في الحقيقة قلما تلفت نظري قصة ما وذلك لأننا نتمدد أفقيا فيه


وتكاد تتشابه في مواضيعها عموما والاجتماعية خاصة


ولكن وعبر مجلة المعرفة السورية الغراء ، توقفت عند تلك القصة لأن الكاتب أجاد النداء من خلال نبش التاريخ وتوظيف دلالاته وبناء خط درامي فوقه بلسان الحاضر وكانه استحضر الشخصيات وحملها همومنا الان.


هو يقدم لنا وجبة قصصية من نمط الخيال التاريخي الموظف، ولعل هذا النمط من اسمى وأكثر الانماط جاذبية على الأقل بالنسبة لي، فإن كان هناك كذب تاريخي فلعلها كذبة تاريخية بيضاء يمر من خلالها نداءات بصوت عالٍ ، فقد طرح قضية تشرذمنا بقوة، وقصية عالم الثقافة الخائب، وقضية الانهبار بالغرب بطريقة مخيبة للآمال.


نعرض القصة أولا ونقد إسقاطنا الموضوعي :
**********
لاتقرأ هذا الخبر
قصة نزار مصطفى كحلة[1]
نشرت مدرسة الرقم المسمارية اليومية في بابل بتاريخ السنة الثانية والثلاثون لحكم الملك نبوخذ نصر الثاني .
وعلى رقيم الأخبار الثقافية الخبر التالي:
عاد(سين أدينام آخي) من مختبلاه العلمي، الكائن في شارع المواكب في مدينة بابل.
حيث كانت الأعلام والرايات والأفراح تزين المدينة بسبب انتهاء الأعمال العسكرية.
التي استطاع بوساطتها الملك نبوخذ نصر الثاني إخضاع المناطق كافة التي ثارت على حكمة، وأصبح بإمكان (سين أدينام آخي)
التواصل مع اصدقائه علماء إقليم آسوريا الغربي (سورية)ولاسيما فيما يتعلق بمنجزه العلمي حول التواصل إلى أقصر طريقة ممكنة
لحل معادلة رياضية لوغاريتمية كانت قد استعصت على علماء بابل وأور وأوروك وصور المشهورين.
وأصبح بإمكانه أن ينال جائزة (إشما –با) للعلوم الرياضية التي تمنح كل ثلاثة أعوام لأفضل منجز علمي.
والتي لطالما حلم بها.
وكان من المفترض أن ترتسم على محياه علامات الفرح حين عودته إلى البيت لكن زوجته فوجئت بأن زوجها بائس وحزين فقد دخل إلى غرفته دون أن يقبل أولاده ودون أن يدون بعض الملاحظات العلمية على الرقم الطينية الطرية المعدة مسبقا.
فقد وضع في مكتبته الكبيرة بغض الرقم الجافة التي أحضرها معه من مختبره العلمي ودخل في نوم عميق.
وعند المساء سألته زوجته عن سبب حزنه وغمه فقال لها:
-لقد مررت على مسرح المدينة ، والتقيت بصديقي (نابو نصّر)المخرج المسرحي الذي تعرفينه ، وحدثني هم مسرحيته الجديدة.
وهي من الخيال العلمي ، والمسرحية تتحدث عن أحداث قد تجري بعد نحو (2575 سنة)، فأعجبتني الفكرة وقررت حضور (البروفا) الأولى لها وهنا كانت الطامّة الكبرى فقد كان فحواها:
إن بلادنا ستصبح في ذلك العصر مقسمة إلى خمس دول تقسمها –تصوَّري –خطوط مستقيمة غريبة الشكل ، وقد أصبحنا الأكثر تخلفا ولانستطيع صناعة حتى أتفه الأشياء، فعلى الرغم من أنهم استطاعوا الجلوس في أسطوانات من حديد والطيران بها في السماء ، والجلوس في صناديق صغيرة وبأحجام صغيرة جدا، والتحرك فيها أمام الناس، والتحدث عن بعد بوساطة أسلاك من الحديد لكن لللأسف
تصوَّري –فإن كللا ذلك لم يكن من صناعتهم هم بل من صناعة بلاد أخرى، من جهات العالم الأربع لم نعرفها نحن اليوم.
والغريب في الأمر أنهم وعلى الرغم من عبادتهم لإله واحد فهم يتصارعون باسم الدين ، ونحن الآن نعبد عشرات الآلهة ولانتصارع باسمهم.
تخيلي يا جاشيرا ، أن أحدث هذه المسرحية ، كانت تجري في الوقت الذي اتفقت فيه هذه الدول على شكل الراية (العلم)، لكل منها، وقد عمّت الأفراح هذه الدول، بسبب ذلك فقد اتفقوا على أن يكون لكل دولة رايتها الخاصة بها.
ومن دون شعار مشترك يجمع بينها ولاحتى عبارة واحدة تمثل انتمائهم إلى شعب واحد.
الكارثة بالموضوع أن المسرحية انتهت بشكل مأساوي ، بحرب كبيرة ومدمرة بين أكبر حزبين في هذه الدول وهما :
(حزب نعبد الله وقوفا) و(وحزب نعبد الله جلوسا).
وقد أدت هذه الحرب إلى دمار هذه الدول، المؤسف في المسرحية أنها انتهت ولم تنته هذه الحرب المدمرة.
لذلك أشعر بالغم والحزن على مستقبل أولادنا وأحفادنا ، وكل النتائج العلمية التي نفاخر بها كل أمم الأرض، من أن تتحقق هذه النبوءة العلمية البشعة( الخيال العلمي ) التي رأيتها في المسرحية ...إلهي إلهي مردوك الأعظم..أحمِ هذه البلاد ..
وأدخل الفرحة والتعقل على قلوب وعقول أبنائها، واجعل المحبة بين أبنائها شعارا لهم..إلهي مردوك الكبير:
صن كل ما أنجزناه .ولا تجعل هذه النبوءة تتحقق.
هذا هو نص القصة القصيرة التي فازت بالمرطز الأول في مسابقة أنخيدووانا للأدب ( القصة القصيرة) للسنة الثانية والثلاثون من حكم الملك نبوخذ نصّر الثاني.في بابل.
وقد نالها القاص (سمسو سين رابي) من مدينة سيبار.
وقد كانت الجائزة الأولى عبارة عن ساعة رملية زجاجية لأشهر صانعي الساعات الرملية الزجاجية في جهات العالم الأربع.
وهو : إيلي أدد عناتي) من مدينة صيد ون.
إن أسرة مدرسة الرقم المسمارية اليومية في بابل ، إ ذ تتقدم بالتهنئة والمباركة للفائز(سمسو رابي) وتتعهد بنقش هذه القصة على نفقتها الخاصة وعلى ثلاثة رقم طينية من أجود الرقم وممهورة بخاتم رئيس مجلس إدارة المدرسة.
رئيس مجلس الإدارة :نابو ننجرسو نيدالسنة الثانية والثلاثون لحكم الملك نبوخذ نصّر الثاني.[2]



[1] أديب وباحث في التاريخ القديم.

[2] نسخت من العدد 633 لمجلة المعرفة السورية حزيران 2016 ص 147-149

**********
نجد في تلك القصة الق حضارة بابل ، والتي كانت بوابة الحقد الغربي ، ولعله تقصد تضمين غرضه في عالم بابل ونبوخذ نصر ليذكرنا بانه لو كان للسبي البابلي دور في حقد الغرب فقد كنا نحن أول المسبب لذلك.
تبينه عبارة:
(حزب نعبد الله وقوفا) و(وحزب نعبد الله جلوسا).
ولو بدانا بالعنوان فنجده مستهلكا وعنوانا لمقال وليس لقصة، ولعله تقصد ذلك عامدا ليدفعنا لقراءة نصه اللافت، فالمؤلف باحث تاريخي معروف ، وأديب ، ولأنني أقرأ له اول مرة فهذا يدفعني لقراءة المزيد إن كان على نفس المنوال.
بابل عرفت ان اليهود مصدر الشر بأبعدتهم فعادوا وحطموا بابلنا الحديثة، والنص يحكي أكثر مما يسطر...لو قرانا مابين السطور..
ولو عدنا للقسم التاريخي في الفرسان ولقاء الدكتور محمد بهجت قبيسي لعرفنا انهم خردوا معززين مكرمين..ولكن هي السياسة.
مفردات النص كانت حديثة مثال:
وهي من الخيال العلمي ، والمسرحية تتحدث عن أحداث قد تجري بعد نحو (2575 سنة)، فأعجبتني الفكرة وقررت حضور (البروفا) الأولى لها وهنا كانت الطامّة الكبرى فقد كان فحواها:



فهل كان بإمكانه التدثر اكثر بدثار لغة ذاك الزمان؟ ام نراه متعمدا ذلك؟
بكل الاحوال، يبقى اللعب على حبال التاريخ لغرض نظيف أفضل مليون مرة من أعادة نشر اكاذيبه.
نبارك للمؤلف عمله الموفق، وإلى مزيد من الإبداع.
د. ريمه الخاني 27-7-2016