قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الكفالة:

حدثنا أبو عاصم في يزيد بن أبى عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي جنازة

ليصلي عليها فقال: "هل عليه من دَينٌ؟" قالوا: لا، "فصلى عليه "ثم أتي بجنازة أخرى فقال "هل عليه من

دين؟ "قالوا: نعم. قال: "فصلوا على صاحبكم"، قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، "فصلى عليه".
المبحث الأول, التخريج:


انفرد البخاري عن مسلم بإخراج هذا الحديث، وقد أورده في موضعين أحدهما هذا في باب: من تكفل عن ميت دينا

فليس له أن يرجع. والثاني في كتاب الحوالة في باب: إذا أحال دين الميت على رجل جاز، ولفظه: حدثنا المكي بن

إبراهيم حدثنا يزيد بن أبى عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم

إذ أتي بجنازة فقالوا: صل عليها، فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا، قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي

بجنازة أخرى، فقالوا يا رسول الله صل عليها فقال: هل عليه دين؟ قيل: نعم، قال: فهل ترك شيئاً، قالوا: ثلاثة دنانير

فصلى عليها، ثم أتي بالثالثة، فقالوا: صل عليها، قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: فهل عليه دين، قالوا: ثلاثة

دنانير، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صل. عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه".

ورواه النسائي في سننه ولفظه: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة، فقالوا: يا نبي الله صل عليها، قال: هل

ترك عليه دينا، قالوا: نعم، قال: هل ترك من شيء، قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، قال رجل من الأنصار يقال له


أبو قتادة: صل عليه وعلي دينه، فصلى عليه"، ورواه الترمذي والنسائي عن أبى قتادة رضي الله عنه بإسناد واحد

واللفظ عند النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل من الأنصار ليصلى عليه فقال النبي صلى الله عليه

وسلم: صلوا على صاحبكم فان عليه دينا، قال أبو قتادة هو علي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بالوفاء؟، قال:

بالوفاء، فصلى عليه، ورواه أبو داود والنسائي عن جابر رضي الله عنه ولفظه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا

يصلى على رجل مات وعليه دين فأتى بميت، فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران، قال: صلوا على صاحبكم، فقال

أبو قتادة الأنصاري؟ هما على يا رسول الله"، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فتح الله على

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا فعلى وفاؤه ومن ترك مالا

فلورثته". وروى أبو هريرة رضي الله عنه نحوا من حديث جابر هذا أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي، وأورد

المنذري في الترغيب والترهيب حديث جابر رضي الله عنه بلفظ أطول من هذا، وقال: رواه أحمد بإسناد حسن

والحاكم والدارقطني، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه باختصار.

وقال فيه الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار وإسناده حسن،

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: وعن أسماء بنت يزيد قالت "دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة رجل

من الأنصار، فلما وضع السرير تقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه ثم التفت، فقال: "على صاحبكم

دين؟" قالوا: نعم يا رسول الله، ديناران، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: أنا بدينه يا نبي الله فصلى

عليه"، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد:

الأول: شيخ البخاري أبو عاصم وهو كما قال الحافظ في تقريب التهذيب. الضحاك بن مخلد بن مسلم الشيباني أبو

عاصم النبيل البصري ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة أو بعدها أي بعد المائتين. وقال بضع وأربعين أي

مائة ورمز لكونه من رجال الجماعة.

الثالث: صحابي الحديث سلمة بن الأكوع وهو سلمة بن عمرو بن الأكوع واسم الأكوع سنان الأسلمى، قال الحافظ

في تهذيب التهذيب: أبو مسلم ويقال: أبو إياس ويقال: أبو عامر وقال: شهد بيعة الرضوان روى عن النبي صلى

الله عليه وسلم وعن أبى بكر وعمر وعثمان وطلحة وعنه ابنه إياس ومولاه يزيد بن أبى عبيد وأناس آخرون سماهم

ثم قال: كان شجاعا راميا، ويقال: كان يسبق الفرس شدا على قدميه، وقال الخزرجى في الخلاصة: له سبعة وسبعون

حديثا اتفقا على ستة عشر وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بتسعة. وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن له عند

البخاري عشرين حديثا انتهى. وكانت وفاته سنة أربع وسبعين، وقد خرج حديثه الجماعة.
المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث:

1- رجال الإسناد الثلاثة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم.

2- في سند الحديث رجل اشتهر بكنيته ولقبه وهو شيخ البخاري أبو عاصم النبيل فان اسمه الضحاك بن مخلد.

3- في سند الحديث رجل روى عنه راو متقدم وراو متأخر، وهو أبو عاصم النبيل قال الخطيب: روى عنه جرير بن

حازم ومحمد بن حبان وبين وفاتيهما مائة وإحدى وثلاثون سنة انتهى. وذلك من شواهد النوع المعروف في

المصطلح بالسابق واللاحق وهو أن يشترك اثنان في الرواية عن شيخ أحدهما فوق الشيخ المروى عنه في المرتبة

مع تباعد ما بين وفاتيهما أي الراويين عن الشيخ.

4- في هذا الإسناد مولى من أعلى وهو سلمى بن الأكوع رضي الله عنه، ومولى من أسفل وهو يزيد بن أبى عبيد.

5- ومن اللطائف في رجال الإسناد أن أبا عاصم النبيل قد ولدته أمه وسنها اثنتا عشرة سنة كما تقدمت الإشارة إلى

ذلك فيما نقله المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين عن عمرو بن على.

6- ذكر الحافظ ابن حجر أنه لم يقف على تسمية صاحب الجنازة الأول والثاني وهو من مبهمات المتن.

7- حديث أبى عاصم النبيل هذا وحديث مكي بن إبراهيم المذكور في التخريج من ثلاثيات صحيح البخاري والإسناد

الثلاثي أعلى ما يكون عند البخاري فان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أشخاص فقط: صحابي

وتابعي وتابع تابعي، وقد حصل العلو في إسناد هذا الحديث. لأن وفاة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه كانت سنة

أربع وسبعون، وقد عاش مولاه يزيد بن أبى عبيد الذي روى الحديث عنه بعده نحوا من سبعين سنة إذ كانت وفاته

سنة بضع وأربعين ومائة، وعاش أبو عاصم النبيل الذي روى الحديث عن يزيد ابن أبى عبيد بعده أكثر من ستين

سنة حيث كانت وفاته سنة اثنتي عشرة بعد المائتين.
فوائد تتعلق بالثلاثيات

الأولى: الإسناد الثلاثي إسناد عال، والعلو في الإسناد مرغوب فيه عند المحدثين لكونه أقرب إلى الصحة وقلة

الخطأ، لأنه ما من راو من رجال السند إلا والخطأ جائز عليه، فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان تجويز

الخطأ، وكلما قلت قلت، ومن أجل ذلك لم يرو البخاري عن الشافعي من طريق أصحابه الذين لقي الكثير منهم لأنه

عاصر كثيرا من أقران الشافعي فروى عنهم مباشرة ما شاركهم الشافعي في روايته رغبة منه في علو الإسناد. وإن

كان قد ذكر الشافعي في موضعين من صحيحه في باب: وفي الركاز الخمس، وفي باب: تفسير العرايا كما أشار إلى

ذلك ابن السبكي في ترجمة البخاري من كتابه طبقات الشافعية الكبرى.

الثانية: عدد الأحاديث الثلاثية في صحيح البخاري اثنان وعشرون حديثا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في

شرح حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه مرفوعا: من يقل على ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. قال: وهذا

الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري وليس فيه أعلى من الثلاثيات. وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثا انتهى.

وقال في كشف الظنون: ووقع له اثنان وعشرون حديثا ثلاثيات الإسناد، وقال المباركفوري في مقدمة تحفة

الأحوذي: وأما في صحيح البخاري فاثنان وعشرون ثلاثيا قد أفردها العلماء بالتأليف كعلي القاري الهروي وغيره

انتهى. وهذه العدة إنما هي بالأحاديث المكررة وبإسقاط التكرار تكون ستة عشر حديثا وقد طبعت ثلاثيات البخاري

مفردة ومشروحة.

الثالثة: عدد الصحابة الذي روى البخاري من طريقهم الأحاديث الثلاثية ثلاثة الأول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه

له منها سبعة عشر حديثا، والثاني أنس بن مالك رضي الله عنه له منها أربعة أحاديث، والثالث عبد الله ابن بسر

رضي الله عنه، له منها حديث واحد أما شيوخه الذين روى عنهم هذه الثلاثيات فعدتهم خمسة وهم: مكي بن إبراهيم

وأبو عاصم النبيل وعصام بن خالد ومحمد بن عبد الله الأنصاري وخلاد بن يحي وهم من أتباع التابعين. وأما شيوخ

شيوخه فيها فعدتهم أربعة وهم يزيد بن أبى عبيد وحميد الطويل وحريز بن عثمان وعيسى بن طهمان وهم من

التابعين.

الرابعة: (1) في جامع الترمذي ثلاثي واحد أورده في كتاب الفتن فقال: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ابن ابنة

السدي الكوفي حدثنا عمر ابن شاكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي

على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر هذا حديث غريب من هذا الوجه انتهى. قال

المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي: اعلم أنه ليس في جامع الترمذي ثلاثي غير حديث أنس المذكور. وقال:

وليعلم أن بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسناد ثلاثي الترمذي المذكور اثنين وعشرين واسطة

فذكرهم وكانت وفاة المباركفوري سنة 1353هـ رحمه الله، وعمر بن شاكر انفرد الترمذي بإخراج حديثه عن بقية

أصحاب الكتب الستة، وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب إنه ضعيف.

(ب) في سنن ابن ماجه خمسة أحاديث ثلاثيات الإسناد كلها من طريق جبارة بن المغلس عن كثير بن سليم عن أنس

رضي الله عنه ثلاثة منها في كتاب الأطعمة، وفي كتاب الزهد واحد، وواحد في كتاب الطب، وجبارة وكثير انفرد ابن

ماجه عن بقية أصحاب الكتب الستة بإخراج حديثهما، وقال عنهما الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: إنهما

ضعيفان.

(ب) ذكر المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي نقلا عن كتاب الحطة أنه ليس في صحيح مسلم ولا في سنن أبى

داود والنسائي شيء من الأحاديث الثلاثيات الإسناد، فأعلى ما يكون عندهم الأحاديث الرباعيات الإسناد.

(ج) ذكر المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي نقلا عن كتاب الحطة أنه ليس في صحيح مسلم ولا في سنن أبي

داود والنسائي شيء من الأحاديث الثلاثيات الإسناد, فأعلى ما يكون عندهم الأحاديث الرباعيات الإسناد.


(د) ذكر المباركفوري أيضاً نقلا عن كتاب الحطة أن ثلاثيات الدارمي أكثر من ثلاثيات البخاري، وقال صاحب كشف

الظنون: ثلاثيات الدارمي هي خمسة عشر حديثا وقعت في مسنده بسنده.

(هـ) ثلاثيات مسند الإمام أحمد عددها واحد وثلاثون وثلاثمائة قد أفردت من المسند وشرحها الشيخ محمد السفاريني

شرحا نفيسا في مجلدين كبيرين.

(و) ثلاثيات مسند عبد بن حميد عددها واحد وخمسون حديثا1.

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
1 تنبيه: الحديث الثلاثي عند الترمذي، والخمسة عند ابن ماجه، وثلاثيات الدارمي وعددها خمسة عشر حديثا،

وثلاثيات عبد بن حميد وعددها واحد وخمسون توجد مخطوطة بخط جميل ضمن مجموعة (رقم 44) مجاميع في

مكتبة عارف حكمت في المدينة المنورة.
المبحث الرابع: شرح الحديث:


1- أورد البخاري الحديث في كتاب الكفالة في باب: من تكفل عن ميت ذينا فليس له أن يرجع. ووجه مطابقة الحديث

للترجمة كما ذكر الحافظ في فتح الباري: أنه لو كان لأبى قتادة أن يرجع عن الكفالة لما صلى النبي صلى الله عليه

وسلم على الرجل المدين حتى يوفي أبو قتادة الدين، لاحتمال أن يرجع فيكون النبي ع!مم صلى على مدين دينه باق

عليه، فدل على أنه ليس له أن يرجع، وأورده أيضاً في كتاب الحوالة من طريق مكي بن إبراهيم في باب: إذا أحال

دين الميت على رجل جاز، ووجهه كما نقل الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنه قال: إنما ترجم بالحوالة فقال: إن

احال دين الميت. ثم أدخل حديث سلمة وهو في الضمان لأن الحوالة والضمان عند بعض العلماء متقاربان، وإليه

ذهب أبو ثور لأنهما ينتظمان في كون كل منهما نقل ذمة رجل إلى ذمة رجل آخر، والضمان في هذا الحديث نقل ما

في ذمة الميت إلى ذمة الضامن فصار كالحوالة سواء.

2- قوله: إذ أتي بجنازة. قال في القاموس: الجنازة الميت ويفتح، أو بالكسر الميت وبالفتح السرير أو عكسه،

وبالكسر السرير مع الميت انتهى. وقد أعيد الضمير مؤنثا في قوله: ليصلى عليها. باعتبار لفظ الجنازة وهو مؤنث،

ومذكرا في قوله: هل عليه من دين ة باعتبار المعنى وهو الميت، وقد زيدت "من " قبل المبتدأ المنكر في قوله: هل

عليه من دين لتأكيد إفادة العموم في جنس الدين، أي هل عليه دين، أيّ دين كان، قليلا كان أو كثيراً.

3- اشتمل هذا الحديث على ذكر جنازتين: سليم من الدين صلى عليه ومدين أراد ترك الصلاة عليه لو لم يتحمل عنه

دينه، وقد ذكر جنازة ثالثة في طريق مكي بن إبراهيم المذكور في التخريج وهو من عليه دين وترك وفاء له وقد

صلى عليه.

4- لم يبين في الحديث قدر الدين وقد بين في طريق مكي بن إبراهيم بأنه ثلاثة دنانير قال الحافظ في الفتح: وفي

حديث جابر عند الحاكم ديناران، وأخرجه أبو داود من وجه آخر عن جابر نحوه، وكذلك أخرجه الطبراني من حديث

أسماء بنت يزيد يجمع بينهما بأنه كان دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران ألغاه أو كان

أصلهما ثلاثة فوفي قبل موته دينارا وبقى عليه ديناران، فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل، ومن قال ديناران فباعتبار

ما بقي من الدين والأول أليق. ووقع عند ابن ماجه من طريق أبى قتادة. ثمانية عشر درهما، وهذا دون دينارين،

وفي مختصر المزني من حديت أبى سعيد الخدري درهمين يجمع إن ثبت بالتعدد. ورجح الشوكاني في نيل الأوطار

القول بتعدد القصة مطلقا. وقال الحافظ في الفتح أيضاً: وقد وقعت هذه القصة مرة أخرى. فروى الدارقطني من

حديث عليّ "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ويسأل عن دينه

فان قيل عليه دين كف وإن قيل ليس عليه دين صلى، فأتى بجنازة، فلما قام ليكبر سأل هل عليه دين؟ فقالوا ديناران

فعدل عنه فقال عليّ: هما علي يا رسول الله وهو بريء منهما فصلى عليه، ثم قال لعلى: "جزاك الله خيراً وفك الله

رهانك"، الحديث.

5- لم يبين في هذا الحديث سبب السؤال عن الميت هل عليه دين وقد بين ذلك في حديث أبى هريرة رضي الله عنه

عند الشيخين قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه

وفاء فان حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى وإلاّ قال للمسلمين صلوا على صاحبكم فلمافتح الله عليه الفتوح قال: "أنا

أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته".

6- قال الحافظ في الفتح: قال العلماء كأن الذي فعله رسول الله- صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة على من

عليه دين ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله

عليه وسلم ، وهل كانت صلاته على من عليه دين محرمة عليه أو جائزة؟ وجهان. قال النووي: الصواب الجزم

بجوازه مع وجود الضامن كما في حديث مسلم وحكى القرطبي أنه ربما كان يمتنع من الصلاة على من استدان دينا

غير جائز وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع وفيه نظر لأن في حديث الباب- يعنى حديث أبى هريرة- ما

يدل على التعميم حيث قال: من توفي وعليه دين ولو كان الحال مختلفا لبينه، ثم أورد حديثا عن ابن عباس فيه

التفصيل بين التحمل في البغي والإسراف والتحمل في الحاجة وقال وهو ضعيف وقال: قال القرطبي بعد أن أخرجه:

لا بأس به في المتابعات، وقال: وليس فيه أن التفصيل المذكور كان مستمرا وإنما فيه أنه طرأ بعد ذلك وأنه السبب

في قوله: من ترك دينا فعلى، وقال الشوكاني في نيل الأوطار، قال ابن بطال: هذا يعنى من ترك دينا فعلى. ناسخ

لترك الصلاة على من مات وعليه دين، وقد حكى القرطبي إجماع الأمة على ذلك.

7- أبو قتادة الذي تحمل الدين في الحديث: هو الحارث ويقال عمرو ويقال النعمان بن ربعي الأنصاري السلمي

بفتحتين المدني، شهد أحدا وما بعدها ولم يصح شهوده يدرآ، ومات سنة أربع وحسين وقيل سنة ثمان وثلاثين

والأول أصح وأشهر، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في التقريب ورمز لكون حديثه مخرجا في الكتب الستة.

8- هم الرسول صلى الله عليه وسلم بترك الصلاة على من عليه الذين، في الحديث حصل فيه فائدتان إحداهما تعود

إلى المتوفى وهي أن أبا قتادة رضي الله عنه رق له فتحمل دينه فبرئت ذمته بذلك، والثانية تعود إلى الأحياء وهي

التحذير من الدين والتحريض على قضائه قبل الموت لئلا تترك الصلاة عليهم.

9- صلاة الجنازة من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، والمتوفى. أحوج ما يكون إلى ذلك الحق فجدير بالمسلم

أن يحرص على بذل هذا الحق لإخوانه المسلمين لأنه يحب ذلك لنفسه وقد قال صلى الله عليه وسلم: ومن أحب أن

يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلأته منيته وهو يؤمن بالته واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه

ولما في ذلك من الفائدة للمتوفى وللمصلى، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صلى على

الجنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراط يا رسول الله؟ قال: مثل جبل احد.

10- من فقه الحديث وما يستنبط منه:

1- وجوب صلاة الجنازة وهي من حق المسلم على أخيه المسلم لقوله: فصلوا على صاحبكم.

2- أن صلاة الجنازة فرض كفاية حيث أراد النبي صلى الله عليه وسلم التخلي عنها لو لم يتحمل الذين عن الميت.

3- أنه ينبغي لذوى الميت الاهتمام بشهود أهل الفضل والصلاح الصلاة على ميتهم.

4- سؤال الإمام عن أحوال الرعية.

5- مشروعية الضمان.

6- جواز تحمل الدين عن الميت.

7- براءة ذمة الميت بأداء غيره ما وجب عليه.

8- التنفير من الدين والتحذير من تعاطيه إلا مع الضرورة.

9- حث المدينين على قضاء ديونهم، وتحريضهم على المبادرة إلى التخلص من تبعتها.

10- الاكتفاء في لزوم الضمان على الضامن بمجرد التزامه وإن تأخر الأداء.

11- أن الضامن ليس له الرجوع عن التزامه ما تكفل به.

12- أن تفويت الإنسان على الناس حقوقهم قد يكون سببا في تفويت حقه عليه.

13- أن درأ المفاسد العامة مقدم على جلب المصالح الخاصة.

14- أن الجزاء من جنس العمل وأنه كما يدين الإنسان يدان.

15- أنه ليس للضامن الرجوع في مال الميت إن ظهر أن له مالا.

16- بيان ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الأخلاق الفاضلة: من الرأفة والشفقة والرحمة بعضهم

لبعض، فتحمل أبى قتادة رضي الله عنه الدين مثال واقعي لما وصفهم الله به في قوله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.

17- تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=299