بين"محمود مسومة" و"سُحيم بني الحسحاس"


هذه أسطر مستلة من موضوع طويل،عريض .. حول كتاب"الرق في موريتانيا" .. وقد ذكرني "الفتى : الرقيق" المسمى"محمود مسومة" و عشقه سيدته "مسومة" بـ"سُحيم بني الحساحس".
قلتُ :
يبدو أننا – أي أحفاد شنقيط الأول – لدينا ولع،غير متكلف،بالأدب والشعر .. لذلك لم ينس أخونا الباحث الكريم أن يطرز بحثه بشيء من الأدب..فكتب تحت عنوان"الرق في ذاكرة الأدب والأمثال".ولكن قبل ذلك .. هذه فرصة"إلين ما جابها الموجب" أن أزجي تحية إعجاب للدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله .. لا على برنامجه الأكثر من رائع"الملحمة" .. بل تحية على كل ما شاهدت له من برامج .. ومع التحية سؤال أو تعجب .. في إحدى حلقات "الملحمة" طالب الدكتور بكسر "التابوهات" .. وفي حلقة أخرى، سأل ضيفه إن كان يروي شعرا يمدح "المستعمر" ثم طلب من الضيف،حالة وجود ذلك الشعر،عدم ذكر "قائله" : على أخلاقي!
لعل المشكلة تكمن في أننا – كمسلمين – ننسى دائما قول الحق سبحانه وتعالى :
(ولا تزر وازرة وزر أخرى) .. وما فعله الأب أو الجد،لا علاقة للأبناء،والأحفاد به ..
ومرة أخرى قبل حديث "الأدب"مرة عبارة،مرور الكرام،في إحدى حلقات "الملحمة" وقد تحدث "الضيف"عن أحد "الشيوخ" والذي رفض أن "يوقع "الصلح من المستعمر .. إلا إذا قبلوا شرطه ..وهو ألا يتزوجوا من"البيظانيات" .. فرفضوا الشرط أولا،وحبسوا الشيخ في الشمس أياما،حتى بدأ تجمهر الناس حوله .. أو شيء من هذا القبيل .. فقبلوا شرطه.
نعود إلى باحثنا الأستاذ محمد سالم ولد محمدو .. والذي قال،بعد أن عدد بعضا من الأدباء "الحراطين" ..(ولا ننسى ذلك الصوت الهادر في تاريخ الأدب الحساني وعالم الوجدان والشوق : الأديب :"محمود مسومة" الذي حفر أثرا غائرا في ذاكرة الأدب الحساني أسال من خلاله دماء "جروحت الخد"حسب تعبيره :
ابكيت ف الدار انكوكي واجروحت الخد إبانُ
وامشات ولفِ ييوكي ف اسلامت الله أُمانُ
{بقي في الدار يصرخ وقد رحلت "إلفه" أو حبيبته . . وترك الدمعُ جراحا على خديه .. سافرت .. في سلامة الله وأماته}
ويمثل"محمود"في منطوقه الشعري محاولة بائسة للخروج على نواميس الطبقية من خلال التعلق بسيدته،سائرا عكس تيار مجتمعي يفترض في العلاقة بين العبد وسيدته تقاليد الولاء والطاعة لا علاقة الحب والهوى،ليكون حلمه الآسر – بأشكاله وتمثلاته المختلفة – أثرا داميا وجرحا خالدا){ ص 83 ( الرق في ..)}.
في الهامش أقول : هكذا كتبت"ابكيت" أي بالكاف المعقودة .. ولكنها قد تُقرأ .. " بكيت"،من البكاء .. والمعنى يستقيم : بكيت في الدار .. ولو كُتبت : ابقيت .. فإن المعنى المقصود،هو نفسه المعنى الفصيح : بقيتُ في الدارِ
على كالٍ .. بحثت،عبر"آية الله قوقل"عن هذا الفنان العاشق .. فوجدت ما كتبه الأستاذ محمد الأمين ولد سيدي مولود :
(وبما أن النصوص الأدبية المروية عن الشخص الوحيد الذي تعانق في أدبه وشعره عشق الحرية وحرية العشق نصوص قليلة جدا،ويُطعن في بعضها،ناهيك عن سيرة الرجل،فإنه من الوارد أن لا يُلجم الخيال عن تصور كيف كان الرجل يكابد ثنائيته العتيدة : العشق الحرية. لذلك سيكون الحضور في هذه السطور لمحمود الرمز .. محمود الأسطورة بكل تأكيد على حساب محمود الشخص حتى وإن تخيلت شخصيا أن الفرق بين محمود الشخص ومحمود الأسطورة طفيف جدا!ويعود ذلك إلى أن الذاكرة الجماعية والرقيب الوصي"السيد"يمارس رقابته بل وتسلطه على"المحمودين"الأسطورة والشخص بنفس الدرجة من القسوة والخشونة والتوحش (..) فلنسمع من محمود نفسه يصف لنا بعض ما يعانيه :
يلالي مثقل عودان حرطان وان بظاني
قلبي واخلاكي ولساني نله واركيك حاشيتٍ
وامل سابق كواني فاخلاكي عزت عربيتي
جاحدها عنها كليّ أعن عربي رب البيت
والبيّ لا علمت هيّ بي تاب عن حريتي
أعربيّ كان اعلم بيّ لاهِ تتحطم شخصيتِ ){ رابط المقالة http://essirage.net/archive/index.ph...-12-14-06.html

[TR]
[TD="colspan: 2"]
محمود مسومه ... بين حرية العشق وعشق الحرية
essirage.net
موقع الكتروني تابع لمؤسسة السراج للإعلام والنشر، وهو صوت إعلامي موريتاني يتخذ من الدقة والتميز والمهنية ضابطه العام، وينحاز إلى الثوابت حيث الحقيقة هي الثابت الأول، ليقدم للقارئ خدمة إعلامية متميزة على مدار الساعة، وليكون منبرا للرأي والفكر والتحليل، وميدانا لمناقشة الأفكار وتبادل التجارب، وقناة لمعانقة قضايا الأمة والوطن.
[/TD]
[/TR]


}.
{يتحسر على أن طباعه .. مثل طباع "البيظان" .. وكذلك لسانه .. وهو خفيف الظل .. ويسلي .. وقد زرع الله في قلبه حب سيدته،فأخفى ذلك الحب .. فلو أنه علمت بذلك .. لرفضت حريته!! وإن علم"سيده" .. ستتحطم شخصيته}
ما يلفت النظر،في هذا"لغنا" تداخل مفردة "حرطاني" – واستعمالها الشائع،لحر سبق عليه الرق – مع الحديث عن"التحرير" : تاب عن حريتي .. ولا ندري لماذا ترفض،سيدته"مسومة" حريته!!
من اللافت أيضا قوله : جاحدها عنها .. وهذا يفتح بابا كبيرا يطل على مأساة – هل هي كذلك؟! – بعض الرقيق،طالما أننا نعلم أنهم بشر من لحم ودم .. ولهم مشاعر ..
وجدتُ أيضا من جعل"محمود مسمومة" أقرب إلى الـ "أسطورة" فقال،بعد سرد قصة العشق تلك:
(عموما تبقى قصة اعبيد المسومة قصة من التراث الشعبي لا يمكن الجزم على صحتها أو تحديد الإطار الزمكاني ){ رابط المقالة : http://plageblanche.msnyou.com/t484-topic}
هنا لم يُذكر أن الشاعر اسمه"محمود" وأورد له :
عراض مول خد امزعفر فاللون مكط ادناست
اتجيك فالمشي اتقصر اتكول غاست ما غاست
{صاحبة الخد "المزعفر" .. تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل .. كما قال الأعشى عن "هريرة"}
وأورد له كذلك قوله :
يا الهيه من لهو اللاهي من ليلة البرد السافي
امبات فحضنها دافي وساتي من ذرعتها
وابات دغمي واشافي من تحت صرع اكلادتها)

لاشك أن هذا "الغزل"المكشوف .. ذكرني مباشرة بسُحيم،عبد بني الحسحاس .. وقصيدته الطويلة ..
عميرة ودع إن تجهزت غازيا كفى الشيب والإسلام للمرئ ناهيا
جنونا بها فيما اعتشرنا علالة علاقة حب مستسرا وباديا
وبتنا وسادانا إلى عَلَجَانة وحقف تهاداه الرياح تهاديا
توسدني كفا وتثني بمعصم عليّ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إلى آخر القصيدة الطويلة جدا ..
بالكاد أحفظ مطلع القصيدة،لذلك بحثت عنها في "النت" فوجدتها .. ووجدتُ أيضا هذا التعليق،أو هذه المقارنة بين "سُحيم"و"محمود" :
(قصة سحيم عبد بني الحسحاس تتماهى مع قصة عبد مسومه عندنا في المخيال الشعبي ولاندري صحتها إلا أن قصة " سحيم عبد بني الحسحاس"الذي قتلته قبيلته حرقاً بالنار، لتغزّله في نساء العشيرة. وكان ذلك قرابة سنة 35للهجرة قصة حقيقية دراماتيكية،تحمل في طياتها ثنائية الحب ،والموت، والعبودية والحرية، والانتقام المتبادل:
انتقام العبد من القبيلة التي ينتسب اليها بعشق نسائها، والوصال معهن، وصالاً جسدياً ومعنوياً يرمي الى إشباع الشغف والانتقام للحرية في آن
وانتقام القبيلة من عبدها الخارج عليها في أعز ما تملك من إرثها (العرض المتمثل بالنساء) بقتله حرقاً بالنار.)
لست من هواة الحديث عن "المسكوت عنه"فضلا عن الرقص على أشلائه .. وقد مللت قراءة هذه اللازمة "المسكوت عنه في ثقافتنا" – ولا تكاد ثقافة تخلو من"مسكوتٍ عنه" لسبب أو آخر – قد يكون لـ"السكوت"ما يبرره شرعا .. لذلك سأقلب وجه العملة ،وأقول انني عجبت لسكوت الخيال الأدبي .. وهو واسع جدا ... عن مثل هذه القضية التي أشار إليها الكاتب،الذي قارن بين "سُحيم"و"محمود".. ولا أعتقد أنني قرأت شيئا عن تلك"القضية" .. خلا "طرفة" شنقيطية .. لا تصلح للرواية .. ولا حتى إلى التلميح لها .. وكذلك قول "ابنة الخس" حين سُئلن عن ما"جنت"مع "عبدها" .. فردت :
قُربُ الوِساد،وطول السِّواد "أي المُساراة.
وثالثة "الأثافي"قصة وردت في "ألف ليلة وليلة" ،عن اجتماع نفر من قطاع الطرق،وأخذوا يتسلون بسرد سبب انحرافهم .. فقال أحدهم أن سبب ذلك أن"جنى"جناية مع ابنة سيده ..ثم فر خوفا من القتل.
أعود إلى قصيدة،وقصة "سُحيم" .. وأتعجب من جزم صاحب "التعليق" بأن قصة"سُحيم"قصة واقعية،عكس "محمود"،فإن كان "الأول شخصية معروفة فإن بقية القصة،من قصص الأدب .. صاحب الخيال شديد الاتساع .. ولعلي قرأت – في مكان ما – أنه قُتل بطريقة أخرى،هي تركه"ينزف"حتى مات .. وأنه هجا قاتليه،وهو في تلك الحالة .. ولقد تركت فتاتكم .. إلخ
وقد ذكر محقق ديوان "سُحيم"أن هذه القصيدة الشهيرة أضيف لها الكثير،مما شاكلها ..
وقد وجدت فيها :
ألا يا طبيب الجن بالله داوني فإن طبيب الإنس أعياه دائيا
وهذا البيت،فيما أحسب،للمجنون .. كما قيل أن "سُحيمأ" أنشد سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - قصيدته هذه،وأنه قال له :
لو قدمت الإسلام على الشيب .. لأجزتك.
على كل حال .. من الصعب الجزم بدقة قصص التراث .. وجعل قصة"محمود"مجرد"فلكلور" لا يمكن التأكد من صحته .. وقصة قتل"سُحيم"قصة واقعية "دراماتيكية" ... حتى ون أشبعت "نهمنا"في القبض على"المسكوت عنه في ثقافتنا"!!