اليوم الأربعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
***** سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه - العظمة تحت الأسمال -
تحدثنا عن زهده وورعه .. وعرفنا أن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه .. عهد إليه ولاية حمص ... وبزيارته اشتكى أهل حمص أميرهم ﻷمير المؤمنين فماذا قالوا
نتابع ...
قال عمر فجمعت بينه وبينهم ، ودعوت الله ألايخيب ظني فيه ؛ فقد كنت عظيم الثقة به . فلما أصبحوا عندي هم وأميرهم ،
قلت : ما تشكون من أميركم ؟
قالوا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار فقلت : وما تقول في ذلك يا سعيد ؟
فسكت قليلا ، ثم قال : والله إني كنت أكره أن أقول ذلك أما وإنه لابد منه ، فإنه ليس لأهلي خادم ، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أتريث قليلا حتى يختمر ، ثم أخبزه لهم ، ثم أتوضأ وأخرج للناس .
قال عمر : فقلت لهم : وما تشكون منه أيضا ؟
قالوا : إنه لايجيب أحد بليل . قلت : وما تقول في ذلك يا سعيد ؟
قال : إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضا فأنا جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل . قلت : وما تشكون منه أيضا . قالوا : إنه لا يخرج إلينا يوما في الشهر قلت : وما هذا يا سعيد ؟
قال : ليس لي خادم يا أمير المؤمنين ، وليس عندي ثياب غير التي علي ، فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف ، ثم أخرج إليهم في آخر النهار .
ثم قلت : وما تشكون منه أيضا. قالوا : تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه فقلت : وما هذا يا سعيد ؟!
فقال : شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك ، ورأيت قريشا تقطع جسده
وهي تقول : أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ فيقول : والله ما أحب ان أكون آمنا في أهلي وولدي ، وأن محمد تشوكه شوكة... وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي ... وأصابتني تلك الغشية .
وانتهت كلمات سعيد التي كانت تغادر شفتيه مبللة بدموعه الورعة الطاهرة..
ولم يمالك عمر نفسه ونشوه ، فصاح من فرط حبوره.
" الحمد لله الذي لم يخيب فراستي".!
وعانق سعيدا ، وقبل جبهته المضيئة العالية...
وفي العام العشرين من الهجرة ، لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة ، وأتقى ما يكون قلبا ، وأنضر ما يكون سيرة..
لقد طال شوقه إلى الرعيل الأول الذي نذر حياته لحفظه وعهده ، وتتبع خطاه..
أجل لقد طال شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلمه.. وإلى رفاقه الأوابين المتطهرين..
واليوم يلاقيهم قرير العين ، مطمئن النفس ، خفيف الظهر..
ليس معه ولا وراءه من أحمال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله ..
ليس معه إلا ورعه ، وزهده ، وتقاه ، وعظمة نفسه وسلوكه..
وفضائل تثقل الميزان ، ولكنها لا تثقل الظهور..!!
ومزايا هز بها صاحبها الدنيا ، ولم يهزها غرور..!!


سلام على سعيد بن عامر..
سلام عليه في محياه ، وأخراه..
وسلام.. ثم سلام على سيرته وذكراه..
وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم