المذهب العقلي



نشر في جريدة العهد العدد /136 / 17 / 3 / 2010 بغداد


سعد عطية الساعدي

منشور في عدة مواقع عربية


تنقسم المعارف في رأي العقليين على طائفتين


إحداهما معارف ضرورية أو بديهية ونقصد بالضرورة هنا أن النفس تضطر إلى الإذعان بقضية معينة من دون أن تطالب بدليل أو تبرهن على صحتها - بل تجد من طبيعتها ضرورة الإيمان بها إيمانا غنيا عن كل بينة وإثبات كإيمانها ومعرفتها بالقضايا الأتية : ( النفي والإثبات لا يصدقان معا في شيء واحد ) ( الحادث لا يوجد من دون سبب ) الصفات المتضادة لا تنسجم في موضوع واحد ) ( الكل أكبر من الجزء ) ( الواحد نصف الاثنين ) - و الطائفة الأخرى هي معارف ومعلومات سابقة فيتوقف صدور الحكم منها في تلك القضايا على عملية تفكير واستنباط للحقيقة من حقائق أسبق و أوضح منها كما في القضايا الأتية ( الأرض كروية ) الحركة سبب الحراة)
( التسلسل ممتنع ) - فالمذهب العقلي يوضح أن الحجر الأساس للعلم هو المعلومات العقلية الأولية - وعلى ذلك الأساس تقوم الفوقية للفكر الإنساني التي تسمى بالمعلومات الثانوية - الذي بينه لنا هذا المقطع من مفهوم المذهب العقلي بأن المعارف البديهية هي مسائل مسلم بها دون الحاجة إلى دليل أو برهان من كونها معارف عامة أو أساسية كما في الأمثلة التي ذكرناها



والمعارف الأخرى هي نظرية تحتاج الرجوع من أجل الحكم عليها كتصديق أو حقيقة إلى معارف ومعلومات سابقة مختزلة في الذهن - والفرق واضح بين الطائفتين أي مسلم به كمعرفة لا تحتاج إلى دليل أو برهان - ومعرفة تحتاج إلى معلومات سابقة أي بحاجة إلى الدليل والتحقيق من صحتها - الذي نستخلصه من النظرية العقلية والمذهب العقلي هو دور وأهمية العقل في مساحة العلم والمعرفة والاستدلال على معرفة حقيقة الأشياء وبما أن التنظير مسألة يختلف فيها الفلاسفة و المفكرون والذي سببه دقة مواضيع المعرفة ومساحتها الواسعة - ولهذا ظهرت النظريات الحسية والذي مثلها (جون لوك ) الذي زعم أن الإدراك يرجع كله إلى الحس والتجربة - وكذلك المذهب التجريبي - الذي بجرد الإنسان من أي معارف أولية بل يلغي دور الفطرة بالكامل ويعتبر التجربة أساس كل معارف الإنسان - وهناك الكثير من النظريات والآراء كما هو معلوم - والذي يهمنا هنا هو دور وأهمية العقل ولسنا بصدد نقل تلك النظريات والآراء الفلسفية من مصادرها - ولكن المعارف الأولية التي تنكرها بعض تلك المذاهب هي التي يرتكز عليها المبدأ العقلي والتي تكون القيمة البدائية أو -الفطرة - في العقل من أجل تحقيق الفاعلية المعرفية حتى لا يبدأ العقل من فراغ - وحتى يكون العقل مبتدأ بالأساسيات المهيأة لاستيعاب المعرفة في مراحل الإنسان اللاحقة عندما يبحث عن المعرفة وحقيقة الأشياء - والشهيد الفيلسوف الكبير محمد باقر الصدر في كتابه فلسفتنا يدحض كلا من المبدأ الحسي و التجريبي بموضوعية فكرية رصينة -



أن قيمة و أهمية تلك الأساسيات أو المعارف الأولية هي المحرك الأول لحركة الإدراك الإنساني في كل مسائل العلم والمعرفة بما فيها الحس والتجربة - ولو لم يكن العقل مهيأ بها كعناصر معرفية تنشط و تنضج من خلال المراحل اللاحقة لكان قد اختلطت لدى الإنسان وتداخلت المعلومات على اعتبار كل ما يكشفه العقل يكون غريبا عليه ولم يكن له تجاوبا مقبولا طالما العقل لا يمتلك المعلومات الأولية وسيختلف إقرار الأساسيات لدى الجميع ولم يتفقوا عليها باعتبارها معارف تجريبية صرفة لا يدركها الجميع - لأن المعارف التجريبية تختص بها مجموعة من الناس ويبقى الآخرون متلقين من غير فاعلية فكرية تتحرر عقولهم من أخطاء غيرهم -