سلسلة :
هندســة الذات .. بآيات الغزوات
غزوة الأحزاب (1)
ما ينزل بساحة أمّة الإسلام من أحداث جسام ، أحداث تشكّل واقعاً يشهد علوّ الباطل وأشياعه على الحق وأنصاره ، فاعلم بأنّ هذا الواقع هو الباطل الزائل الذي يوجد في الأرض لفترة تمحيصيّة وحكمة ربانيّة ، ثمّ تكون الغلبة لله ولرسوله ولجنده المؤمنين .
ولربما قست الأحداث على المؤمنين حتى تبلغ بهم حدّ الفتـنة ، لكنها الفتنة المُمحصّة ؛ كفتنة الذهب الخالص الذي تزيل عنه الزّبد الزائف ليبقى الجوهر الأصيل ، وهكذا النفوس تبتـلى ليظهر فيها المعدن الصافي والقيم الأصيلة .
ولتظلّ النفوس تتعرّى دوماً من كلّ ستار ودثار قد يقودها إلى عِـثار ، فما الأحداث الجسام التي تحيط بالمؤمنين إلا تربية ربانية ؛ تربية تجريبية واقعية ، تنضجها نضجاً صحيحياً ، تربية تُحفر في القلوب ، وتستقرّ في الجنان والوجدان !
وهذا المقطع من سورة الأحزاب يتولى تشريح حدث من الأحداث الضخمة في تاريخ الجماعة المسلمة ، ألا وهو غزوة الأحزاب ، في السّنة الرّابعة أو الخامسة للهجرة.
يستهلّ المقطع بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ( (9)
جاء هذا المقطع بهذا التذكير بمجريات غزوة الأحزاب في سورة الأحزاب بعد مطلع السّـورة الذي أمر المؤمنين بوجوب اتباع أمره ، ونزع يد الطاعة من الكافرين والمنافقين ، ودوام الاحتراس منهم ، وحجب الولاء عنهم ، وإن عظمت مشقـته ، وزادت حرقـته ، وتفاقمت ضريبته ، من غير ركون إلى مؤالف موافق ، ولا الرّهبة من مخالف مشاقـق ، عُـدّتهم في ذلك اعتمادهم على تدبيره سبحانه ، ووثوقهم بعظيم أمره في تقديره ( فذكّرهم بدليلٍ شهوديّ ، هو أعظم وقائعهم في حروبهم ، وأشدّ ما دهمهم من كروبهم ) .
ذكّرهم بغزوة الأحزاب ، التي منخول القول فيها وخلاصته : إنّ في تدبير الله تعالى ما يغني عن الحِيَل ، وفي كرمه ما هو فوق الأمل ، وفي لطفه بأوليائه ما يسدّ الخلل ، فَـلْنعلّق رجاءنا إذن بربّ الأرباب ، مسبّب الأسباب ، هازم الأحزاب ، ولْنظـلّ أوفياء لمبادئنا وثوابتـنا ونهج ديننا الأصيل .