تجـرّدُ الأَعلَوْن في قصّـةِ مُؤمنِ آلِ فرْعَـوْن :

وحيث إنّ فرعون ساس مصر سياسة طاغوتيـة في مرحلة عنوانها : (( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )) يذبّح الأجيال فيذبح معها كلّ بارقة أمل تلوح لخلاص الشعوب المستضعفة الجاثمة تحت وطأة حكمه ، وفي ظلّ حالة الاستنفار ضدّ الإصلاح وبُؤَره ورجالاته ، يـطلّ علينا مؤمن آل فرعون بمشروع إنقاذٍ عنوانه (( يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا )) تذكيرٌ بنعمة الله عليهم ، وتمهيدٌ لتخويفهم من غضب الله ، يعني : ( لا تغرنّكم عظمتكم وملككم فإنهما معرّضان للزوال إنْ غضب الله عليكم ) .
وأدمج نفسه مع قومه وأجملها معهم ونظم نفسه في سلكهم وهو يذكّرهم ببأس الله في قوله ( فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ) ليريهم أنه يأبى لقومه ما يأباه لنفسه ، وليشعرهم أنّ أمرهم يهمّه ، فهو واحد منهم ، ينتظر مصيره معهم ، فهو إذن ناصح لهم مشفق عليهم ، فالمصيبة إن حلّت لا تصيب بعضهم دون بعض .
وتأمّل قوله ( لكم الملك ) ولم يقل : لنا الملك ، ففي قوله ( لكم المُلك ) إخراج لنفسه من منظومه المُلْـك ، وإفلات بالنفس من ( وهْم السّـلطان إلى قلب الإنسان ) القلب المملوء باليقين والإيمان ، المعمور بالتعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله تعالى .
وتلك خطوة متجرّدة يصون بها البلاد والعباد حينما تكون ملابسات الواقع وضغوطاته الثقيلة لا تبشّر بتمكين .
كما أنّ في قوله ( لكم الملك اليوم ) لفتة ذكيّة إذ فيها تحاكم لسنن الله تعالى وارتقاب لها ، فهي نظرة استراتيجية عميقة ، من ذي حسّ بصير ، موقن بمآلات المصير ، فمعطيات الواقع اليوم تهبّ ريحها معكم ، فالمُلك اليوم لكم ، غير أنّ سنن الله تعالى في التكمين لا تجاري الظلمة البتّة ، فالله تعالى (( يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممّن يشاء)) فارتقبهم واصطبر .