من مكتبات العالم
-------
============================
مكتبة تشيستربيتي
----------------
تحتوي على نوادر المخطوطات العربية
==========================
محمد عيد الخربوطلي
المخطوطات العربية التي كتبها رجال الفكر العرب والمسلمون في صنوف العلم والمعرفة المتنوعة، منذ بدأ التدوين والتأليف عند العرب في القرن الأول الهجري حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري، حيث دخلت الطباعة وانتشرت في الأقطار العربية، وهذه المخطوطات كتبت بخط اليد وبنسخة واحد أو بعدة نسخ.
هذه المخطوطات كان موطنها الأصلي الأقطار العربية والبلدان الإسلامية، ثم انتقلت بشتى الطرق والأساليب إلى أيدي الغرب خلال القرون الأربعة الأخيرة.
ومن الصعوبة التحقق بصورة دقيقة عن أعداد المخطوطات العربية والإسلامية في مكتبات ومتاحف العالم، فبعض الباحثين يقول أنها تقدر بثلاثة ملايين وأوصلها بعضهم إلى سبعة ملايين....
ومن المكتبات العالمية المشهورة بالمخطوطات العربية مكتبة (تشيستر بيتي)، في إيرلندا وفيها حوالي |5500| مخطوط عربي، كما يوجد غيرها في إيرلندا، وقد وضع فهارس مكتبة بيتي المستشرق (أرثر آر بري) يقع في ثمانية مجلدات.
فما قصة هذه المكتبة..؟ وكيف جمعت من البلاد العربية والإسلامية...؟
إن من يدخل هذه المكتبة في دبلن يجد نوادراً من المخطوطات العربية منها نسخة من القرآن الكريم بخط أعظم خطاط عربي وهو ابن البواب كتبها في بغداد في القرن العاشر الميلادي، ونسخة من كتاب صور الأقاليم للإصطخري كتبت في القرن العاشر الميلادي وقد زينت بخرائط ممتازة ونادرة ، كما يوجد فيها نسخة من الفهرست لابن نديم ونسخة من مقامات الحريري ورقمها |4233| تحتوي حاشية بخط المؤلف الحريري الذي توفي سنة 1122 م، وكل ما في المكتبة يعد نادراً.
مؤسس المكتبة وصاحبها:----------------
في عام 1875 ولد تشيستر بيتي في مدينة نيويورك وتعلم فيها، وفي عام 1895 درس هندسة التعدين في كولومبيا وتخرج عام 1898 ، ثم غادر إلى دنفر مركز صناعة تعدين النحاس الأمريكية، وهناك تعرضت حياته للخطر عدة مرات، ولشدة خبرته في اختصاصه صار من الأغنياء، وعند بلوغه السادسة والثلاثين قرر الاعتزال والسفر إلى إنكلترا ليقضي باقي أيامه حيث أخبره الأطباء أنه لن يعيش أكثر من عامين، ومع ذلك فقد بلغ التسعين من العمر في ما بعد.
لذلك قرر العيش صيفاً في أوروبا وشتاءً في مصر بعد تنقله من بلد لآخر مع صديقه (هربرت هوفر) الذي صار رئيس الولايات المتحدة في ما بعد.
وبدأ بيتي في تنفيذ مشروع ضخم لتطوير المخزونات المعدنية الواسعة لجبال الأورال، وفي عام 1914 أسس شركة مالية باسمه، ووصل بيتي إلى مصر مع زوجته للمرة الأولى في شتاء 1913 فأسره جمال وادي النيل فاشترى فيلا قريبةً من الإهرام وأحاطها بالجنائن وبساتين البرتقال.
وكان من عادة بيني أن يتمشى حول الأسواق في أحياء القاهرة القديمة، فيصادف في جولاته عدداً كبيراً من المخطوطات الكبيرة، وعلى سبيل المثال وجد في دكان صغير نسخة من القرآن كتبت لأحد سلاطين المماليك، كما وجد في زاوية السوق نسخة من ديوان حافظ الشيرازي، وقد أهتم بما وجده من نفائس المخطوطات، وبقي يجمع مما يشاهده، وبهذه الطريقة كون إحدى أرقى المجموعات الخاصة من المخطوطات الشرقية يندر أن تضاهيها مكتبات أخرى في أي مكان في العالم.
وبعد تعلقه بالمخطوطات العربية بدأ يبحث عنها في أسواق الكتب في لندن وباريس ليضمها إلى خزانته، وكان يشارك في اختياره للمخطوط صديقه (إدوارد إدواردز) المسؤول في المتحف البريطاني عن المخطوطات الشرقية فكان يدفع بيتي قسماً لصاحب المخطوط إذا أعجبه ثم يعرضه على صديقه فإن أشار عليه بشرائه اشتراه ودفع باقي الثمن لصاحبه.
وكان لبيتي عدة وكلاء يعملون لحسابه في الشرق أشهرهم اثنان (ساركيسيان) تاجر الكتب الأرمني و(ا. س يهودا) المستشرق اليهودي من شمال إفريقيا.
وكان لساركيسيان محل في شارع سليمان باشا في القاهرة صار مخزناً مهماً في الشرق الأوسط كله لشراء وبيع المخطوطات الشرقية، وكان خبيراً كبيراً في ذلك فيشتري مكتبات كاملة ثم يعرض ما فيها من نفائس نادرة على بيتي.
أما ا.س يهودا الذي توفي في أمريكيا عام 1942 فقد اشترى لحساب بيتي ما يزيد عن الألف مخطوطة.
وقبل أن ينتقل بيتي إلى إيرلندا عام 1949 أودعت المكتبة في منزله اللندني، كان خلال ذلك يسمح لمستشرقي العالم على اختلاف جنسياتهم بفحص ودراسة مخطوطاته بكل دقة وتفصيل، وأكثر من هذا فقد شغل كبار علماء العصر على حسابه الخاص في تدوين وفهرسة ونشر وطباعة مجموعته.
وفي عام 1949 وإثرى خلاف مع الحكومة البريطانية بسبب قضايا مالية انتقل إلى إيرلندا حيث اشترى بيتاً وأمرى ببناء بيت خاص للمكتبة على مقربة منه،وهذا البناء ما يعرف اليوم (بمكتبة تشيستر بيتي).
وكان بيتي سخياً كريماً محباً للخير، ولم ينس الناس الملايين التي قدمها للأبحاث الطبية، لكن كرمه بلغ الذروة قبل وفاته 1968 بأعوام قليلة عندما وهب مكتبته بكاملها التي تضم مجموعة من اثني عشر ألف مخطوط وعمل فني نفيس ملكاً للشعب الإيرلندي بصفة رسمية فجعلها مكتبة عامة ووقفها على أهل العلم.
ومما يوجد في مكتبته من نوادر مخطوط من إفريقيا تأليف (الهاروشي المغربي الفاشي) يعود للقرن العاشر الميلادي ومخطوط (للمعافري المالقي) كتب في القرن الثاني عشر الميلادي ومما فيه ترجمة للشاعرة (ليلى الأخيلية) مع بعض أشعارها ومقالات لنساء شهيرات كعائشة بنت طلحة وأم الدرداء عالمة دمشق، وفيها مخطوطات نادرة من إيران وبغداد والأناضول والهند، والمخطوطة رقم |111| في مكتبة بيتي هي أشهر نسخة لكتاب الشاهنامة التي تدعى ديموت شاه نامة وقد نسخت حولي 1340 م في تبريز يوجد منها حوالي ستين صفحة فقط، وفي عام 1969 بيعت صفحة واحدة منها في لندن بثلاثين ألف جنيه، كما يوجد أقدم نسخة لرباعيات عمر الخيام تحمل رقم |303 | في مكتبة بيتي مؤرخة عام 1259 م، وفيها كتاب بالتركية في التاريخ يعود تاريخه إلى عام 1581 م وهو مزين بالصور الجميلة بيد الرسام (صنعي)، ومن المخطوطات الهندية كتاب (أكبر نامه) أي سيرة ملك وتحمل رقم |3| كتبت في بداية القرن السادس عشر الميلادي.
وتحتوي مكتبة بيتي سبعين نسخة من القرآن الكريم أشهرها نسخة ابن البواب. وبعد أن أصبحت المكتبة ملكاً للأمة الإيرلندية منذ عام 1968 بدأت دائرة اللغات السامية في جامعة إيرلندا الوطنية في تطوير وتحسين مستوى تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية ليتمكن الطلاب من الدراسة في مكتبة بيتي.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي