين كان الإعلام الناصري هو الذي يملك الصوت العالي .. والأغاني الهادرة ..
أما أن يُقال هذا الكلام في بداية القرن الحادي العشرين – والمؤلف الكريم تحدث عن احتلال الكويت سنة 1990- فأمر يثير الدهشة ..خصوصا حين يصدر عن مثقف كبير ومسؤول سياسي واسع الاطلاع .. بل وضحية من ضحايا "الانقلابات العسكرية"!!
وقد كتب بعد أن أطاح العسكر بحكومة المختار ولد داداه :
(وذكرت أن موريتانيا كغيرها من البلاد الأفريقية و العربية،إلا ما ندر جميع ضباط الصف فيها يحلمون بالاستيلاء على السلطة،سواء أظهروا ذلك أو أخفوه .) { ص 230 ( سيرة من ذاكرة القرن العشرين)}.
نعم. كل "ضابط صف"يحلم بالحكم .. فكيف بضابط صاحب "كاريزما"!
والعسكر هم الذين قال عنهم د.غازي القصيبي،رحم الله والديّ ورحمه :
(ماذا تتوقع من إنسان يقضي النصف الأول من عمره في تلقي الأوامر،والنصف الثاني في إعطائها){رواية "العصفورية"}.
قبل الولوج في الحديث عن العسكر وما فعلوه بالأمة .. لابد من طرح سؤال ظل يلح عليّ :
كيف يكتب مفكر ما عن "ديكتاتور" ما .. بخطاب واحد .. بعد مرور عقود على موته .. وبعد صدور دراسات كثيرة .. ومذكرات عديدة – بعضها لرفاق الدكتاتور – وشهادات عن ذلك الدكتاتور ،وعهده .. أين تذهب نتائج كل تلك البحوث والدراسات والشهادات .. حين يقفز فوقها "المفكر"؟
كيف يظل المثقف واقفا عند نقطة واحدة من التاريخ رافضا تجاوزها؟
قامة مثل الأستاذ حمدي قنديل – رحم الله والديّ ورحمه – وهو مثقف كبير . . ومع ذلك ظل حديثه عن"عبد الناصر"هو نفسه حديث الإعلام الناصري .. في أوج سطوته .. فيكيل المديح لـ"ناصر" .. في مذكراته "عشت مرتين"،ثم يقول أنه لا يستطيع أن يدافع عن حقوق الإنسان في عصر عبد الناصر!! فقط لا يستطيع الدفاع عن عصر "دكتاتور" .. ملأ السجون بالمثقفين .. من كل التيارات .. وأرسل "شمس بدران"ليتدرب على فنون التعذيب في دول أوربا الشرقية .. إلخ.
نقطة أخرى .. لعل للأستاذ محمدعالي شريف بعض العذر .. فربما يوجد "سد"بين "الشرق العربي"و"الغرب العربي" .. فلم يتابع سعادته سيل الكتب والبحوث والدراسات والشهادت التي تتحدث عن عصر جمال عبد الناصر.
نعود إلى حديث الأستاذ "شريف"وأعيد كلامه مرة أخرى :
(وذكرت أن موريتانيا كغيرها من البلاد الأفريقية و العربية،إلا ما ندر جميع ضباط الصف فيها يحلمون بالاستيلاء على السلطة،سواء أظهروا ذلك أو أخفوه .)
نعم. العسكر يبعثرون عمر الأمة .. بين الحصول على "كرسي الحكم"ومحاولة الحفاظ عليه .
فماذا عن جمال عبد الناصر؟
حين تسلم العسكر حكم مصر – 1952م – وتم طرد الملك فاروق خارج المصر .. بدأ نهب مصر .. وقرأتُ أقسى كلمة يمكن أن تُقرأ :
( ونام الضباط في فراش الأميرات)!!!!
بدأ نهب ثروات الأغنياء .. فحصل ما حصل .. وبعد نهب الثروات .. بدأ الصراع على الكراسي .. الرجل الأول الذي وضع في الواجهة في بداية الثورة أو الانقلاب .. وكان أول من سيدفع حياته ثمنا لتلك الحركة .. اللواء محمد نجيب .. والذي كان حريصا على تسليم السلطة للمدنيين وعودة العسكر إلى ثكناتهم.. هذا الرجل تمت تنحيته .. ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى سنة 1971،ثم أخرجه منها الرئيس "السادات" لكنه ظل ممنوعا من الظهور الإعلامي،حتى توفي سنة 1984م.
أما الثائر دائما عزيز باشا المصري :والذي شارك في كل ثورة قامت ضد الدولة العثمانية .. وكان أحد ضباطها .. ثم شارك ضدها في الثورة العربوإنجليزية .. ثم ثار ضد الملك فاروق .. وكان يتوقع أن يوضع قائد أركان للجيش المصري .. ليرممه .. ولكن "عبد الناصر" .. أبعده،وعينه سفيرا في الاتحاد السوفيتي!!
الرجل الثالث الذي كان باستطاعته أن ينافس "ناصر"على الحكم .. هو عبد الحكيم عامر .. فكيف تم التخلص منه؟
قبل ذلك لابد أن ننقل ما كتبه الأستاذ محمد عالي شريف،عن "هزيمة 67"
كتب الأستاذ"شريف":
(بينما كان في أضعف قواه،في حزيران / يونيو 1967،ألقى الكبرياء جانبا،واعترف بهزيمته دون ديماغوجية.){ ص 315 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.
ثم كرر نفس الكلام،في الصفحة التالية :
(وربما كانت استقالته بعد نكسة حزيران / يونيو 1967 قمة المسؤولية التي لا توجد إلا مع الإيمان العميق الذي يميز العمالقة.){ ص 316 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.
أولا : لو كان الرئيس"ناصر"قدم استقالته .. ثم عاد إلى الجيش ليصلح ما فسد .. كان ذلك سيؤكد كلام الأستاذ"شريف".
ثانيا : عبد الناصر .. والمؤلف الكريم .. سميا تلك الهزيمة المذلة .. "نكسة" وهذا أول دليل على هروب "ناصر"من الاعتراف بما حصل .. فأين الإيمان الذي يميز العمالقة!!
ثالثا : عبد الناصر استقال هو وعبد الحكيم عامر .. ثم عاد هو وترك "عامر" .. فبدأ الصراع ..أي أن الاستقالة كانت مجرد "تمثيلية"وقد قرأت أنها نصيحة من"حسنين هيكل" .. وهناك ما يثبت أن"ناصر"يقبل النصائح لإصلاح بعض الأخطاء .. فقد كتبت الأستاذة إحسان الفقيه :
(من كتاب "عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا " صفحة 172 ،يقول أنيس منصور :
"عندما أعدم جمال عبد الناصر سيد قطب نصحه بعض المقربين بعمل عمرة وأنها كافية لاستعادة تعاطف البسطاء معه : كنت أرافق عبد الناصر في مناسك العمرة وكان متذمرا أثناء الطواف وقال لي :"يا أنيس هو لعب العيال ده هيخلص امتى؟؟!!!).
بل الأكثر وضوحا من كلامي .. كلام رجل بقامة اللواء أركان حرب جمال حماد – عضو جمعية الضباط الأحرار – والذي قال في"شهادته على العصر " عن خطاب التنحي :
(هذا البيان كان له تأثير كبير على الناس (..) هو مكتوب بطريقة : طبعا الأخ حسنين هيكل كتب البيان بطريقة – لأنه هو الذي كتب البيان – كتبه بطريقة عاطفية شديدة جدا (المذيع : بحيث الشعب يحس أنه ملوش قيمة من غير الزعيم. اللولاء جمال : بالزبط ) أولا هو بفهمهم أنو احنا زي .. بالضبط زي 1956 زي العدوان الثلاثي الل برضه إنجلترا وفرنسا تدخلوا فبرضه هنا بريطانيا وأمريكا تدخلوا يعني نفس العملية (..) قال حاجتين (..) الحاجة التنية بعد ما قال عن الناس الل تدخلوا بريطانيا والولايات المتحدة وبتاع .. وقال :رغم كل شيء فإني على استعداد لتحمل المسؤولية : الكلمة ده خطيرا جدا : معناها مش أنا اللي عملت الحاجات ده .. مش أنا المسؤول عنها ولكني على استعداد إننا أكون مسؤول . لو كان عاوز يتحمل المسؤولية كان قال : أنا أتحمل المسؤولية ){عصر شاهد على ال الحلقة "9" مستهل الحلقة}
نعم. الزعيم الملهم .. كان ينفذ نصيحة الداهية "حسنين هيكل"،وفي الهامش : لم يكن الشعب – الذي كذب عليه الزعيم الخالد،أو "هيكل" : مدعيا وجود عدوان من أكثر من دولة مثل 56!! – يعلم بحجم الكارثة .. وما حصل للجيش المصري من إبادة .. وحين علم الشعب بذلك ،بعد أن أمسك "ناصر"بالسلطة كاملة .. كتب أحمد فؤادنجم قصائده الساخرة،مثل :
الحمد لله خبطنا
تحت بططنا
يا محلا رجعت ضبطنا
من خط النار .. إلخ
والتي غناها الشيخ الإمام،فسجنهما "ناصر" .. وأيضا خرجت النكت التي تسخر من "الضباط": امرأة صفعت ضابطا في الحافلة، .. فهجم عليه رجل آخر وأخذ يصفعه بغل . وحين اقتيدوا جميعا للقسم : سألوا المرأة عن سبب صفعها للعسكري.؟
ردت : عاكسني
وسئل الرجل فقال : ظننت أن انقلابا حصل في البلد .. والناس بتلطش في الضباط!!
وأصبح الضباط يتحرجون من السير في الشوارع بملابسهم العسكرية ..لما يسمعوه من سخرية!
صراع العسكر .. دمر مصر
نعود إلى العسكري القوي المشير عبد الحكيم عامر،وكيف سيتنخلص منه رفيقه المقرب جدا جمال عبد الناصر؟
نأخذ أولا نصا للأستاذ محمد عالي شريف :
(ثم كان الصعود القاهر لعبد الناصر،ذلك الضابط "العملاق"الناجي من الهزيمة المذلة التي لا تصدق سنة 1948 في سيناء..){ ص 313 - 314(سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}
لا أعتقد أنه من المهم أن نقف عند عبارة"العملاق الناجي من الهزيمة المذلة" فثمة تناقض بين"عملاق"و"مذلة"! فهذا أمر في الهامش .. وغير مهم،أما الأمر فهو أن تلك الهزيمة المذلة،وفساد الجيش المصري،من أهم أسباب تحرك،وإنشاء"الضباط الأحرار"لتغيير الأوضاع وإصلاح ما أفسده عصر "فاروق".. ألف باء المنطق أن يكون العمل الأول لهؤلاء الضباط هو إعادة ترميم الجيش المصري،وإصلاح شأنه .. إلخ.
لم يمر عام .. ولا عامان .. على تسلم جمال عبد الناصر ورفاقه سدة حكم مصر .. وسيطرتهم على كل شيء .. بل نجد أنفسنا بعد خمسة عشر عاما من سيطرة العسكر على مصر .. وهي مدة كافية للترميم الجيش،وإصلاح فساده .. وبوادر إصلاح الجيش،والاستعداد للأخذ بالثأر من تلك الهزيمة المذلة .. تبينت في بعض الأمور مثل :
إنجاز صواريخ بالستية هي "القاهر"و"الظافر"و"الرائد"وهي قادرة على الوصول إلى عمق فلسطين المحتلة ..
لا أسخر .. رغم كل الأقوال التي سخرت من تلك الصواريخ .. لا أسخر لأن موقعا ذكر أنها حقيقة .. اعترفت بها أمريكا {https://arabic.rt.com/middle_east/1022127-%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B8%D8%A7%D9%81%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%81%D8%B4%D9%84-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%A9/}.
صراع العسكر الذي أشرت له .. قطعا هو بين "ناصر"و"عامر" .. بعد إزاحة "عزيز باشا المصري"و"محمد نجيب" .. الذي يثير الدهشة أن "ناصر"هو الذي طلب من" محمد نجيب" أن يعين "عامر"على رأس الجيش .. ليضمن ولاء الجيش له،لأن"ناصر"و"عامر"كانا مثل الأخوين .. "ناصر" أسمى ولده"عبد الحكيم" و"عامر"أسمى ولده"جمال".. إلخ.
ولكن كرسي الحكم ..له"عفريت"يفسد كل ود .. وقد قيل أن الحاجب المنصور بن أبي عامر – 327 / 392هـ - حين خرج عليه ولده .. قتله!!
لقد تم تدمير الجيش المصري،من اللحظة التي تسلم فيها العسكر حكم مصر،سنة 1952م،و
سيطروا على كل الوظائف .. حتى قال عبد اللطيف البغدادي – 1917 / 1999م – لقد تحولت الحياة في مصر إلى"اللون الكاكي"..
تجنبا لمزيد من الإطالة .. سوف أشير إلى ما يدل،دلالة لا تقبل الشك،أن عسكر 52 سعوا إلى تدمير جيش مصر!!
الدكتور مراد غالب : 1922 – 2007 : دكتور وأستاذ أنف وإذن وحنجرة في جامعة الإسكندرية. له مساهمات في ثورة 1952( بعد ثورة يوليو أقنعه جمال عبد الناصر بترك الطب والدخول في العمل السياسي،وفي عام 1953 عينه سكرتيرا ثالثا للسفارة المصرية بموسكو مرافقا للفريق عزيز المصري،سفير مصر في موسكو،وبقي بها حتى عام 1954 (..) عمل مستشارا سياسيا لعبد الناصر،ثم وكيلا لوزارة الخارجية ،ثم سفيرا لمصر في الكونغو (..) أعيد إلى موسكو عام 1961كسفير){ الموسوعة : ومقدمة شاهد على العصر}.
هذا الرجل عمل مع"ناصر"حتى وفاته،ثم عمل مع"السادات" إلى أن زار "القدس المحتلة".. فاستقال ... مع آخرينِ.
الدكتور"راغب"قال أن بعض المسؤولين السوفيت .. قالوا له .. أنتم – في مصر – لستم جادين في إعداد الجيش!
ترسلون لنا الضباط لندربهم .. وحين يعودون ... يتم تعينهم سفراء .. أو وزراء ... أو محافظين .. أو حتى مدراء شركات!!
هذه الملاحظة العجيبة .. المؤلمة .. سوف أذكر لها مثالين فقط :
الأول : ذكر اللواء أركان حرب جمال حماد – 1921 / 2016م – أن ضابطا اسمه زكريا العدل، أظهر براعة في المناورات العسكرية – سلاح المدرعات – لاشك أن هذا الرجل المميز يُفترض أن يرسل إلى الاتحاد السوفيتي .. لتنمية مواهبه.
نعم. لقد أرسل .. ولكن ليس إلى"موسكو"بل إلى "الصين" .. ليس للتدريب .. بل سفيرا لمصر!!
أما اللواء أركان حرب جمال حماد نفسه،فهو الوحيد من بين "الضباط الأحرار"الذي لم يخلع بزته العسكرية،وظل يخدم في الجيش .. حتى أصبح "لواء"- دون أن يعلم عبد الناصر بذلك،فالجيش "ملعب"خاص لـ"عامر" !!- وفي مصادفة عجيبة ،ذهب اللواء جمال،باحثا عن المشير عامر،من أجل خدمة خاصة،فوجده في المطار ،يستقبل "جمال"فوقف في صف اللواءات،وحين صافحه "ناصر"سألته :
جمال حماد؟
نعم يفندم.
وأصبحت لواء؟
نعم يفندم.
وبعد أسابيع قليلة، عين اللواء أراكان حرب جمال حماد - والذي قضى عاما كاملا في الاتحاد السوفيتي يدرس ويتدرب - محافظا لكفر الشيخ!! ليجلس على مكتب .. يمارس الأعمال البيروقرلطية!!
وحين ذهب ،مع غيره ليقسم"اليمين" دخل"ناصر" .. ثم تحدث .. وقال بعضكم صدر تعينيه دون أن يعلم .. ثم التفت إلى " جمالحماد" وقال :
مش كده يا جمال؟ وضحك!!

دور المشير في 67

تحدث اللواء جمال حماد،عن الأخطاء القاتلة التي ارتكبها "عامر"قبل الحرب .. حشد الجيش كله في سيناء .. في أبجديات العمل العسكري .. أن لكل "لواء" كتيبة احتياطية .. ولكل "كتيبة" سرية احتياطية .. ولكل "سرية" .. فرقة احتياطية – قال كلاما بهذا المعنى،ربما اختلطت عليّ تفاصيله العسكرية - وهذا ما لم يفعله "عامر" .. وضع قواته بمعداتها الثقيلة .. في طريق- كله وديان وعرة - من المستحيل أن يمر منه جيش الصهائنة - فهناك ثلاثة طرق معروفة،هي يرجح أن يمروا عبرها - كان "عامر"يصدر أوامره للضباط،متجاوزا القائد الميداني .. الفريق أول عبد المحسن مرتجي – 1916 / 2013م - .. كما ترك الطائرات المصرية مكشوفة .. دون "دشم" أو حضائر .. ودون تمويه !! بل هي واقفة – في ضجيج أبواق الحرب – الجناح إلى الجناح ... كأنها أغنام معدة للذبح ،حسب تعبير حسين الشافعي 1918 / 2005م – أحد الضباط الأحرار،والذي صادف وصوله إلى مطار"فايد"لحظة بدا عدوان الصهائنة .. وقد دُمرت لمصر 200 طائرة،199 منها على الأرض لم تقلع أصلا!
وحين وقعت الهزيمة .. طلب المشير عامر،من الفريق مرتجي،أن يعد – هو وآخر – خطة للانسحاب،في ربع ساعة !! فأعدا له خطة .. وقالا له .. هذه خطة عامة،وتحتاج إلى عمل خطة مفصلة .. والانسحاب يحتاج إلى يومين ونصف .. فقال أن ذلك كثير.. وأنه أمر بالانسحاب!!
وتحدث اللواء أركان حرب جمال حماد،عن أبجديات الانسحاب في المعرك .. وأن الذي حصل كأن المشير صاح : انسحبوا!!
فأصبح الأمر مثل سباق للعدو .. فحصد الصائنة أولئك الفارين في فوضا عامرة
وقد ألف الأستاذ وجيه أبو زكري،عما حصل كتبا بعنوان :
"مذبحة الأبرياء في خمسة يونيو"
و قال عنها د.مراد غالب :
"مائة ألف من قوات الاحتياط المصرية : حشدوا لمعركة بدون تدريب " {د. مراد غالب"شاهد على العصر" الحلقة "8" }.
بطبيعة الحال، هذا في الوقت الذي أرسل فيه"ناصر" – صاحب القرار هنا – أكثر من سبعين ألفا من خيرة الجيش المصري إلى اليمن،في الوقت الذي يُفترض أنه يعد العدة للأخذ بالثأر من العدو !!
هذا ما فعله المشير عامر بالجيش .. مملكته .. والتي كانت – حكما – ليست تحت سيطرة الرئيس جمال عبد الناصر.. فما الذي فعله هذا الأخير في 67؟
(في 15 مايو طالبت مصر قوات الطوارئ الدولية بالخروج من سيناء في خطاب وجهه الفريق أول محمد فوزي إلى قائد القوات الدولية الجنرال الهندي "ريخي"وقام بتسليمه العميد عز الدين مختار يطالبه فيه بسحب جميع جنوده،للحفاظ على سلامتهم .. )
وبعد أيام نشرت صحيفة الأهرام في عددها الصادر يوم 23 مايو 1967"مانشيت"يقول :
(عبد الناصر يُعلن إغلاق خليج العقبة : "لن يمر العلم الإسرائيلي أمام قواتنا المرابطة في شرم الشيخ ،وسيادتنا على الخليج لا تنازع"){ https://lite.almasryalyoum.com/extra/146105/ }.
كتب "البغدادي" :
(أعلن في اليوم الرابع من يونيو عن انضمام العراق إلى اتفاقية الدفاع المشترك. وألقى جمال عبد الناصر خطابا أو كلمة قال فيها :"إننا ننتظر المعركة على أحر من الجمر){نقلا عن أحمد منصور / شاهد على العصر : مع د. مراد راغب،الحلقة "7" الدقيقة 49}.
ليس هذا فقط .. بل يوجد تسجيل بصوت جمال عبد الناصر :
( بهددوا بالحرب .. اليهود ..بنقلهم أهلا وسهلا بكم .. احنا مستعدين للحرب){ نكسة 67 وأثارها : مذكرات جمال حماد}.
إذا : المشير عامر .. جهز الجيش المصري أسوأ تجهيز .. وقد يكون هذا بغير رغبة من الرئيس ناصر .. ولكن السؤال الذي يستحق الطرح .. طرحه الأستاذ أحمد منصور على حسين الشافعي – وكان نائبا لناصر حينها – لماذا أمر "ناصر"القوات الدولة بالمغادرة؟ .. ولماذا أغلق مضيق "تيران"؟
ثار "الشافعي".. وعلى صوته .. أيه أنت عاوز تدين الراجل!! ما تعمل له محكمة!!
طيب .. أين الجواب؟ طبعا لا يوجد.. وتغير الموضوع!!
السؤال الآن : هل كان كل من"ناصر" و"عامر"يحفر كل واحد منهما "فخا"لصاحبه .. ليخلو له الجو؟
بالنسبة لـ"ناصر" .. وقفتُ على إجابة .. بل إجابات :
الدكتور مراد غالب في شهادته :
(جمال عبد الناصر استدعاني للاستشارة بعد هزيمة 67 وبعدين .. بعدها بثلاثة أسابيع فدخلت لقيته شخص مختلف خالص،ليقت واحد مهزوم تماما،ومهدم تماما،فدخل هوعليّ فشفته ..قلت له :أيه يريس؟ليه إنت عامل كده؟ صحيح اتهزمنا لكن إحنا مش أول شعب يتهزم،أو أول جيش اتهزم،يعني .. أقول ليك أيه؟ أقول لك : بطرس الأكبر كانوا بيضربوه السويديين لما عَدموه .. وفي الآخر خالص قال : إذا ما كنش السويديين موجودين فنحن نوجدهم عشان يضربونَ كل كم يوم علقة عشان نصحا .(..) وبعدين قلت له حاجة هو بقا انزعج منها – أحمد منصور : أيه هيّ؟- : قلت له : ومين الل كان حيخلصك من "الإنكشارية" اللِّ كانت موجودة؟
أحمد منصور : ده نقطة مهمة : إن عبد الناصر – كما تقول وأنت ذكرت هذا في كتابك،وحسين الشافعي في شهادته على العصر ألمح إليه بشكل مباشر : أنه لم يكن لديه وسيلة للتخلص من عبد الحكيم عامر سوى الدخول في معركة وأن تهزم مصر فيها هزيمة ساحقة،حتى تكون هزيمة ساحقة لهؤلاء ويسترد هو زمام القوات المسلحة .. – د.مراد –
شوف .. أنا .. معنديش هزه القناعة لأنو ده .. تآمر .. يعني مؤامرة .. ومؤامرة غير محسوبة بتاتا إنو أنا – أحمد منصور - : مش عارف يحكم .. مش عارف يسيطر على الجيش ..
د.رغاب : إزاي .. يقوم يسيب سينا كلها تحت سيطرة .. تحت الاحتلال!!
منصور : هو كانت حسابته مختلفة : خلال يومين ثلاثة دول العالم تتدخل .. والوضع يتغير
د.راغب : أنا حقلك على اللي حصل : فأقول له ومن كان يريس الل حيخلصك من"الإنكشارية"الل كانت موجودة؟ فبص لي قو : وقال لي : إنتَ كنت عارف!!!
قلت له : كنت عارف..){ شاهد على العصر الحلقة"8" الدقائق الست الأولى}.
ولاختصار هذا كله :
(أحمد منصور : هل كان بإمكان عبد الناصر التخلص من عبد الحكيم عامر قبل هذه المعركة؟
د.مراد غالب : لا.){ ح 8 دقيقة بعد 28}
لم أعثر على ما يمكنه إلقاء الضوء على تصور "المشير"لإنتهاء الحرب .. هل كان مثل"ناصر"يتصور أن دول العالم سوف تتدخل وتوقف الحرب .. فيكون "ناصر"- وهو على رأس السلطة السياسية – هو الذي سيتحمل الهزيمة .. ويذهب .. أو "ينتحر" – كما توقع "البغدادي"أن ينتحر "ناصر"و"عامر" .. لو كانا صادقين – وهو الرجل الذي يرى في نفسه الرجل الذي هزم الإنجليز والفرنسيين – رغم أن كل الذي فعله،ويحسب له،أنه صمد عدة أيام،بينما اقترح بعض الضباط الأحرار :تسليم أنفسهم للسفارة البريطانية !- هذه القامة الفارعة والشخصية المعتدة بنفسها .. حين تهزم هزيمة مذلة .. ماذا ستفعل؟
هل كان "عامر"يفكر هكذا؟ الله أعلم طبعا ..
وبعد .. إنه لمن المؤسف أن أتحدث – بعد أكثر من نصف قرن – عن قضية مثل "هزيمة 67"لأنني وجدت من يتحدث عن"ناصر"بنفس الخطاب الذي كان يتحدث به إعلام"ناصر" .. قبل أن تسكب أطنان من الحبر في تحليل .. ما حدث سنة 67 .. بل وما حدث منذ 1952م.
بعد كل هذا نجد الأستاذ محمد عالي شريف يكتب
(وجمال عبد الناصر لم يجسد الروح العربية وحدها،بل أسهم مع نهرو وسوكارنو،وبعدهما توري وكوامي نكروما ){ ص 316 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.
هل قال "توري"؟
هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني






بين شيخو توري و عبد الناصر 3 - 3
في ختام الحلقة السابقة،تحدثتُ عن قطع موريتانيا علاقاتها الدبلوماسية مع أمريكا .. ونصيحة بعض الشخصيات – ومنهم جمال عبد الناصر – بإعادة تلك العلاقات المقطوعة .. وأشرتُ أن أمريكا كانت تهدي القمح لمصر ناصر .. وأنني سأتحدث عن الموضوع في حلقة أخرى .. وسأفعل هنا .. إن شاء الله .. ولكن قبل ذلك سقطت نقطتان من علاقة "ناصر"بالأمريكان .ذكر الدكتور مراد راغب،أن رأي الاتحاد السوفيتي،إبان الصراع بين"نجيب"و"عامر" أن : محمد نجيب رجل بريطانيا .. وأن جمال عبد الناصر رجل أمريكا .كما أن "خروتشوف "في أول زيارة لـ"ناصر" لموسكو .. قال له – كما نقل السفير المصري في موسكو،د.مراد غالب – أنتم في مصر ليست لديكم "استراتيجية": مرة تركبون الحصان السوفيتي،وأحيانا تركبون الحصان الأمريكي !فغضب "ناصر" وأرد أن يقطع زياته لموسكو .. ولكن السفير أقنعه أن هذه طريقة " خروتشوف "فقد وصف الرئيس الأمريكي .. بأنه"غر" إلخ.أعود إلى "القمح" فهو أهم نقطة في تاريخ هذه الأمة .. التي يكرر مفكروها – قبل عقود .. وعقود – "ويل لأمة لا تأكل مما تزرع .. "تحدث الاستاذ محمد عالي شريف عن سفير أمريكا في نواكشوط"ريتشارد مورفي":(كان ذلك سنة 1973 أيام حرب تشرين الأول / أكتوبر . كان داخل الولايات الموريتانية يوزّع الأغذية التي منحتها الولايات المتحدة للمساعدة في مقاومة آثار الجفاف حين جاءته برقية مستعجلة من الرئيس المختار ولد داداه ليلتحق به في نواكشوط (ز.) فشكر عبره الحكومة الأمريكية على مساعدتها السخية. ثم خاطب السفير من حيث لا ينتظر :"لقد حرصت أن أعلمكم أنه تأكد أن الولايات المتحدة تشارك إلى جانب إسرائيل في حرب أكتوبر الجارية،وسأقطع،مثلما فعلت في حزيران / يونيو 1967،علاقاتي الدبلوماسية مع بلدكم"){ ص 188 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.كلام الرئيس "المختار" – رحم الله والديّ ورحمه – يدل على مدى حساسيته .. بل ومعرفته أن "المعونات"قد تعطي لمانحها .. "سلطة" .. فتحدث مع السفير الأمريكي بتلك العبارات القوية... والتي تعني : ما تقدموه لنا من معونات .. لن يأثر في مواقفنا.أعود إلى حديث الأستاذ محمد عالي شريف،عن "ناصر" .. واعتذاره له :(وأمام النمو الديمغرافي الكبير جدا شرع في نوع من تنظيم النسل في مصر،وحاول كسب معركة"خصوبة المصريين"){ ص 316 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.العجيب .. بل العجيب جدا .. أن مؤلنا الكريم قال عن إنديرا غاندي(.. بلغت مرحلة نضجها بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء،بل تحقيق فائض للتصدير بعد توفير الغذاء لأكثر من مليار شخص .){ ص 357 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.ولم يلفت نظر الاستاذ محمد عالي،أن "إنديرا" وفرت الغذاء – بل صدرت كذلك – لأكثر من مليار نسمة .. بينما يتعذر لـ"ناصر" بكثرة النسل! ومصر ذلك الوقت في حدود ثلاثين مليون نسمة!!سهوت عن رفيقنا"شيخو توري" .. فآن لنا أن نعود له .. وما فعله في البلد رغم كل إمكانية البلد.كتب الأستاذ محمد عالي شريف،عن غينيا"توري" :(وهو بلد لطيف المناخ يعتبر"خزان المياه في أفريقيا". حتى أنه أغنى من كوت ديفوار المجاورة،بالذهب واليورانيوم ومناجم البوكسيت والكوبالت والحديد والماس،بالإضافة إلى الإمكانات المائية والزراعية والرعوية والطاقة (..) كما لم يجاوز سكانها في عام الاستقلال 2500000 نسمة. وتعج بالمثقفين والنخب من كل الأطياف والمذاهب (..) وتتميز بتنوع بيولوجي غني جدا وتكاثر طبيعي قل مثيله،وواجهة على البحر تمتد على 370 كيلو متر. وله ميناء في المياه العميقة على ساحل الأطلسي،مع إمكانية بناء موانئ أخرى. ورغم الإشعاع الخارجي،كان البؤس و الرعب في غينيا هما النتيجتين الملموستين طوال الحكم الطويل.){ ص 297 – 298 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}. قول المؤلف الكريم :"ورغم الإشعاع الخارجي،كان البؤس و الرعب في غينيا هما النتيجتين الملموستين طوال الحكم الطويل."يكاد يشير بأصابعه إلى"ناصر"و"العسكر"وما فعلوه بمصر .. ولا زالوا.إلى جوار نص الأستاذ"شريف" نضع نص"محمد بكوس"والذي نُشر قبل سنتين تقريبا :(مصر تمتلك 13 مليون فدان مسطحات مائية : منهم نصيبها من البحر الأحمر شاطئ بطول 1941 كم،ونصيبها من البحر المتوسط شاطئ بطول 995 كم،ونصيبها من مجرى النيل 1520 كم،وبحيرة ناصر،والمنزلة،والبرلص،ومريوط،وقارون،وإدكو .. إلخمش أكلمك عن استثمار أو سياحة لا سمح الله .. مش بكملك عن صناعة أو تجارة بحرية – يتقطع لساني – أنا بكلمك عن حاجة بحبها وربك عالم بالنية .. (..) بتكلم عن الثروة السمكية،ولو عندنا حسن إدارة كان زمان الأسماك وفواكه البحر أكلات شعبية وأرخص من الكشري والفول والطعمية . لكن للأسف إحنا ابتلينا بفساد الإدارة ومع الوقت أصبح إدارة الفساد (..) نرجع لـ 13 مليون فدان،الرقم اللي كان مفروض يؤهل مصر إنها تكون دولة مصدرة للأسماك وتشغل مآت الآلاف من العمالة و وتدخل عملة صعبة .. مش بس كده (..) 13 مليون فدان مسطحات مائية وعندنا ثلاثة مصانع فقط لتغليف وتعبئة السردين،والمغرب الشقيق عندها ثلامئة وخمسين مصنع ){ محمد بكوس }.وهذه معلومة نقلها الأشتاذ أحمد منصور،عن مذكرات صلاح نصر- صفحة 198- :(كانت مساحة الأرض المزروعة في عهد محمد علي تبلغ ستة ملايين من الأفدنة ،بينما كان عدد سكان مصر حينئذ لا يتجاوز خمس ملايين،في العام سبع وستين ،بلغ تعداد سكان مصر تلاتين مليون نسمة،بينما لم تزد مساحة الأرضي المزروعة سوى 350 ألف فدان.){ شاهد على العصر "9"شهادة اللواء جمال حماد : دقيقة 15}.بينما نجد في كتاب "كنت رئيسا لمصر" للواء محمد نجيب :(في عام ألف وسبعمية وتمية وتسعين،عندما غزا نابليون مصر،كانت مستعمرة تركية متخلفة ،يصل تعداد سكانها إلى نحو اتنبن ونص مليون نسمة،يعيشون على ثلاثة ملايين فدان تزرع على ضفاف النيل،عندما قامت الثورة بعدها بمائة وست وخمسين عاما كان يقطن مصر حوالي اثنان وعشرون مليون نسمة ،يعيشون على إنتاج ومحاصيل ستة ملايين فدان ..){ كنت رئيسا لمصر " كتاب مسموع : الساعة الثالثة وخمسين دقيقة ..تقريبا}أعود إلى شهاد الدكتور مراد غالب،وهو إضافة إلى أنه كان مقربا من"ناصر"وكان سفيرا في موسكو مرتين،وكان يتحدث اللغة الروسية .. فهو أيضا السفير العربي الوحيد الذي ذكره"خروشوف"بالاسم في مذكراته .. هذا الرجل قال – في شهادته على العصر- أنه استقبل أحد الروس قادما من مصر،وقد زارها لإطلاع الرئيس على أمور تتعلق بتوليد الكهرباء ... قضية فنية بحتة .ذكر المسؤول للدكتور"راغب" أنه كان يشرح للرئيس"ناصر" ولكن الأخير لم يكنه يصغي له .. وبعد أن انتهى من الشرح .. همس له :يا رفيق ممكن تدونا شويت قمح؟فوعده بنقل الأمر إلى المسؤولين في موسكو.يقول الدكتور"راغب" كان الأمريكان يراقبون مخزون القمح في مصر،وكذلك المزروع منه،ولم يحن حصاده .. حتى إذا قل المخزون .. اعتذروا عن تقديم القمح الأمريكي!!كان الاتحاد السوفيتي – نفسه – يستورد القمح .. ومع ذلك فقد تم توجيه بعض الناقلات التي تحمل القمح لروسيا .. لتتوجه لمصر!!.وقد جاء في مقالة "التاريخ الأسود للمعونة الأمريكية" للأستاذ جمال يونس :(منذ عام 1953 وهو الذي بدأت فيه مصر تستقبل المعونات الأمريكية وحتى فبراير الجاري وطوال هذه الفترة التي تقارب نحو 59 عاما لم تستطع مصر الفكاك من الفخ الأمريكي (..) بدأت المساعدات الأمريكية مع بدايات عام 1953 من القرن الماضي (..) حيث قدمت أمريكا شحنات القمح بدوافع إنسانية في ظاهرها .. ){ صحيفة الوفد العدد الصادر يوم 15 فبراير 2012م.}.السؤال : كيف للرئيس جمال عبد الناصر .. أن ينفذ كل أحلامه ورؤاه .. ويقود الأمة .. وهو لا يستطيع أن يطعم شعبه ؟وفي الهامش : حين زار"خرشوف"مصر .. تحدث مع "ناصر"مطولا عن أهمية زرعة"القطن"وأنه يُستفاد منه كاملا : قطنا .. وبذره يعصر منه الزيت .. وبقيته بعد العصر،يقدم طعاما للحيوانات .. ويستعمل ما تبقى حطبا .وتحدث عن المبالغة في كثرة العمال في مصنع صغير زاره،وقال لو أعطيتموهم رواتبهم وأجلستموهم في بيوتهم لكان أفضل .. لأن كثرتهم تعطل العمل .. وقدم نصائح في"السكن" دعوا الأغنياء يبنون منازل جميلة تزين البلد .. ولكن لا تعطوهم "قروضا ولا تسهيلات" .. إلخ.طبعا لا يمكن لـ"عملاق" مثل"ناصر"أن يقبل نصحية كأنه تلميذ .. فتضايق .. وقال للسفير المرافق "د.راغب" :خذ صحبك روحه!!وفي الطريق قال الدكتور راغب .. لـخروشوف" :أرضنا ليس فيها بترول .. ولا معادن .. إلخ.فرد غاضبا :حتى أنت يا راغب!!انظر إلى اليابان أرضها ليس فيها سوى البراكين!رغم كل ما قدمه"السوفيت"لعبد الناصر .. ففوق التحمل أن نتصور زعيما عربيا بقامة جمال عبد الناصر- أيا كان الخلاف معه – ينحني ليهمس في أذن مسؤول سوفيتي :يا رفيق ممكن تدونا شويت قمح؟ونتذكر قول،حسين الشافعي،أحد الضباط الأحرار،عن المعونات الأمريكية :(لما تديك ملاليم بتخرسك وتخليك ملكش إرادة،المساعدات ده هو أخطر حاجة على إرادة الأمم.. لأن الل يمد يده كيف تكون له إرادة){ شاهد على العصر "9" : الدقيقة 8 تقريبا}.تجنبا لمزيد من الإطالة . . أعود لحديث الأستاذ محمد عالي عن"توري"فقد كتب : (واقتباسا من بلدان المعسكر الشرقي،تم تصميم خطة تنموية اقتصادية ثلاثية،صدّق عليها الحزب الذي أصبح هو الدولة،مع تبني النموذج السوفياتي في الاهداف والوسائل والمناهج. فالدولة هي الفاعل الوحيد في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي،تحت "القيادة النيرة"للحزب الذي يقوده الأمين العام القائم على كل شيء(..) ويمكن تلخيص هذه الحقبة كما يلي : الحزب في خدمة الجماهير،والإدارة في خدمة الحزب،والجماهير في خدمة الإدارة، والإدارة في خدمة القيادة الوطنية. (..) سيطر الهوس بنظرية المؤامرة على القادة إلى حد الجنون. فأصبح "الحزب الديمقراطي"منحصرا في مهمة واحدة هي أمن القائد. وظلت أكبر همه إلى آخر حكمه.){ ص 294 – 295 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.وهذا بالضبط هو حال مصر عبد الناصر.وكتب الأستاذ محمد عالي أيضا :(وحين استفحل وسواس المؤامرة التي طالما أغنى الإرث الدرامي في تاريخ البشرية دب الرعب في البلد بأكمله،وفرض نفسه كمعادلة أساسية في الحياة اليومية عند كبار المسؤولين والبسطاء والفقراء من المزارعين،وفي قلب المدن الكبرى والقرى النائية،وفي قلوب الرجال والنساء والولدان والشيوخ من جميع الأعمار.){ ص 296 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.وهذا – أيضا – هو حال مصر "جمال" .. من لحظة حادثة "المنشية"ومحاولة اغتيال "عبد الناصر" .. والتي يرى كثيرون أنها لم كانت مدبرة – خوفا من عوة الحياة الديمقراطية - وبعضهم من رفقاء "جمال" .. وقد سخر منها اللواء محمد نجيب – في مذكراته"كنت رئيسا لمصر " – أولا : لأن المتهم بها كان مشهورا بأنه دقيق الرماية – كأنه يقصد أنه مثل الذي أصاب الرئيس السادات – ثم أطلق تسع رصاصات .. لم تصب أي واحدة منها "جمال" .. ثم الحائط الذي خلفه .. لم يعثر علي بقايا رصاصة واحدة فيه !!كتب الأستاذ محمد عالي كذلك :(كان توري يعاني بعض الضعف الذي جعله ينحرف عن الجادة رئيسا للدولة. ويرجع ذلك إلى حقده أو خوفه من المثقفين،حتى الذين كانت لهم نية حسنة،وكان لهم سلوك المناضل المثالي،وأعربوا عن إخلاصهم الكامل له،فما نجاهم ذلك من عمليات التطهير والتعذيب والإعدام العلني دون محاكمة وخارج إطرار القانون.){ ص 298(سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.سبق أن أشرت إلى أن "عبد الناصر"ملأ السجون بالمثقفين .. حتى أصبحت مكانا يتعارفون فيه !!ختم الأستاذ محمد عالي شريف كلامه عن"توري" بقوله :( تراجع الرعب بصورة معتبرة،وسُمح بتجارة التهريب. ولما سافرت إلى غينيا بعد خروجي من الحكومة الموريتانية،لزيارة والدتي وأفراد وأقرباء أسرتي،ألح علي بعض الأصدقاء – لولا ذلك ما فعلت – أن أطلب لقاء توري،إذ كانوا يرون أنه من اللائق زيارته للمجاملة وليس أكثر (..) وأفشى لنا سرا آخر عن أسفه لأنه لم يتمكن من تحقيق رغبته في إعادة الاعتبار إلى الزعامات التقليدية التي كانت في الحقيقة،رغم نواقصها التي تمكن معالجتها،أقدر على خدمة البلد،وعن أسفه لأن النظام الثوري قلب الشعب رأسا على عقب عندما قضى على الطبقات العليا ليحرر الطبقات المضطهدة باسم انعتاق لم يتحقق بسبب التفكيك الفوضوي والعميق للهياكل.){ ص 300 – 301 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.أعتقد .. جازما أن هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يوجد له شبه في حياة "عبد الناصر" : الاعتراف بما جناه هو والعسكر على مصر .. كتب الأستاذ ضياء جبلي :(الجنيه المصري كان "يعادل ثمانية جنيهات استرليني،وكان القطن المصري العلمي يسمى بالذهب الأبيض ،ذلك الطمى والقطن المصري الذي تم شنقهما وإعدامهما بالسد العالي،الذي كان من الأفضل بناؤه عند منخفض القطارة،كما أثبتت كافة البحوث العلمية بعد ذلك.ليتم تدمير القطن المصري والزراعة المصرية عصب الاقتصاد المصري).في الهامش أيضا : كان اللواء محمد نجيب يرى – مثل "توري" – أن الأحزاب القديمة،والعريقة في الحكم،أقدر على قيادة البلاد .. فـ"الوفد"غير منهجه .. وأيد"الثورة" و"الإصلاح الزراعي" إلخ،و"السعديون"كذلك .. لذلك سارع "ناصر " وزملاء الضباط إلى التخلص من"الرئيس نجيب" : واقتاده المشير"عامر" وآخر إلى استراحة زينب الوكيل – حرم النحاس باشا – وقال له أنه أعفي من منصبه،وسيمكث في الاستراحة عدة أيام .. ولم يخرجه منها سوى الرئيس السادات!وقد كتب الأستاذ محمد عالي نفسه عن معاناة المصريين :(بل يعيشون بمئات الآلاف وسط مقابر الموتى والعشش وتحت السلالم وفوق السطوح .(..) ومع استحالة الرهان على تقديم الدواء الناجع،أيا كانت درجة نجاعته،يبقى التساوي في البؤس (..) وهو نظام يسير في طريق مسدود ومتفاقم بسبب المجهود الحربي الضروري لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية،ويقتضي تعبئة الجزء الأكبر من موارد الدولة،مثبطا بذلك مصر،برواسبها التي يتطلب القضاءعليها على الأمد الطويل استثمارات معتبرة.){ ص 317 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.كما كتب عن أساب تدهور أوضاع كثير من الدول :(ولكن الحقائق الدامغة تؤكد ان معظم الأسباب داخلية : مسؤولية الحكام المتهورين الموهومين المستبدين المتعطشين إلى السلطة والحكم الدائم،مدججين بقوة غاشمة لسحق شعوبهم. يضاف إلى ذلك قبول المواطنين التجنيد ومحو الضمائر،مع أن لهم تاريخا رائعا في المقاومة والشجاعة.){ ص 383 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.وهذا الكلام لا يمكن استثناء "عبد الناصر "منه .. إلا بالكثير من لي عنق المنطق والتاريخ !!أختم هذه الأسطر بوضع نصين إلى جوار نص الأستاذ محمد عالي شريف :جمال عبد الناصر لم يجسد الروح العربية وحدها،بل أسهم مع نهرو وسوكارنو،وبعدهما توري وكوامي نكروما ){ ص 316 (سيرة من ذاكرة القرن العشرين )}.نأخذ أولا شهاد أول رئيس لمصر اللواء محمد نجيب،والذي كتب عن تأخر إصدار "دستور"جديد بعد إلغاء دستور 1923، :(وعرفت أن كلمة الدستور تؤرقهم ،وبدأوا يشعرون أن إعداد الدستور يعني نهاية حكمهم،يعني موتهم هم،وعندما أحس علي ماهر بأن موقفي من الدستور يختلف عن موقفهم ،سارع بإعلان أخبار لجنته لتنشرها الصحف ،ويبرأ ذمته (..) ثلاثة : مدة الرئاسة خمس سنوات ميلادية قابلة للتجديد مرة واحد (..) : الفصل التاسع ا"لضباط يحكمون" – الساعة 5 و 3 دقائق: ( كان للثورة أعداء وكنا نحن أشدهم خطورة،كان كل ضابط من ضباط الثورة يريد أن يملك .. يملك مثل الملك ويحكم مثل رئيس الحكومة ،لذلك فهم كانوا يسمون الوزراء بالسعادة أو بالطراطير أو بالمحضرين،وكانوا زملاءهم الضباط يقولون عنهم :طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشر ملكا آخر . هذا حدث بعد أيام قليلة من نجاح الثورة حدث هذا العبث من أكثر من ثلاثين سنة . وأنا اليوم أشعر أن الثورة تحولت بتصرفاتهم إلى عورة. وأشعر أن ما كنت أنظر إليهم على أنهم أولادي أصبحوا بعد ذلك مثل زبانية جهنم ،من كنت أتصورهم ثوارا ،صبحوا أشرارا . فيا رب لا تآخذنا إن نسينا أو أخطأنا (..) لقد خرج الجيش من الثكنات وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية ،فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلى الآن في مصر. كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويا ،فأصبح لكل منهم "شلة"وكانت هذه "الشلة"غالبا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورا لا في التنظيم للثورة ولا في القيام بها والمنافق دائما مثل العسل على قلب صاحب النفوذ ،لذلك فهو يحبه ويقربه ويتخلص بسببه من المخلصين الحقيقيين ،الذين راحوا وراء الشمس ،لأن إخلاصهم كان هما وحجرا ثقيلا على قلوب الضباط من أصحاب الجلالة.(..) وبدأ الصراع بين هذه"الشلل"بعد أيام من نجاح الثورة وتحول من يومها إلى قتال يومي شرس.){محمد نجيب / (كنتُ رئيسا لمصر ) / كتاب مسموع : الساعة الخامسة وخمس دقائق و 19 ثانية}. لأحد أن يشكك في شهادة "نجيب" للخلاف بينه وبين "ناصر" .. فهذه شهادة عبد اللطيف البغدادي،أحد الضباط الأحرار،وقد قرأ الأستاذ أحمد منصور،للدكتور مراد راغب نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيعبد اللطيف البغدادي،في يومياته،في ست يونيو سبع وستين،الجزء التاني صفحة ميتين وتسعين :يقول :" أخذنا نعود بذاكرتنا إلى التصرفات في الجيش و أسلوب الحكم وهذه هي نهاية كل نظام مثل هذا النظام،ومقامرة جمال عبد الناصر بمستقبل الأمة بأكملها في سبيل مجده الشخصي . وكنا نعرف من قبل أنه يقامر وكنا نندهش من هذا التصرف وهو كان قد قدر أنه سيحقق نصرا يرفعه إلى السماء دون أن يخسر شيئا،فجاءت النهاية .. نهاية نظامه وخزي وعار على الأمة كلها.ربما يكون خيرا من يدري،ربما أراد الله إنقاذ هذه الأمة من استعباد جمال عبد الناصر لها،ومن تأليههم له،ربما أراد الله لهذه الأمة أن تصوحوا من غفوتها وتحطم الآلهة،وتصحوا لنفسها ..){ شاهد على العصر : د.مراد غالب "8" قرأها من المذكرات أحمد منصور : دقيقة 35 }تلويحة الوداع :لقطة أولى : في عهد الملك فؤاد الأول – الجبار – قال الأستاذ عباس العقاد – في البرلمان - عندما رفض الملك توقيع "الدستور" سنة 1930م:(.. الأزمة ليست أزمة مجلس الوزراء فحسب،بل هي أزمة مجلس النواب نفسه،بل أزمة الدستور المصري،وليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد لأن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحماتيه).لم يستطع أحد أن يقول كلمة لـ"العقاد"المحصن برلمانيا .. حتى أقيلت الحكومة .. وفقد حصانته البرلمانية .. فسجن تسعة أشهر بتهمة "العيب في الذات الملكية"!أما القامة القانونية السامقة،والذي كان "رئيس مجلس الدولة في عهد جمال عبد الناصر" فقد تم الاعتداء عليه .. من قبل"بلطجية" .. قال "السنهوري" :(وحينئذ أدركت أن الأمر لم يكن مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين – كما ادعى الضباط – بل أمر اعتداء مبيت عليّ،وما لبث المتظاهرون أن دفعوني دفعا إلى الحديقة وتوالى الاعتداء" : (هذه شهادة المستشار عبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة الأسبق في عهد الرئيس جمال عبد الناصر ،على ما تعرض له من اعتداء من بعض المتظاهرين يوم 29 مارس من عام 1954){ تقرير محمد أبو ليلة : مصراوي : 8 إبريل 2021م}.الفرق بين الموقفين .. قاد مصر إلى الهاوية ..أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني


...