هندسة الذات .. بآيات الغزوات
غزوة الخندق (2)

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ((9)
في توجيهه سبحانه وتعالى الخطاب للمؤمنين دون طرف الصراع الآخر المتمثل بالمتحزبين من المشركين واليهود والمنافقين فيه تجسيد لكرامة المؤمنين ، وإشهار للطفه بهم ، وأنهم أحِقاء به وأهله ، فهم الذين يفقهون عن الله قيـلَه ، ويتبعون سبيله ، وفي الوقت نفسه فيه تحقير لعدوّهم ومن يكيد لهم ، وإخماد لذكرهم ، وتسفيه لعقولهم ، بعدم توجيه الخطاب إليهم ، فهم لشناعة أفاعيلهم باتوا دون اللوم والعتاب .
وقد أمِر المؤمنون بأن يذكروا هذه النعمة ولا ينسوها ، لأنّ في ذكرها تجديداً للاعتزاز بدينهم ، والثقة بربهم ، والتصديق لنبيّهم صلى الله عليه وسلم .
( إذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ) جنود قوامها اثنا عشر ألفاً ، تقاسموا على أن لا يرجعوا وقد بقي للإسلام باقية ، ولا يكون لأحد من أهله منهم واقية (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا ) هي ريح الصَّبا : فأطفأت نيرانهم ، وأكفأت قدورهم وجفانهم ، وسفت التراب في وجوههم ، ورمتهم بالحجارة ، واقتلعت خيامهم ، وأوهنت ببردها عظامهم ، وأجالت خيلهم حتى ماج بعضها في بعض ، وفي ذلك يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – ( نُـصرت بالصَّبا ، وأُهلكت عاد بالدَّبور )
( متفق عليه )
(وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) : من الملائكة ، وقـذْفِ الرّعب في القلوب ( وكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) : إيماء إلى أنّ الله تعالى نصرهم وهزم المتحزبين ضدّهم لأنه بصير بما لقيه المسلمون من المشقة والصبر والمصابرة في الإعداد ، ومدافعة الأعداء ، وبذلهم النفوس في نصرة دين الله تعالى ، هذا من جهة ، كما أنه تعالى بصير بالتجائكم إليه ، ورجائكم فضله ، فجازاكم بالنصر المبين ، فنصركم على الأعداء حينما اشـتـد الاستعداء ، جرياً على القاعدة الرّبانية (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )( الحج 40) فدبّر في هذه الحرب ما كان المسلمون به الأعلَـين ، ولم ينفع الأحزاب قوتهم ، ولا أغنت عنهم كثرتهم ، ولا ضرّ المؤمنين قـلّتهم لأنّ الله معهم ولن يترهم أعمالهم .
فبان عندئذ : أنّ الله تعالى الذي يأمر المؤمنين باتباع وحيه ، والتوكل عليه وحده، وعدم طاعة الكافرين والمنافقين ، هو الذي يحمي القائمين على دعوته ومنهجه ، من عدوان الكافرين والمنافقين ، ومَن تحزّب معهم وشايعهم .