-
قبسات من"أضواء البيان .." للإمام الشنقيطي (18)
*
كتب الشيخ،رحم الله والديّ ورحمه :
(وقوله تعالى:" ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ "الآية.
وقد قدمنا الكلام على هذا،في سورة بني إسرائيل،في الكلام على قوله تعالى:" لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا ".
وبينا أن من أصرح الأدلة القرآنية الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بخطاب، والمراد بذلك الخطاب غيره،يقينا،قولَه تعالى :" ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا "الآية،ومن المعلوم أن أباه صلى الله عليه وسلم توفي قبل ولادته،وأن أمه ماتت وهو صغير،ومع ذلك فإن الله يخاطبه بقوله تعالى : إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا "،ومعلوم أنه لا يبلغ عنده الكبر أحدهما،ولا كلاهما،لأنهما قد ماتا قبل ذلك بزمان.
فتبين أن أمره تعالى لنبيه ونهيه له في قوله تعالى:" فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ "الآية،إنما يراد به التشريع على لسانه لأمته،ولا يراد به هو نفسه صلى الله عليه وسلم.){ جـ 7 ص 28"أضواء البيان"}.
*
كتب الشيخ،رحم الله والديّ ورحمه :
(قوله تعالى:" وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ "أوضح جل وعلا أن الذي في هذه الآية بمعنى الذين،في القرآن وفي كلام العرب،فمن أمثلة ذلك في القرآن قوله تعالى في آية الزمر هذه : /" وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ "الآية،وقوله تعالى في سورة البقرة :"مثلهم كمثل الذي استوقد نارا"أي الذين استوقدوا،بدليل قوله بعده :"ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون"(..) ونظيره من كلام العرب قول أشهب بن رميلة :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقول عديل بن الفرخ العجلي :
فبت أساقي القوم إخوتي الذي غوايتهم غيُّ ورشدهم رشد ){ جـ 7 ص 59 – 60"
أضواء البيان"}
*
كتب الشيخ،رحم الله والديّ ورحمه :
(قوله تعالى :" فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ "
الصرصر : وزنه بالميزان الصرفي"فعفل"،وفي معنى الصرصر لعلماء التفسير وجهان معروفان :
أحدهما : أن الريح الصرصر هي الريح العاصفة الشديدة الهبوب،التي يسمع لهبوبها صوت شديد،وعلى هذا،فالصرصر من الصرة،التي هي الصيحة المزعجة .
ومنه قوله تعالى :"فأقبلت امرأته في صرة"أي في صيحة،ومن هذا المعنى : صرير الباب والقلم،أي صوتهما.
/ الوجه الثاني : أن الصرصر من الصر الذي هو البرد الشديد المحرق،ومنه على أصح التفسيرين قوله تعالى :"كمثل ريح فيها صر"الآية. أي فيها برد شديد محرق،ومنه قول حتام الطائي:
أوقد فإن الليل ليل قر والريح يا واقد ريح صر
علَّ يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفا فأنت حر (..) والأظهر أن كلا القولين صحيح،وأن الريح المذكورة جامعة بين الأمرين،فهي عاصفة شديدة الهبوب،باردة شديدة البرد.){ جـ 7 ص 130 – 131"أضواء البيان"}.
*
كتب الشيخ،رحم الله والديّ ورحمه :
(وقوله :"لا يغني" أي لا ينفع. والظاهر أن أصله من الغَناء،بالفتح والمد،وهو النفع.
ومنه قول الشاعر :
وقل غناء عنك مال جمعته إذا صار ميراثا وواراك لا حدُ
فقوله : "قل غناء"أي قل نفعا. وقول الآخر :
قل الغناء إذا لاقى الفتى تلفا قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا
فقوله:" الغناء"أي النفع.(..) وأما الغِناء،بالكسر والمد،فهو الألحان المطربة ){ جـ 7 ص 370"أضواء البيان"}
قال "مقتبسه"غفر الله لوالديه وله وللشيخ :
في"الأشرطة"التي سُجلت عليها دروس الشيخ – رحم الله والديّ ورحمه – وعند ذكر هذه المادة – والعهدة على الذاكرة – قال :
(المطرب الخبيث)!!
أكمل كلام الشيخ – رحم الله والديّ ورحمه- عن هذه"المادة" :
(وأما الغِنى بالكسر والقصر،فهو ضد الفقر.
وأما الغَنَى،بالفتح والقصر،فهو الإقامة،من قولهم : غَنِي بالمكان،بكسر النون،يَغْنَى،بفتحها،غَنًى،بفتحتين،إذا أقام به.
ومنه قوله تعالى:"كأن لم تغن بالأمس"،وقوله تعالى :"كأن لم يغنوا فيها"
وأما الغُنَى،بالضم والقصر،فهو جمع غُنية وهي ما يستغنى به الإنسان.
وأما الغُناء،بالمد والضم،فلا أعلمه في العربية.){ جـ 7 ص 370 – 371"أضواء ابيان"}.
*
كتب الشيخ،رحم الله والديّ ورحمه :
(قوله تعالى :"ياقومنا أجيبوا داعي الله وءامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم".
منطوق هذه الآية أن من أجاب داعي الله محمدا صلى الله عليه وسلم وآمن به،وبما جاء به من الحق غفر الله له ذنوبه،وأجاره من العذاب الأليم،ومفهومها،أعني مفهوم مخالفتها،المعروف بدليل الخطاب،أن من لم يجب داعي الله من الجن ولم يؤمن به لم يغفر له،ولم يجره من عذاب أليم،بل يعذبه ويدخله النار،وهذا المفهوم جاء مصرحا به مبينا في آيات اخر،كقوله تعالى :"وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين"(..) / أما دخول المؤمنين المجيبين داعي الله من الجن الجنة،فلم تتعرض له الآية الكريمة بإثبات ولا نفي،وقد دلت آية أخرى على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة،وهي قوله تعالى في سورة الرحمن :"ولمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي ءالآء ربكما تكذبان"وبه تعلم أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم،قائلين إنه يفهم من هذه الآية،من أن المؤمنين من الجن لا يدخلون الجنة،وأن جزاء إيمانهم وإجابتهم داعي الله هو الغفران وإجارتهم من العذاب الأليم فقط،كما هو نص الآية،كله خلاف التحقيق.){ جـ 7 ص 427 – 428"أضواء البيان"}.
قال "مقتبسه"غفر الله لوالديه وله وللشيخ :
قول بعض أهل العلم أن المؤمنين من"الجن"لا يدخلون الجنة .. بل تُغفر ذنوبهم فقط .. من أعجب العجب!!
أولا : يوم القيامة لا توجد إلا الجنة أو النار .. أو التحول إلى تراب .. وهو مصير البهائم غير المكلفة .. فهل قال هؤلاء بفناء صالحي الجن!!
ثانيا : ربنا سبحانه وتعالى أعدل .. بل هو"العدل"سبحانه وتعالى ..فكيف يُعذب عصاة أو كفار الجن فيدخلهم النار .. ثم لا يكافئ صالحي الجن .. بنقيض ذلك .. فيدخلهم الجنة!!
ثالثا : أليس من الوارد – أسوة بالإنس – أن من الجن من قد تكون سيئاته أكثر من حسناته .. مع أنه موحد .. فيكون جزاءه أن يدخل النار .. ثم يُخرج منها برحمة الله تعالى .. كما يحصل مع عصاة الإنس الذين زادت سيئاتهم عن حسناتهم ؟ .. فما مصر هؤلاء؟ والله أعلم.
*
كتب الشيخ،رحم الله والديّ ورحمه :
(قوله تعالى :" ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ".
قد بين تعالى في سورة البقرة أن الثمار التي يرزقها أهل الجنة يشبه بعضها بعضا في الجودة والحسن والكمال،ليس فيها شيء رديء،وذلك في قوله تعالى :" ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ".){ جـ 7 ص 454 - 455"أضواء البيان}.
قال "مقتبسه"غفر الله لوالديه وله وللشيخ :
توقفتُ كثيرا عند قول الشيخ – رحم الله والديّ ورحمه – عن فاكهة الجنة :"ليس فيها شيء رديئ": فهل الرداءة في الدنيا هي التي تميز شيئا عن شيء؟
*
كتب الشيخ،رحم الله والديّ ورحمه :
(قال الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه :
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن،قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القاضي المالكي،قال : حدثنا موسى بن إسحاق،قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر،قال : حدثنا معن بن عيسى،قال : سمعت مالك بن أنس يقول : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب،فانظروا في رأيي،فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به،وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.ا هـ محل الغرض منه بلفظه.
فمالك رحمه الله مع علمه وجلالته وفضله،يعترف بالخطأ وينهى عن القول بما خالف الوحي من رأيه.
فمن كان مالكيا فليتمثل قول مالك ولا يخالفه بلا مستند.){ جـ 7 ص 573"أضواء البيان"}.
قال "مقتبسه"غفر الله لوالديه وله وللشيخ :
كأني بالشيخ – رحم الله والديّ ورحمه – ينبه بعض إخواننا من"المالكية"الذين يتعصبون لكل ما جاء عن الإمام مالك – رحم الله والدي ورحم الشيخ ورحمه - وإن خالف حديثا صحيحا: مثل مسالة القبض في الصلاة !
وقد ذكر لي أخي الدكتور المرابط بن المجتبى – ذات حوار- أن أحدهم قال،ما معناه : إن مالكا نقل حدث القبض في"الموطئ" ليقول لكم أنه يعرف الحديث!!
وكأن القائل – غفر لله لنا جميعا وله – يتمسك بقول الإمام مالكا .. ويترك كلام المعصوم المشرع – صلى الله عليه وسلم – بل ويترك كلام الإمام مالك نفسه : بعدم الأخذ بكلامه إذا عارض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهذا هو التعصب .. أجارنا الله جميعا منه.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
محمود بن محمد للمختار الشنقيطي المدني :
رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى