كي لا تصبح بعض الإنجازات أوهام شعبوية/ مصطفى إبراهيم
29/12/2016


قرار مجلس الأمن ٢٣٣٤ الذي جرم الاستيطان وأدانه إنجاز مهم وهو إنتصار معنوي وسياسي إضافي للفلسطينيين في مسيرة نضالهم ومعركتهم الدبلوماسية والقانونية التي لم تبدأ بعد بشكلها الحقيقي وبحاجة إلى وقت ومزيد من الجهد والمثابرة، كما أن بعض ما جاء في خطاب وزير الخارجية الامريكية المغادر الحلبة السياسية جون كيري له تأثير معنوي على مستوى الرأي العام العالمي والمهم البناء عليها وقد يشجع آخرين على الحديث والوقوف في وجه إسرائيل والمس بشرعيتها وعزلتها.
مع أن كيري في تعليقه على إمتناع إدارته التصويت على فيتو ضد قرار مجلس الامن قال: “كان لدى الولايات المتحدة هدف واحد ووحيد، هو الحفاظ على إمكانية التوصل إلى حل الدولتين، باعتبار أنه الطريق الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية”. ربما لو أن ما جاء في خطاب كيري كان في بداية ولايته كان لما جاء في خطابه أهمية اكبر. والاهم كيف توظيف القرار وإستثماره في معركة الحرية المتعددة الجوانب ووسائل النضال المختلفة، لمواجهة الاحتلال وتحدي الجنون والغطرسة الاسرائيلية، بعيدا عن الشعارات الشعبوية والإنتصارات قصيرة المدى التي تدغدغ عواطف الجماهير وهم ليسوا جزء من المعركة ومهنتهم الانتظار.

والخشية أن تنسى الناس الإنجازات بفعل الزمن والخوف من إستثمارها، خاصة اذا ما استمر ذات النهج الذي تمثله القيادة والتفرد وعدم قدرتها على العمل بروح الجماعة الوطنية والمطلوب منها بذل أقصى جهد في توحيد الكل الفلسطيني. شخصيًا، غير مقتنع بأن القيادة تستطيع فعل ذلك برغم الأداء الجيد في مباراة الأمم المتحدة وأمتعت الناس وتحقيق هدف إضافي، غير أننا بحاجة إلى تجميع نقاط كثيرة كي تزيد من رصيدنا للتتويج وصولا للنهاية، صحيح أن المعركة طويلة وشاقة وهذا بحاجة إلى جهد ووقت وتعب ودفع أثمان، غير أن المهم هي النتيجة النهائية خاصة أن القضية الفلسطينية طال الزمن فيها لتحقيق العدالة مع عدو جائر ومتغطرس ويمتلك جنون وفائض القوة وعنصري وفاشي وقمعي، وغير إنساني، ويلعب على تسريع الزمن ومستمر في فرض وقائع جديدة، وموازين القوى تعمل لصالحه في عالم المصالح لا يُؤْمِن الا بالقوة وغير عادل وليس منصفاً، ورئيس أمريكي قادم شعبوي وعنصري.
إسرائيل جن جنونها ويقولون ان القرار بدون أسنان وهو مجرد توصية وغير ملزم حيث أنه جاء تحت البند السادس، وبرغم ذلك بدا الغضب الشديد والجنون يسيطر على الجميع ووصفوا اوباما بالفاشل وانه اتخذ قرار شخصي ضد إسرائيل، ونتنياهو قال لن تلتزم بالقرار، ووصف القرار بـالحقير، ويحاول بعض القانونيين في إسرائيل التقليل من أهمية القرار ونسوا أن أوباما عقد اكبر صفقة في تاريخ العلاقة مع اسرائيل بقيمة ٣٨ مليار دولار.
القرار الذي يجرم الاستيطان يؤكد على أن الولايات المتحدة الامريكية اكبر قوة عظمى في العالم هي المسؤولة عن مآساة شعبنا وعندما قررت ان تمتنع عن إستخدام حق النقض، فيتو، فعلتها، ولم يكن ذلك نابع من خطوة أخلاقية أو الإنتصار لقيم العدالة والديمقراطية والحريّة التي ترفعها أمريكا، من أوباما أو لأنه أراد أن ينتقم من نتنياهو فقط، فأوباما كان بإمكانه أن ينصف الفلسطينيين ويضع إسرائيل في مكانها الطبيعي خلال سنوات حكمه السابقة، غير أن الحرص على إسرائيل ومستقبلها هو الدافع خلف إتخاذ القرار.
وعليه يجب أن لا نعتبر هذا نهاية المطاف وهي خطوة ويجب التعامل مع القرار بواقعية كبيرة، ولا يجب ان نتوقع في القريب العاجل ان يفرض المجتمع الدولي رقابة دولية على المستوطنات أو عقوبات على إسرائيل التي ربما ستعظم من الإستيطان أو تتخذ قرارا مجنون بحجم جنون الغضب الذي يسيطر على الجميع في إسرائيل بضم الكتل الإستيطانية إلى إسرائيل بعض المناطق كما صرح رئيس البيت اليهودي نفتالي بينيت، خاصة وأنهم يتسلحون بدعم ترامب المطلق.
وبرغم ان القرار غير ملزم وهو توصية الا أن على الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير فصلي كل ٣ شهور عن الاستيطان الإسرائيلي وهذا امر إيجابي ويضع قضية الاستيطان على جدول اعمال مجلس الأمن والمجتمع الدولي.
المعركة لم تنتهي والقادم مع ترامب ليس سهل فهو يتوعد ويهدد وغير مضمون في قراراته وفِي ظل غياب حاضنة عربية وأتمنى أن يتم ترميم العلاقات العربية برغم حالها وأحوالها، والأهم البناء على القرار بتوحيد الجهود وإنهاء الانقسام، وبناء إستراتيجية وطنية وإستعادة الوحدة وملاحقة إسرائيل على جرائمها الإستيطانية وحصارها لقطاع غزة وجرائم القتل اليومية.
وان لا يكون القرار هو للمناورة والعودة للمفاوضات، أو الإستجابة لطلب الإدارة الأمريكية الجديدة كما حدث في مرات سابقة مع وعد بوش وعهد أوباما. وعليه يجب بذل جهود كبيرة للعمل ضمن خطة وطنية وإستراتيجية كفاحية لمواجهة الإحتلال لتحقيق الحرية والعدالة.
ومن أجل تقريب الوقت وصولا للإنتصار الكبير هذا بحاجة إلى بذل الجهد وحفر بالصخر وفتح نقاش وحوار وطني يشارك فيه الكل الوطني بتياراته السياسية المختلفة والبناء على ما تم التوصل إليه والعمل من خلال أننا حركة تحرر وطني، ووفاءً لدماء الشهداء والأسرى الذين دفعوا عمرهم وهم ينتظرون الحرية.