..إن ضاقت بك الأرض
فالغربة والاغتراب من أصل واحد وهو : ( غَ رَ بَ ) أي بَــعُــدَ وابتعد
والجمع : الغُرباء بمعنى : الأباعد
واغترب فلان : إذا تزوج غير أقاربه
هكذا ورد بمعاجم اللغة العربية .
والغربة وإن كانت حرقة إلا أن الناس جميعا خلق الله وأفضلهم الذين اتقوه
قال تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىظ° وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا غڑ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ غڑ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)من سورة الحجرات
فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا،وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبًا ،( تفسير الطبري )
وفي الحديث الشريف : ( اغتربوا لا تضووا )
أي لا تضعفوا .
والسفر والغربة من أجل الخير كاكتساب علم أو سعي على رزق
أو علاج مرض ، بحثا عن حياة أفضل أو غنى حلال بتجارة مشروعة
أو تخصص يفيد الإنسان في أي مكان في الصحة أو العمل أو زيادة العلم
من الأشياء المباحة بل التي يحث عليها الشرع لجلب المنفعة بالتوكل على الله
الذي بسط الأرض وسخرها لعباده جميعا .
اغتربْ تكتسب
يذم بعض الناس الغربة مع أنه قد تكون خيرا على المغترب
يقول ابن الرمي في إحدى قصائده عن التغرب والغربة :

ولكني لم أحوِ وفرًا مجمعـــا = ففزتُ به إلا بشــــملٍ مبـــــدد
ولم تعطني الأيام نوما مُسَكنا= ألـــــذّ به إلا بنـــومٍ مشـــــرد
وطول مقام المرء في الحي مخلق = لديباجتيه فاغتربْ تتجدد
فإني رأيتُ الشمس زِِيدتْ محبةً = إلى الناس أنْ ليستْ عليهم بسرمد
الغربة يا عزيزي تحتاج لقلب جسور ، وعقل يدير ، وجهد كبير
لكنها بالصبر والمثابرة قد تتحقق فيها الآمال ، وتحيا فيها الأجيال
تذكر الفقر وتلعنه ، وتكسب الخير والغنى الحلال وتحمد الله وتشكره
ولئن تترك ورثتك أغنياء خير لهم من أن تتركهم عالة يتكففون الناس .
ولقد تغربت كثيرا عملا بقول الله تعالى في كتابه العزيز :

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) من سورة المُلك
فسافروا حيث شئتم من أقطارها ، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات ،
واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئا ، إلا أن ييسره الله لكم ;
ولهذا قال : ( وكلوا من رزقه ) فالسعي في السبب لا ينافي التوكل كما قال الإمام أحمد
إنه سمع عمر بن الخطاب يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا " .

======
من مقال لي بأحد المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبية
محمد فهمي يوسف