من الأدب الأسباني

قصـة قـصيرة (27) فـلاح مدينـة روتـه

ترجمة : قحطـان فؤاد الخطيب / العراق

عن كتاب

elementary reader in english for the foreign born

(1)


تجري بداية أحداث هذه القصة القصيرة في مكان ما من روته، بلدة صغيرة في اسبانيا، لا تبعد كثيراً عن خليج (قادز)، تشتهر بفواكهها وخضرواتها، لاسيما محصولي الطماطم والقرع، حيث تنتشر هنا وهناك ليس بأسواق (قادز) فحسب بل في المدن المهمة الأخرى أيضاً .

وقد يوحي ذلك للمرء بأن التربة جد خصبة، بحيث تدر أنواعاً نفيسة من الثمار كالطماطم والقرع، في حين أنها ليست كذلك بل تربة جدباء ... مجرد رمل وصخور، ولا شيء غير، تلفحها رياح المحيط الأطلسي الهوجاء، جارفة تربتها الفريدة، وتاركة لا شيء سوى الرمل بدل التربة. هذا ناهيك عن شحه الماء وجفاف التربة .
إذن .....، كيف يمكن زرع هذين المحصولين في تربة كهذه ؟
هنا ........ تتميز ثمرة الطماطم بكبر حجمها، واحمرار لونها، فيما ينتفخ القرع ويصفر لونه ..... وقد يعزى سبب ذلك إلى فلاحي هذه البقعة، الذين يعملون بجد منذ الصباح الباكر وحتى سدول الليل خيوطه .... حافرين الآبار، وناقلين الماء بأيديهم إلى بساتينهم، مستخدمين أي شيء لإثراء التربة حول كل نبتة ... كاسين النباتات الغضة بأوراق الأشجار، بغية حمايتها من حرارة الشمس اللافحة، والرياح العاتية. إنهم يراقبون كل ثمرة بعناية، خصوصاً الضعيفة منها، موفرين لها الماء، ومغدقين عليها ذات الحنان الذي يغدقونه على زوجاتهم وأطفالهم.

على أن هناك قولاً مأثوراً، يطال هؤلاء الرجــال وبساتينهـم، يتردد على الشفاه عدة مرات في روته:
" يلمس فلاح روته بيده كل ثمرة طماطم أربعين مرة كل يوم تقريبا ...........! "
(2)
ولعل العم بيتر هو أحد أولئك الفلاحين، طاعن في السن، بعقده السابع من العمر، يمضي جل حياته بين أتربة هذه البستان ......، بظهر أحدب ، نتيجة سني العمل الدءوب بين مزروعاته، فيما يشهد قرعاً منتفخاً لا مثيل له مصطبغاً بلون ذهبي مغاير لما سبقه.

وها قد تراصت أربعون قرعة، تربطه بها وشائج حميمة، سهلت تعرفه عليها بيسر، إذ حملت كل واحدة منها أسماً، مما زاد في فخره وهو منتصب هذا اليوم في بستانه، مزهواً بها .

على أنه عزم على بيعها بالسوق في اليوم التالي. إذ اعتراه الأسى، لا لشيء إلا لجمالها، ولفراقها الأبدي. وما أن دنا موعد عودته هناك حتى بان له بأنها سرقت ..... وربما سرق شخص ما أربعين قرعة بكاملها في جنح الظلام، غير تارك حتى واحدة منها !

............ تمرض العم بيتر، وخارت عزيمته. إذ لم يصدق عينيه ..... تلمس النباتات بيديه كي يتأكد بأنه ليس في حلم. ثم أقفل راجعاً إلى بيته ببطء والحزن قد غمره. وشرع يضرب أخماساً بأسداس. لقد أدرك بأن الشخص الذي سرق القرعات سوف لن يتمكن من بيعها في روته. إذ سيكون ذلك جد عسيرا، لأنه سوف يميزها كما سيميزها الفلاحون الآخرون، إضافة إلى أصدقائه. سيأخذها السارق إلى (قادز)، المدينة الكبيرة. هناك، سيكون سهلاً عليه بيعها في الأسواق !

وقرر العم بيتر الذهاب إلى (قادز). إذ أبحر القارب نحوها ما أن أطبقت عقارب الساعة التاسعة صباح اليوم التالي وعلى ظهره العم بيتر وكله استعداد للعثور على قرعاته !
(3)
وفيما بعد، وحوالي الساعة الحادية عشرة من ذلك الصباح عينه، توقف العم بيتر أمام كشك لبيع الخضار بـ (قادز)، مصحوباً برجل شرطة، حيث قال وهو يشير إلى مالك الكشك: " تلك هي قرعاتي. اقبض على ذلك الرجل . "
قال الرجل بدهشة: " يقبض علي....... ؟ لماذا .......؟ هذه قرعاتي، وقد اشتريتها مبكراً هذا الصباح . "
قال العم بيتر : " أقبض عليه . "
" كلا......... ! "
" نعم........... ! "
" انه لص. "
" لست كذلك......."

قال الشرطي وقد أندفع بين العم بيتر وبائع الخضار: " أوقفا هذا، أرجوكما. تصرفا كرجال ! "

والآن تجمهر بضعة أشخاص بالقرب منهم. إذ طرق سمعهم صوت كلام عال، مما حداهم للمجيء لرؤية ما كان يجري، يتوسطهم مدير الأسواق، الذي شرح له الشرطي مجريات ما حدث. ثم طرح المدير سؤالاً على بائع الخضار: " مِنْ مَنْ اشتريت تلك القرعات ؟ "
" اشتريتها من رجل يدعى (لوبز) . وهو من مدينة روته. "

صرخ العم بيتر : " لوبز ! طبعاً لوبز . أنه لص. في استنتاجي أنه كذلك. بستانه قاحلة. فعندما لا يملك خضراوات يبيعها، يسرق من ناس آخرين . "

قال مدير الأسواق: "حسناً. دعونا نفترض بأنه سرق القرعات. كيف تعرف بأن هذه القرعات وليس سواها هي لك ؟ فكل القرعات متشابهة ! "

أجابه العم بيتر: " أعرف كل واحدة منها. أعرفها من أسمها. أنني أعرفها كما تعرف أولادك، لو كان عندك أولاد ! أنظر ، هذه هي (بيبيتا) . وهذه هي (بلو بيوتي) ، وهذه (مانيوويلا). هي دائما تذكرني بابنتي الصغرى ."

واصل العم بيتر تسميته للقرعات المختلفة ثم طفق يبكي كطفل .

قال مدير الأسواق : " هذا جيد جدا . ربما بإمكانك تمييز قرعاتك. وهذا غير كاف . فبموجب القانون عليك تقديم الدليل. نعم الدليل ومن النوع القاطع ."

أجابه العم بيتر : " بحوزتي الدليل القاطع. بإمكاني إعطاءك دليلاً صحيحاً هنا. هذه القرعات زرعت في بستاني . "

(4)

ركع العم بيتر على ركبتيه وشرع يفرغ الكيس الورقي الكبير من محتوياته . لقد فكه بعناية وبطئ مما أستحوذ على اهتمام جميع الحضور ...... ماذا سيخرج من الكيس؟ وأثناء ذلك مر شخص حيث شاهد جموع الناس. لقد جاء ليستطلع ما كان يجري.

قال الخضري: " أوه ، أنه أنت يا سيد (لوبز). إنني مسرور لعودتك. فهذا الرجل يدعي بأنك سرقت قرعاته، تلك التي بعتها لي صباح هذا اليوم . "

وأصطبغ وجه السيد (لوبز) بنفس صفار القرعات، محاولاً التملص على الفور. بيد أن الشرطي حال دون ذلك وجعله يبقى هناك. ثم وقف العم بيتر بسرعة محدقاً بوجه (لوبز)، حيث قال : " سنرى من سيقول الحقيقة ! "

أجابه (لوبز): " كن حذراً بما تقول. ليس بإمكانك مناداتي باللص. عليك إثبات ذلك. وسوف تذهب إلى السجن بسببه. لقد زرعتها في بستاني وأتيت بها هنا هذا الصباح . "

رد عليه العم بيتر قائلاً: " سوف نرى ذلك." والتقط الكيس الورقي ثم فتحه وقلبه إلى الخارج نحو الأرض، حيث تساقط عدد كبير من كرمات القرع . لقد كانت خضراء اللون وطازجة. كما قطف العم بيتر نباتاته ذلك اليوم. وهكذا تكلم العم بيتر إلى الجمهور قائلاً:

" هذا هو دليلي. فهذه الكرمات هي جزء من القرعات التي سرقها اللص. لقد ترك الكرمات على النباتات لأنه كان في عجلة من أمره. أنظروا جميعاً ! هذه الكرمة تخص هذه القرعة. لا أحد يشك في ذلك. وهذه الأخرى هي لتلك القرعة المنتفخة ها هنا. هذه الكرمة العريضة تخص هذا المكان بالضبط ! هل ترون ؟ هذه تذهب ... "

(5)

وأستمر العم بيتر يضع كل كرمة على القرعة المقصودة التي تنتمي لها. لم يكن هناك أدنى شك بشأن ذلك. لقد عرف القرعات بإتقان، كما عرف من كان يملك من بالضبط ! ممــا أثار حفيظة الحاضرين الذين قالوا : " هذا صحيح. الرجل المسن على صواب. أنظروا ! هذه الكرمة تذهب هنا، والأخرى تذهب هناك. لا شك في ذلك ..... "

على أن مدير الأسواق أضاف قائلاً : " انه دليل جلي."

تماماً في هذا الوقت، عم الفرح الناس الذين انفجروا ضاحكين، يتبادلون الكلام في الوقت نفسه. كما كان العم بيتر مغموراً بالفرح أيضاً. وبدأ هو الآخر يضحك أيضاً. إلا أن الدموع ماانفكت حبيسة عينيه.

ومما لا شك فيه فإن رجال الشرطة قبضوا على (لوبز)، واقتادوه إلى السجن، إذ توجب عليه إعادة مبلغ ثلاثين دولاراً سبق وقبضه ثمناً للقرعات!

وهكذا عاد العم بيتر إلى روته وكله قناعة. وبينما كان في الطريق ردد مع نفسه عدة مرات:

" ما أحلى تلك القرعات وهي تفترش السوق! على الأقل، وحسرتاه تترك هنـــــــاك ! ...... قرعات لطيفة كهذه ..... (مانيوويلا) ، (بيبيتا) ، .....