#الفصل_الأول_للدنيا « 1 »
نبي الله نوح عليه السلام (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))
_________________________
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين
سبحان المعروف بلا غاية ، سبحان الموصوف بلا نهاية
سبحان من له في كل شيء آية ، سبحان من خص أهل الخصوصية بالولاية والعناية
سبحان المتجلي على كل أحد ، سبحان المتحلي بالأزل والأبد ، سبحان القيوم الحي ، سبحان من وفى وأوفى
سبحان من عفى وأعفى ، سبحان من يعلم السر وأخفى
سبحان من لا تدركه الأبصار ، سبحان مقلب الليل والنهار
سبحان المهيمن على الأعصار والأمصار
سبحان الله الواحد الأحد ، الذي لم يسبقه وقت ، ولم يتقدمه زمان
______________________
نحن الآن مع قصة سيدنا نوح عليه السلام ، وقد اطلقت على زمن سيدنا نوح عليه السلام {{ الفصل الأول للدنيا }}
ولا بد لنا في البداية أن نرجع لجذور ذلك الفصل
عندما خلق الله آدم و {{ سر الانسان مع ربه }}

حتى نفهم قصة سيدنا نوح عليه السلام ، واسأل الله لي ولكم أن يفتح علينا فتوح العارفين
وقصة سيدنا نوح عليه السلام مما نحتاجه في زماننا لنتزود منها العلم والمعرفة ونور البصيرة
_______________________
شاء الله جل في علاه أن يخلق آدم عليه السلام الذي منه ستكون السلالة البشرية
وقبل أن يخلق سبحانه آدم عليه السلام قال لملائكته
{{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }}
فالله عزوجل خلق آدم ليكون في الارض لا في السماء
قال الملائكة
{{قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }}
هنا اجابهم الله عزوجل {{ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }}

نلاحظ هنا لم ينفي الله عزوجل عن خليفة الارض الفساد وسفك الدماء
[[ لم يقل لهم لا لن يفسد ويسفك الدماء بل قال إني اعلم ما لا تعلمون ]]
فالله عزوجل خلق هذا الخليفة في الارض ، واعطاه العقل والتفكير والتدبر وكرمه غاية التكريم وارشده الى الطريق المستقيم وزرع فيه فطرته السليمة
فإذا قام هذا الإنسان بالمعاصي وسفك الدماء ، فلا يلومن إلا نفسه
من البداية خلقك الله يا ابن آدم على فطرة سليمة مستقيمة
أياك ان تخرج عن هذا الطريق
________________________
قال تعالى
{{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }}

ما خلقهم الله إلا لأجل العبادة فقط
مثلاً ولله المثل الأعلى مع الفارق الكبير
[[ لو كنت مدير شركة ، فأحضرت موظف فقير من أجل ان يعمل و اردت بذلك ان تكرمه وترقيه
وقلت له :_ انا احضرتك لهذه الشركة من اجل العمل واريد تكريمك في المستقبل ، وقد وفرت لك جميع مستلزمات العمل المكتب والهاتف وجهاز الكمبيوتر والإضاءة كل ما يلزمك
ما عليك إلا ان تعمل
و كلما اجتهدت في العمل رفعتك درجة
فدخلت عليه يوماً و رأيته جالس على مكتبه يلهو ويلعب
فستقول له :_ ما لأجل هذا وظفتك ، إنما وظيفتك للعمل لا للهو واللعب

{{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }}

فالله عزوجل خلقنا من أجل العبادة فقط ، لأن العبادة ستجعلك ترتقي بالدرجات العليا والثواب العظيم

والله عزوجل غني عن عبادتنا
{{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ }} لاحظوا هنا وتفكروا وتدبروا
الخالق هو الله ، إذن من البديهي أن يكون الجن والانس عباد لخالقهم الله الواحد الاحد
هم بالأصل عبيد لمن خلقهم {{ الله }}
وبما أنهم عباد لله عزوجل الذي خلقهم فالأصل فيهم ان يكونوا عابدين له ، والله عزوجل هو المعبود

لذلك قال تعالى {{ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}}

لم يقل الله عزوجل :_ لأعبد
ولم يقل :_ لأكون معبود لهم
فالله عزوجل هو المعبود الحق ، لذلك بين و وضح للإنس والجن كيف يعبدوه كما يريد الله
الله جل في علاه غني عن عبادتنا ، ولكن نحن الذين في حاجة لعبادته لأننا وجدنا من عدم في هذا الكون الفسيح ونحن بحاجة أن نخرج من هذه الغربة ونرجع الى الذي فطرنا حيث السكينة والهدوء
[[ لله المثل الأعلى ، كيف الأم هل هي بحاجة لطفلها هل سيغنيها ؟؟ لا طبعا الرضيع لا حول ولا قوة له و الام غنية عن خدمات رضيعها
والطفل الرضيع هو الذي بحاجة لها ، فهي مكان الهدوء والسكينة والآمان والرحمة والرزق له في هذا العالم الغريب المخيف ، هو بحاجتها ]]
فالله غني عن عبادتنا ، ونحن الفقراء إليه ، نحن الذين بحاجة إليه
فالله عز وجل خلق الملائكة الذين
{{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }}

ففي السماء ملائكة وما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى
وهنالك ملائكة منذ أن خلقهم الله الى ان تقوم الساعة ساجدين لله أو راكعين لم يرفعوا رؤوسهم قط
فإذا نفخ في الصور وكان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم
وقالوا :_ سبحانك ما عبدناك حق عبادتك
فالله غني عنا وعن عبادتنا
__________________________
وقد جعل لك الله فطرة متعمقة فيك ، شعور ملازم لك دائما يخبرك أن لك رب عظيم قد خلقك
لذلك نسمع هذا النداء جيدا من اعماقنا {{ نداء الفطرة }}
نسمعه بداخلنا بوضوح عندما نكون في كرب عظيم وتتلاطم بالانسان امواج البلاء ينادي ربه يارب ، يا الله
ولو كان هذا الانسان على غير دين الإسلام ، تنطق فطرته
لذلك قال تعالى
{{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }}

هذا نداء الفطرة لكل البشر نسمعه جميعنا و هو يصدر من اعماقنا عندما نكون في كرب عظيم ونردد يا الله يارب
سبحانه وتعالى جل في علاه
____________________
ونرجع لأصل الفطرة عند الإنسان وهو في عالم الذر
قال تعالى
{{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }}

أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة
جميعنا في عالم الذر ونحن في ظهر ابونا آدم
اجتمعنا هناك جميعنا
ورأينا في ذلك الموقف كيف اننا كلنا جميعاً متعلقون بالله ولا غنى لنا عنه جل في علاه
{{ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ }}
عندما تجلى الله علينا في عالم الذر و مسح على ظهر آدم، لم يكن هناك انبياء ولا رسل يخبروننا ويعلموننا من هو الله
كل واحد منا كان مستقل بذاته
ولكنه مجبول بالفطرة وهو في ظهر آدم ، هذه الفطرة ستكون معه في الدنيا
لذلك عندما سألنا الله عزوجل في عالم الذر

{{ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ }}
لم يقل احد منا دقيقة حتى اسأل النبي او اسأل الملائكة فأنا لا ادري من ربي
سألنا الله جميعاً {{ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ }}؟؟
خطاب حقيقي ، الله عزوجل كلمنا هناك وخاطبنا
على الفور عندما سمعنا التكليم الإلهي وكنا نعي تماما الكلام وشاهدنا
على الفور قلنا ومن غير أن نسأل غيرنا من ربنا ؟؟
{{ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا }}
اعترفنا بوحدانية ربنا وشهدنا على انفسنا اننا نقر ونعترف ، بأنه لا إله إلا الله ، من خلال الفطرة التي فطرنا الله عليها
فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وتكفل لهم بالأرزاق ، ثم أعادهم في صلب آدم
___________________
الآن كل واحد منا اخذ {{ الميثاق الأول }}
وعندما كتب الله لأي انسان منا الحياة في هذه الدنيا ، وهذه الذرة التي كانت يوم من الايام في ظهر آدم وانتقلت الى ظهر أبنائه الى الاباء والاجداد من جيل لجيل
حتى استقرت في ظهر الأب ثم انتقلت الى رحم امك واصبحت هذه الذرة تنمو وتكبر حتى اصبحت انسان
هذه الذرة [[ أي انت ]] مجبولة من الأذل على الفطرة التي تشهد بوحدانية الله عزوجل
ولو كنت في الدنيا لا تتذكر ذلك ، ولكن في الآخرة سيكشف عنك الغطاء وتتذكر رحلتك الطويلة وعالم الذر وكيف دخلت للدنيا وكيف خرجت وماذا فعلت
ستنجلي عنك هذه الغفلة
قال تعالى
{{ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }}
فأنت تولد على فطرتك السليمة التي شهدت من قبل على وحدانية الله فإذا كبرت
وآمنت بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له
[[ فهنا انت في الميثاق الثاني في الدنيا تشهد كما شهدت في عالم الذر الميثاق الأول بربوبية الله عزوجل ]]
فهنا تبدأ تشعر بلذة مناجاتك لله وقربه منك
لماذا ؟؟
لأن ميثاقك الثاني الذي في الدنيا نفعك وجعلك تستشعر بالميثاق الأول في عالم الذر
لذلك انت تشعر بلذة في الدنيا عند مناجاة الله عزوجل ، تشعر احياناً بقربه تشعر شعور غريب لا يوصف
[[ السبب انك بذلك قد رجعت الى الميثاق الاول حيث كلمك الله وشاهدت وشهدت بوحدانيته ]]
لذلك من اوفى بالميثاق الثاني بالدنيا وشهد بوحدانية الله ، سيجني ثمار الميثاق الأول في عالم الذر
والذي لم يوفي بالميثاق الثاني في الدنيا ولم يشهد بوحدانية الله لن ينفعه الميثاق الأول الذي كان في عالم الذر
ومن مات وهو طفل صغير قبل ان يبلغ الحلم و لم يدرك الميثاق الثاني
سيموت على الميثاق الأول الذي كان في عالم الذر
[[ سيموت على الفطرة ويدخل الجنة ]]
______________________
يقول صلى الله عليه وسلم :_
كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء

[[ يعني مثلا الناقة عندما تولد تكون كل اعضائها كاملة وصحيحة جمعاء هل تكون مقطوعة الأذن كما تفعلون انتم بها ، يعني هي تولد كاملة وصاحبها هو الذي يقطع اذنها]]
وكذلك الانسان يولد كامل الفطرة السليمة فبسبب ابواه يتبع دينهم الباطل
والسبب ليس من المولود ، إنما من الأهل
ومع ذلك كله لم يترك الله هذا المولود بلا عناية ويتركه لأبواه يضلانه والمجتمع وللشياطين
فأرسل له الانبياء والرسل ليرشدوه ويرجعوه الى فطرته السليمة
فمن أنعم الله عليه وولد بين أبوين مسلمين فهذا من فضل الله عليه
ولكن ليس معنى ذلك أن من ولد بين أبوين كافرين أنه معذور بعد بلوغ دعوة الإسلام إليه، وقيام الحجة عليه
وها نحن كل يوم نسمع عن شخص اعتنق الاسلام لم يولد بين ابوين مسلمين
وايضا نسمع عن كثير من المسلمين ارتدوا عن الاسلام والتحقوا بالكافرين
[[ كل هذا الكلام تمهيد لنا لندخل في قصة نبي الله نوح عليه السلام ، لماذا قوم نوح عليه السلام خرجوا عن عبادة الله ؟؟ لماذا عبدوا الاصنام ؟؟
ماذا فعل ابليس بخبثه ومكره بفطرتهم وابعدهم عن الله
لماذا يحارب المسلم في كل مكان ؟؟
كيف توارث قوم نوح الكفر عن الاباء ، وكيف يستخدم ابليس مكره بالبشر الى يومنا هذا ، فأعذروني على الإطالة وهذا التمهيد الذي سيكون طويلاً بعض الشيء ولكن لا بد منه وسنجيب من خلاله عن تسأولات كثيرة ]]

يتبع إن شاء الله

____{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}______
_______________الأنوار المحمدية __________________
___________ صلى الله عليه وسلم __________________

.