أصدقائي :
كل الناس لديهم مشاعر ، وكل الناس يتمنون أن يعبروا للآخرين عما يشعرون به حيالهم ، لكن قلة فقط هم أولائك الذين يعرفون كيف يعبرون عن الوله الشديد ويتحدثون عن الحب العميق يوصلون الفكرة . . .
هذا ماكان بين الشاعر أحمد رامي وأم كلثوم .
تكرمت علي صحيفة الوطن اليوم الأربعاء 23 / 11 / 2016 بنشر مقالي ( أحمد رامي خمسون عاماً من العشق المضني والعذاب المستمر ) . . .
أرجو أن يروق لكم .
أنشره هنا كاملاً مع الرابط .
ــــــــــــــــــــــ
أحمد رامي
خمسون عاماً من العشق المضني والعذاب المستمر
الشاعر أحمد رامي شاعر مصري من أصل تركي 1892 في حي السيدة زينب بالقاهرة ، درس في مدرسة المعلمين وتخرج منها عام 1914 سافر إلى باريس في بعثة من أجل تعلم نظم الوثائق . . .
ثم عاد إلى مصر وتوفي في 5 / 7 / 1981 .
ولُقِّب رامي بـ شاعر الشباب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل الناس لديهم مشاعر ، وكل الناس يتمنون أن يعبروا للآخرين عما يشعرون به حيالهم ، لكن قلة فقط هم أولائك الذين يعرفون كيف يعبرون عن الوله الشديد ويتحدثون عن الحب العميق يوصلون الفكرة . . .
وقد كان أحمد رامي على رأس أولائك القلة ، فقد كانت سعادته الحقيقية تكمن في نجاحه في إيصال الفكرة .
كان الشاعر أحمد رامي الذي يعشق أم كلثوم عشقاً حقيقياً متهالكاً . . . وقد عانى كثيراً من عشقه الجارم لها وولعه العارم بها الذي استمر مدة خمسين عاماً .
وإني أشبهه وهو في هذا الموقف لمدة خمسين عاماً بعصفور الكنار الحبيس في القفص ، وأشبِّه أغانيه وشعره بالتغريد الذي يقدمه ذلك العصفور . . . ذلك أن تغريد الكنار في القفص إنما هو نداء للأنثى ، ونحن نستمع إلى هذا التغريد ونطرب ، ولو أننا عرفنا ما هو سر هذا التغريد وأشفقنا على هذا الكنار وأحضرنا له الأنثى ووضعناها أمامه في القفص ، لجفِل هذا الكنار وتسمَّر وتوقف عن التغريد . . . فقد استجابت ( الأنثى ) لطلبه وحضرت إليه .
وهكذا كان أحمد رامي يغرد منادياً على أم كلثوم ، لكنها كانت أذكى من أن تحضر إليه ، فكانت هي لا تمنحه متعة التآلف والتفاهم والمشاركة إلا بقدر ضئيل جداً ، فقط ليبقى يعيش على الأمل . . . مما جعل علاقته بها متأرجحة بين العشق الشديد تارة وبين الكره البغيض تارة أخرى لكنه بقي خمسين عاماً لا يملّ من مراسلتها ومناجاتها ومسامرتها والتودد إليها . . .
كانت أم كلثوم سيدة العشق وأم الشوق والهوى إلا أنها كانت مع أحمد رامي تتغابى معه في العشق ، وتبتعد عنه لكي يستمر هو في الشدو .
من هنا فقد كانت عبارات رامي منبعاً ثرَّاً من منابع الوله والولع والهوى ، وكانت كلماته بمثابة كنز ضخم نهلت منه كوكب الشرق أم كلثوم الكثير من القصائد العظيمة التي شدَت بها بصوتها القوي المعبر .
ولو كانت أم كلثوم قد أظهرت لأحمد رامي الود والصفاء ، وسارت معه على التفاهم والانسجام لما كنا قد رأينا إبداعات أحمد رامي العظيمة .
مائة وسبعة وثلاثون أغنية ، كتبها أحمد رامي لـ كوكب الشرق ، لم يتقاض مليماً واحداً ؛ لأن الأغنية عنده قطعة من نفسه وروحه وخياله ، يهذّب معانيها وألفاظها ، فلم يشأ أن يسري عليها نظام العرض والطلب .
قالت له أم كلثوم مرة : أنت مجنون لأنك لا تأخذ ثمن أغانيك .
قال لها : " نعم ، أنا مجنون بُحبِك ، والمجانين لا يتقاضون ثمن جنونهم ، هل سمعتِ أن قيساً قد أخذ من ليلى ثمن أشعاره التي تغنّى بها " .
وإن خير مثال على تلك الرسائل هو أغنية ( عودت عيني على رؤياك ) ؛ تلك الرسالة التي أرسلها لها في لحظة من لحظات عشقه .
ومنها يقول :
عـــــــودت عــــــــيني علــــى رؤياك
أشوف هنـــــــــــــــــا عينـــــــــــــي
وألقى نعيم قلبي
وإن مرّ يوم من غير رؤياك
وقلبي ســــــــــــــــــــلم لك أمـــــــري
فـــــــي نظرتـــــــــــك لــــــــــــي
يـــــــــوم ما التـقيـــــــــــــك جنـــــــــــــــــــــــبي
مـــــــــــا ينحســــــــبــــــش من عمري
ويؤكد أحمد رامي أن أم كلثوم إن هي وافقت على وصاله فإن قلبه سوف ينعم بحب عارم يملأ عليه حياته ويجعله لا يكره أحداً ، بل إنه سيرى الدنيا كلها ملأى بالحب ، يقول :
ويوم ما تسعدني بقربك
ويفيض علي نور حبك
ألاقي كل الناس أحباب
أقول ما فيش في الحب عذاب
كانت تحبه حب المصلحة ، فهو شاعر لا يباريه أحد في كلماته ، واعترفت أم كلثوم وقالت : أحب في رامي الشاعر وليس الرجل ، وجرحه ذلك ، فكتب لها أغنية يللي كان يشجيك أنيني ، يقول فيها :
ياللى كان يشجيك أنينى كل ماأشكى لك أسايا
كان منايا يطول حنيني للبكا وانت معايا
حرمتنى من نار حبك وأنا حرمتك من دمعى
ياما شكيت وارتاح قلبك ايام ماكنت أبكى وانعى
عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك
وتجيب خضوعى منين ولوعتى فى هواك
وأحمد رامي هو الذي كتب لأم كلثوم أغنية 0 حيرت قلبي معاك ، والتي يقول فيها :
حافضل أحبك من غير ما اقلك
إيه يللي حير أفكاري
لحد قلبك ما يوم يدلك
على هواي المداري
وحين كانت أم كلثوم تخاصمه وتهجره كان يقول كلاماً أعظم وأعمق من كلامه الذي يقوله في الوصال ، فحين خاصمته أم كلثوم ألَّف أغنية ( يا ظالمني ) ، وفيها يقول :
أطاوع في هواك قلبي وأنسى الكل علشانك
وأذوق المر في حبي بكاس صدك وهجرانك
ويزداد الجوى بيّا
يبان الدمع في عنيا
وأبات أبكي على حالي
وتفرّح فيّا عُذالي
ولما أشكي تخاصمني
وتغضب لما أقول لك يوم
يا ظالمني
كانت أم كلثوم تعرف كل اليقين أنه يحبها ، ومن العجيب هنا أن أم كلثوم قد أحبت رجلاً آخر وهو الدكتور حسن حفناوي وتزوجته ، فازداد شقاء أحمد رامي وتضاعفت تعاسته ، ويبدو أنها كانت تجد في ذلك متعة ، وربما كان الإذلال في الحب قمة السعادة بالنسبة لأحد الطرفين .
والأعجب من ذلك أنها طلبت من أحمد رامي أن يضع أغنية تقول : ( شايف الدنيا حلوة لأنك فيها ) ، وطبعاً هي موجهة للرجل الذي أحبته وتزوجته ، طبيبها الخاص ، فاستشاط رامي غضبا وقال : أنا شايف الدنيا سودة ، أشجارها بتلطم ، وأرضها بتبكي .
ورفض أن ينظم القصيدة المطلوبة ، وخاصمته أم كلثوم ، وأصرّ رامي ألا يجعل الدنيا تضحك وقلبه يبكي . . .
ولما يئس رامي ووجد أن الزمن فات منه ، وأن الارتباط بأم كلثوم مستحيل ، تزوج إحدى قريباته ، لكنه بقي يستوحي من حبه لأم كلثوم كل أغانيه الجميلة ، وكانت زوجته تعلم أنه يحب أم كلثوم ، واعترف لها بذلك قائلا : أنا أحبها ، وليس ذنبي ، وتأقلمت زوجته مع هذا الحال ، بل وقد كان يضع صورة أم كلثوم في بيته ، وكانوا يقولون لزوجته : إن زوجك يحب أم كلثوم ، وكانت المسكينة ترد بقولها : وأنا أيضاً أحبها .
وعندما توفيت أم كلثوم في 1975 ، دخل أحمد رامي في حالة اكتئاب شديدة ، وكتب أجمل الكلمات وأعذبها في رثائها ، ثم بعدها كسر القلم وهجر الشعر ، وفي حفل تأبيها عام / 1976 / طلبه الرئيس السادات ليشارك في الحفل ، فقال أجمل الكلمات في رثائها ، منها هذان البيتان :
ما جال في خاطري أنّي سأرثـيها
بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها
قد كنتُ أسـمعها تشدو فتُطربني
واليومَ أسـمعني أبكي وأبـكيهــا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدم أحمد رامي لأم كلثوم مائة وعشر أغنية ، منها : على بلد المحبوب 1935كيف مرت على هواك القلوب 1936 افرح يا قلبى 1937النوم يداعب جفون حبيبي 1937فاكر لما كنت جنبى 1939أذكريني 1939يا ليلة العيد 1939ياطول عذابى 1940هلت ليالي القمر 1942غلبت أصالح 1946
• غنى الربيع 1946ياللى كان يشجيك انينى 1949
• سهران لوحدى 1950يا ظالمنى 1951
• أغار من نسمة الجنوب 1954ذكريات 1955
• عودت عينى 1958دليلي احتار 1958
• هجرتك 1959حيرت قلبي معاك 1961
• أقبل الليل 1969جددت حبك ليه 1952
• لقد عرفت أم كلثوم بحسها الداخلي الخفي أن تحقيق المآرب بشكل سريع يوقف التجدد ويحد من التفكير ويجعل الدنيا لا طعم لها .
وهكذا فقد بقيت أم كلثوم تماطل أحمد رامي وتحاوره وتداوره ، تقبل عليه ثم تدبر ، وتظهر أمامه ثم تختفي . . . وبقي أحمد رامي يغرد محاولاً التقرب والتودد حتى اللحظة الأخيرة من حياة ملهمته أم كلثوم التي فجعته بحياتها ، وفجعته بموتها .
فكانت معظم روائعه الشعرية شكوى وحنين وألم .
ما كان أجملها من حياة عاطفية ملأى بالشوق والحب والحنان .
http://alwatan.sy/archives/79590

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي