الليلة الواحدة والعشرون
كفاح كامل أبو هنود
قد يلجئك الجوع يوماً لتناول طعامك في مكانٍ ما، ثم تكتشف أن اللحم الذي قُدّم لك ينزّ منه بعض الدم.. قررت أن تحتج وتصرخ، لكن المصيبة أن هذا هو الخيار الأوحد.. تقدمت إليه خوف الإغماء من الجوع.. تناولته متقززاً، وتمنيت لو أنك تعثر على كسرة خبز حينها، ولو سيقت لك لكانت أحب إليك من الدنيا وما فيها..
تناولته وروحك تغصّ من نتن ريحه، لكن تركه يعني الموت ولاشيء سوى الموت. تناولته وأنت تحسّ أن بعضاً من روحك قد فاضت أو كادت تفيض، ثم، ثم ماذا؟! ثم أخبروك أن هذا الذي تناولته كان بعضاً من لحم أخيك أو أبيك، فأي موت تشتهيه في تلك الساعة، وما أنت بلاقيه؟! أي مشهد أقسى وأشد على الروح حين تدرك أن هذا الذي أسكتتْ به جوعها كان الجسد الطاهر لبعض أحبتها؟! وأي إرهاق هذا الذي سنحياه حين نعاين حقيقة فعلنا ونحن نأكل أمواتنا، وكان أقل حقهم علينا -إن لم ندفنهم ونسترهم- ألاّ ننهشهم كوحوش الغاب وذئابها؟!
كفاح كامل أبو هنود .