اليوم التاسع والعشرين : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
****** سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه - الأسد في براثنه -
عرفنا عن معركة المدائن الذي انتصر بها المسلمين بقيادة سعد انتصارا باهرا ... وبدأ سعد باعمار الكوفة وترسيخ وتوطيد تعاليم الاسلام بالبلاد الواسعة ..
رفض سعد العودة للكوفة بعدما استدعاه امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشكوى من أهل الكوفة بزعمهم الباطل والمضحك أنه لايحسن الصلاة ...
نتابع ....
وحين اعتدي على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه ، اختار من بين أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ، ستة رجال ، ليكون إليهم أمر الخليفة الجديد قائلا انه اختار ستة مات رسول الله وهو عنهم راض عنهم ... وكان من بينهم سعد بن أبي وقاص.
بل يبدو من كلمات عمر الأخيرة ، أنه لو كان مختارا لخلافة واحدا من الصحابة لاختار سعدا..
فقد قال لأصحابه وهو يودعهم ويوصيهم : إن وليها سعد فذاك..
وان وليه غيره فليستعن بسعد".
ويمتد العمر بسعد .. وتجيء الفتنة الكبرى ، فيعتزلها بل ويأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا إليه شيئا من أخبارها..
وذات يوم تشرئب الأعناق نحوه ، ويذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، ويقول له:
يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يروك أحق الناس بهذا الأمر.
فيجيبه سعد :
" أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا.. اذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، واذا ضربت به الكافر قطع"..!!
ويدرك ابن أخيه غرضه ، ويتركه في عزلته وسلامه..
وحين انتهى الأمر لمعاوية ، واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا:
مالك لم تقاتل معنا..؟؟
فأجابه:
" اني مررت بريح مظلمة ، فقلت : أخ .. أخ.. واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.."
فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ.. أخ.. ولكن قال الله تعالى :
(وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فان بغت احداهما على الأخرى ، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله).
وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة على الباغية.
أجابه سعد قائلا:
" ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله : أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
وذات يوم من أيام الرابع والخمسين للهجرة ، وقد جاوز سعد الثمانين ، كان هناك في داره بالعقيق يتهيأ لقاء الله.
ويروي ولده لحظاته الأخيرة فيقول :
[ كان رأس أبي في حجري ، وهو يقضي ، فبكيت وقال : ما يبكيك يا بني ..؟؟
ان الله لا يعذبني أبدا وأني من أهل الجنة]..!!
ان صلابة إيمانه لا يوهنها حتى رهبة الموت وزلزاله.
ولقد بشره الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو مؤمن بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام أوثق ايمان..
واذن ففيم الخوف..؟
[ ان الله لا يعذبني أبدا ، واني من أهل الجنة].
بيد أنه يريد أن يلقى الله وهو يحمل أروع وأجمل تذكار جمعه بدينه ووصله برسوله.. ومن ثم فقد أشار إلى خزانته ففتحوها ، ثم أخرجوا منها رداء قديما قد بلي وأخلق، ثم أمر أهله أن يكفنوه فيه قائلا :
[ لقد لقيت المشركين فيه يوم بدر ، ولقد ادخرته لهذا اليوم]..!!
اجل ، ان ذلك الثوب لم يعد مجرد ثوب.. انه العلم الذي يخفق فوق حياة مديدة شامخة عاشها صاحبها مؤمنا ، صادقا شجاعا!!
وفوق أعناق الرجال حمل إلى المدينة جثمان آخر المهاجرين وفاة ، ليأخذ مكانه في سلام إلى جوار ثلة طاهرة عظيمة من رفاقه الذين سبقوه إلى الله ، ووجدت أجسامهم الكادحة مرفأ لها في تراب البقيع وثراه.
وداعا يا سعد..!!
وداعا يا بطل القادسية ، وفاتح المدائن ، ومطفىء النار المعبودة في فارس إلى الأبد..!!
وإلى لقاء جديد مع رجل أخر من الرجال المؤمنين الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه ...
إن شاء الله تعالى