مسلسل ابنـــــة المعلم
تطـوّر الدراما بين الرومانسيـة... والاصرار على الانتقام
عمار شلق جسّد شخصيةً معقدة... حملت هاجس الانتقام من حبيبته وقتلها باللاوعي




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


كارمن لبُس دفنت احلامها بيدها... لتحقق احلام والدها وأسرتها....

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


حينما عُرضت شارة المسلسل الدرامي / ابنة المعلم/ وسمعتُ تعليق المذيع حوله، بأن هذا المسلسل حقق نقلةً نوعيةً في تطوّر الدراما اللبنانية، وجعل الناس حبيسي المنزل، ينتظرون متابعته بفارغ الصبر... استغربتُ هذه المبالغة، ثم بدأت حلقاته بالعرض ، واخذ يشد انتباهي وتفكيري، ويجعلني انتظره ... وكأنني على موعد معه.. عوامل كثيرة اشتركت في نجاح هذا المسلسل، فبالاضافة الى جمالية القصة، وعرضها قضيةً حياتية هامة، ركّز ايضاً على فكرة هامة واقعية وهي ان الاحلام تبقى هاجساً نعيش بها، ونعمل على الوصول اليها وفي اللحظة التي نقرر فيها تحقيقها ، لا ندري ماذا يخبىء لنا القدر من مفاجآت تغيّر مسار تلك الاحلام...؟؟
كما دخل الى اعماق النفس البشرية ليبيّن مدى تأثر الوعي واللاوعي «الشعور واللاشعور في سلوكيات الانسان الخفية، واقباله دون وعي على تحقيق ما يتمناه في اللاوعي واللاشعور، ويرفضه في حالة الوعي والشعور... وكان للبيئة المكانية دور كبير في اضفاء مسحة الرومانسية، اذ صُوّر المسلسل بإحدى قرى الجنوب اللبناني النائية بين الجبل الاخضر الكبير والخمائل الكثيفة والمرتفعات الجبلية، وتشابكت الاحداث داخل القصر الحجري الكبيروالبيوت الحجرية المجاورة التي عكست صورة التراث، والأصالة، امتد زمن المسلسل في مرحلة الستينيات... حينما كانت الدول العربية تفتقر الى التعليم، وتعمل كل دولة جاهدةً وفق امكاناتها لبناء المدارس ونشر الحركة التعليمية، في تلك القرية النائية.. كانت هناك مدرسة صغيرة، يديرها وصاحبها المعلم ، حلم بأن يطوّرها لتصبح اعدادايةً وثانويةً، ولم يوقفه شيء ازاء هذا الهاجس، فبدأت حملة الاستدانة من البنك لتوسيع المدرسة لكن المرض داهمه ووقع تحت وطأة الافلاس والتهديد ببيع المدرسة .
وهنا تبدأ خيوط الحبكة بالوصول الى العقدة، اذ تدخل شخصية ثانوية شخصية (كمال) ليدفع الدين ويصبح شريكاً في المدرسة، ويطلب الزواج من ابنته (مي) -جسّدتها (كارمن لبُس)- التي تشارك والدها في حب التعليم والمدرسة وترتبط بعلاقة حب حميمة، عمرها سنوات مع زياد (عمار شلق) الشاب الطموح الشاعر الفقير، والذي علمه المعلم مجاناً، فتضطر إزاء الوضع ا لراهن إلى أن تضحي وتنقذ سمعة والدها واحلامه، فتدفن احلامها بيدها وتتخلى عن حبيبها زياد ، لتتزوج من كمال وتستمر المدرسة، فعلت هذا بدافع الايمان بقضية التعليم ، وفي الوقت نفسه تضيق خيوط الحبكة على زياد المحطم المنكسر عاطفياً ونفسياً فيغادر ويسافر في يوم رفافها... تمر السنوات سريعاً،ويمضي قطار العمر وبعد سبعة عشر عاماً يعود زياد ثرياً مترفاً ، انعكست عليه كل مظاهر الحضارة .
- وقد تألق الفنان عمار شلق بجاذبيته واناقته ولباقته الحضارية بتجسيد هذا الدور بدقة - عاد ثانية الى القرية التي خرج منها مذبوحاً من الألم، ليغدو صاحب القصر الحجري الكبير اكثر رجال القرية ثراءً، لكن قلبه لم يعد قلب شاعر، بل امتلأ حقداً على من اساؤوا اليه لاسيما (ابراهيم بيك) واصدقائـــــــه ومي حبيبـــته بصـــــــــورة خاصة ، وقد شاركت عدة شخصيات ثانوية في تفعيل الاحداث الى جانب الشخصية الرئيسية مي مثل اصدقاء زياد (عماد - جميل ) المختار- شقيقة كمال آمال التي تعمل بالمدرسة وتحب عماداً، الذي يحب مي، ويتزوج من آمال بدافع منها، ووالدة كمال واسرة مي ( الجدة والاخ والاخت)... خلال الاعوام السابقة تفقد مي زوجها (كمال) وتجد نفسها مسؤولةً عن المدرسة وولديها واسرتها وعائلة زوجها ، وفي الوقت نفسه تعيش هاجس تحقيق احلام والدها، فتضطر الى بيع منزل عائلتها ثم رهن المدرسة للبنك - ،وهكذا تغرق بسلسلة الديون، ويتنكر لها اقرب الناس اليها (اختها واخوها ووالدة زوجها)... اولئك الذين يطالبون ببيع المدرسة والخلاص من سيطرتها... وفي الوقت نفسه تصطدم بانحراف اخيها الذي يدمن على المخدرات، وتحدي اختها التي تُعجب بزياد محاولةً ايقاعه بشباكها... تتوالى الاحداث وتتصارع وتحكم خيوط الحبكة وتشتد العقدة وتصل مي الى حافة الانهيار النفسي والمادي، فتقبل عرض زياد بالزواج منها مقابل دفع ديونها... لكن هذه المرة لم يكن الزواج بدافع الحب ، وإنما بدافع الانتقام... بعدما اقنع اختها بحبه وطلب منها اقناع اخيها الذي ابلغت عنه مي حمايةً له ولمستقبله ويقبع بالزنزانة حالياًبرفع دعوى قضائية ضد مي ، للحصول على حصتهما من بيع منزل الاب ومقاضاة مي للتصرف بثمن المنزل، وفي الوقت نفسه أوقع بين الاختين ليطبق خطة الانتقام.... تتم مراسم الزواج بسرية وبرفض من الجميع ، لعلمهم ان زياد يريد اذلال مي والانتقام منها عن قرب ... وهنا تنتقل الاحداث الى القصر الحجري الكبير ليتفاقم الصراع بين الشخصيتين الرئيسيتين / مي وزياد/ بين الحب والرومانسية والرغبة بالانتقام... تحاول مي ان تستوعب زياداً . وتمتص غضبه.. فتذكره بأجمل الذكريات ومشاعر الحب الرقيقة التي جمعتهما سابقاً وان الحاضر يحمل لهما فرصة جديدة لتحقيق احلامهما، والتمتع بالسعادة... وتمر لحظات سعيدة يقترب فيها الحبيبان من بعضهما همساً وعتاباً ، لكن زياداً لا يضعف ويقاوم هذا الحب المدّمر الذي استقر بدمه وشرايينه قرابة ربع قرن، ويرفض الانصياع لرغبة مي ويبقى زواجهما صورياً، ليس هذا فحسب، بل يكبر في اعماقه ذاك الاحساس القوي باللاوعي بقتل مي والانتقام منها والقضاء على هذه المرأة التي حرمته من التمتع بحياته وثروته وجعلته فريسة الألم والحقد والضياع النفسي والغربة الروحية ، فيدفع ابراهيم بيك دون شعور لقتل مي، لاسيما انه ايضاً كان يحبها ولم يتزوج من اجلها، ويطمع بالحصول على المدرسة وبناء مشروع سياحي عوضاً عنها وبالزواج من مي... لكن هذا الشعور الذي استقر في اعماق زياد باللاوعي ويرفضه في حالة الوعي، فيدفع لخادمة ابراهيم بيك ليحمي مي منه... وتمضي خيوط المغامرة الحدثية الى النهاية... وصولاً لذوبان العقدة وتلاشيها، وتُكرّم مي من قِبل الوزير لنجاح جميع الطلاب في الثانوية ويفاجئها زياد بقرار سفره ربما ليهرب من الاحساس المتزايد باللاوعي بقتل مي، لكنها تصر على بقائه وحضور الحفل ... واثناء الحفل عندما يكون الجميع منشغلين يقتنص الفرصة زياد ، فيهرب الى منزل ابراهيم بيك المصاب بفالج بعد سماع نبأ زواج مي وزياد يحثه ويحفزه على قتل مي بالمسدس... يعود الى الحفل وبعد دقائق يفاجىء ابراهيم بيك المشاهدين وتفاجئنا الكاتبة بالورقة الاخيرة المختفية وراء ستار الحبكة، فيتغير مسار الحدث في الومضة الاخيرة اذ تُقدّم مي وسام الاستحقاق لصورة والدها وتعلقه على صورته وتقول له لقد حققت احلامك واريد الآن ان احقق احلامي بعد ما شفيت اختها من حب زياد وقررت الزواج من ابن خالتها وقرر اخوها الدراسة بالسجن وشفي من الادمان، وتزوجت آمال من عماد ، ونجح الطلاب ..في تلك اللحظة يطلق ابراهيم بيك الرصاص . فيهرب زياد في حالة الوعي والشعور لحماية مي ويسقط صريعاً عوضاً عنها، وفي هذه اللحظة تنتهي الحبكة وتمضي العقدة الى النهاية اذ يرتمي بين يدي مي مستعرضاً كل ذكريات الماضي، وهذا الحب الرومانسي المرير، لقد امتلك المسلسل القدرة على اقناع المشاهد بعرض اشكالات القضية، والاحاطة بخفايا الخيوط لقصة حب عميقة رومانسية، وقد تمكنت كارمن لبُس من تجسيد شخصية المرأة القوية المقاومة القادرة على الوقوف في وجه العوائق، والتحدي والصمود... رغم كل الازمات النفسية والانكسارات ... ونجحت الكاميرا في التنقل من حدث لآخر ... ومن شخصية لأخرى... وفي الدخول الى عمق الشخصيات ناقلة انفعالاتها الخاصة وانعكاساتها على ملامح الوجه ونبرة الصوت ، وبالتالي في اقتناص لحظات وومضات ساحرة ومتفردة في حياة الانسان، والتركيز من حين لآخر على زوايا طبيعية رائعة ،والجدير بالذكر ان المسلسل تجاوز عشرين حلقة وهو من تأليف د. منى طايع،واخراج ايلي -ف- حبيب وتمثيل روجيه زيادة- ايلي زغيب- الياس خليل) - اضافةً الى الشخصيتين الرئيسيتين كارمن لبس وعمار شلق/ والنجم انطون كرباج الذي جسد شخصية ابراهيم بيك... أما كلمات الشعر فللشاعر سعد الدين شلق . لقد حقق المسلسل نجاحاً في الدراما اللبنانية، وشارك في نجاح تطور دراما الوطن العربي، والخصائص الدرامية الاساسية والفرعية بصورة خاصة.....ورسم صورة دقيقة لمعالم الحياة الاجتماعية في مرحلة الستينيات من حيث اللباس والشكل ومظاهر الحياة.

مِلده شويكاني
جريدة البعث

http://www.albaath.news.sy/user/?id=44&a=3010