أصدقائي :
ضمن سلسة مقالات ( ظرفاء دمشق في القرن العشرين ) نشرت لي صحيفة الوطن اليوم الخميس 28 / 1 / 2016 مقالاً عن أحد الظرفاء القدامى ، وهو المرحوم ( أنور البابا ) الذي أذهل الجمهور لمدة أربعين عاماً . . . وما زال البعض حتى اليوم لا يعرف أنه كان يمثل دور امرأة .
أرجو أن ينال إعجابكم .
وسأنشره هنا كاملاً مع الرابط .


أنور البابا ( أم كامل )
من ظرفاء دمشق في القرن العشرين

أن يقوم أحد الأشخاص بتقليد شخص آخر تقليداً متقناً فإن هذا أمر يدعو إلى الدهشة ، وأن يكون هذا الإتقان دقيقاً إلى درجة تقارب المطابقة فإن هذا ليدعو إلى الدهشة والإعجاب ، أما أن يجتمع الإتقان والدقة والتماثل التام بحيث يجعل الناظر يجسب نفسه حقاً أمام الشخصية الأصلية ، فإن هذا ليدعو فوق كل ذلك إلى الذهول الشديد .
فما بالك أن تكتشف اليوم أن أكثر المتابعين لشخصية أم كامل الفنية على مدى أربعين عاماً ؛ بدأت في أربعينيات القرن الماضي وانتهت في أوائل التسعينيات منه ؛ لا يدرون أن هذه المرأة التي يرونها في المسرح وعلى شاشات التلفزيون هي ليست أم كامل حقاً . . .
وما بالك أن تكتشف أن الشخصية الحقيقية التي تقلد أم كامل هي رجل وليس امرأة . . .
أنور البابا وفن التقليد
رجل خفيف الظل ، رحب المحيا ، بادي الهيئة وظاهر الهيبة . . . فنان أصيل ذو ظرافة وبهجة ، يملك الصفات الفنية التي تؤهله لدخول باب الفن من مصراعيه ؛ فكان له ذلك . . .
تلقفته يد المسرح الإذاعي عام 1947 ، فكانت مشاركته في زي امرأة دمشقية قديمة ، وقد لاقت هذه التمثيلية إعجابا كبيراً ، ومن يومها تقمص البابا هذه الشخصية الساحرة لينثر عطرها في سوريا والبلاد العربية ، وقد أصبحت شخصية أم كامل شخصية فريدة في عالم الظرافة والفن .
أم كامل
شخصية خيالية تمثل النموذج الحقيقي الحي للمرأة الدمشقية في أواسط القرن الماضي التي تتمتع بحلاوة حديثها وطلاوة صوتها ، شخصية حيوية ساحرة ولدت لتغطية غياب الشخصية النسائية في المسرح ، لكنها حافظت فيما بعد على حضورها وتألقها .
أم كامل هي الداية الشعبية التي تتميز بفن خاص في الحديث ، وهي العجوز الدمشقية التي تسبب المتاعب لمن حولها ، وهي الخطَّابة التي تزور البنات بهدف الخطبة ثم تصف صورهن للشبان الراغبين بالزواج . . . أم كامل هي المرأة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس على مدى أربعين عاما .
الأسلوب المتميز والتقليد الحاذق
كان أنور البابا بارعاً جداً في تعابير الوجه ، فإذا ما بدأ حديثه افتتحه يتلك الضحكة الرنانة المجلجلة التي كانت معظم النساء يبدأن بها حديثهن آنذاك ، ولا يفوته أن يوظف كل الحركات والسكنات لخدمة الحديث الذي غالباً ما يكون ساخراً أو ضاحكاً أو منتقداً ، فقد كان يرفع حاجبيه عند الدهشة ويميل برأسه نحو اليمين قليلاً . . . ولم يكن ينسى أن بفتح فمه قليلاً قبل بدء الكلام ، وكان إذا ما اعترضته قضية لم تعجبه زمَّ شفتيه وضغطهما إلى الأمام وهو يعيد رأسه إلى الوراء قليلاً ، ثم أعاد رأسه إلى الأمام ومط الشفتين وهو يقول الكلمة النسائية المشهورة آنذاك ( يوووا ) مع المط والتطويل ، وإذا أراد أن يقول كلاماً ساخراً حرَّك رأسه يمنة ويسرة وهز بكتفه ثم انهال على محدثه بكلمات عتيقة قديمة ؛ قلَّ من يفهمها ويدرك مغزاها .
على أن الوجه الأشهر لأم كامل هو أن تشهر إصبعها في وجه الآخر ، وتميل برأسها إلى اليمين والوراء قليلاً ، وتفتح فمها وتكون الحواجب مرفوعة والعينان تحدقان ، وغالباً ما تكون النظارات مائلة بحيث تغطي إحدى إطارات العدستين جزءاً من إحدى العينين . . . والرأس يغطيه الحجاب الأبيض المربوط بربطة ( تقليدية ) تظهر من أمام العنق ، تغطيه الملاءة السوداء التي تسمى بـالملاية الزم فتغطي جزءاً كبيرا من بياضه . . . فيكون لهذا المنظر ما يبعث الرهبة في قلب المستمع الذي لا يمكن أن يخطر في باله إطلاقاً أن هذا الإنسان الذي يراه أمامه هو رجل وليس امرأة .

أم كامل تتحاور مع جارتها
دار حوار طريف بين أم كامل وبين جارتها أم أحمد التي تسكن قبالتها . . . وقفت أم كامل على عتبة الباب ونادت على أم أحمد بصوت متهدج ، يتمايل بين البحة الواضحة وبين الرجفة البطيئة :
ــــ لك يا أم أحمد وينك أنتي ، ما سمعت صوتك اليوم . . .
فتفتح أم أحمد الباب رويداً ، وتجيـبها بصوت يشبه صوتها ، لكنه أقل بحة وأخف هيبة :
ـــــ أهلين أهلين ، والله كنت بدي حاكيكي وأسالك شو طابخة اليوم . . .
هنا تشهق أم كامل شهقة كبيرة كمن تذكر أمراً مهماً ، فتبدأ الكلام بضحكتها المعهودة التي تتألف من ثلاث زفرات متتالية يجئن بعد تلك الشهقة الطويلة يرافقها رفع للحواجب بشكل يوحي بالجد والوقار ، وتأتي هذه الزفرات مصحوبة بنغمة صوت آلة الرق الموسيقية التي تعزف على أوتار القلوب وتقول :
ـــ يي يي . . . من الصبح وأنا عمقول لحالي شو نسيانة اليوم ، شو نسيانة اليوم ، لك إن شا الله ما بروح إلا دحكلة وما برجع إلا شنكلة .
فترد الجارة بقولها :
ــ لك وأنا التانية مالي طابخة ، إن شا الله ما بروح إلا نتف ، وبيطُج راسي بالسقف .
فترد أم كامل بصوت بدأ يعلو تدريجياً :
ـــ إن شا الله بتدعسني الداعوسة وبتاخدني الناعوسة وبتقرصني الناموسة .
إلخ . . .
طبعاً هذا الحديث كان يحمل من الطرافة والظرافة الشيء الكثير . . . ويدفع إلى الضحك والسعادة .
طلب الزواج من أم كامل
سببت شخصية أم كامل الكثير من المواقف الطريفة للفنان أنور البابا , إذ كما كان هو يستغل أم كامل أحياناً في تدبير مقالب بالآخرين ، كذلك فإنه لم يكن يخلو من مواقف عفوية يتعرض لها ، أو مقالب مدبرة تُحاك له . . .
وفي أيام الوحدة بين سورية ومصر , ذهب أنور البابا ضمن وفد فني سوري إلى القاهرة لإحياء حفلات على مسارح القاهرة , وكان أنور البابا يقدم وصلات كوميدية بين الفقرات الغنائية , ضمن شخصية أم كامل ، ويبدو أن الحضور والممثلين لم يخطر لهما ـــ لشدة ـــ الإتقان للدور ـــ أن أم كامل في حقيقتها رجل . . . وكان بين الجمهور الممثل الموميدي المصري حسن فايق . . .
استظرف حسن فايق شخصية أم كامل وأحبها , أحبها فعلاً ، وأحس تماماً أنها قريبة جداً من شخصيته الكوميدية , وبما أنه كان أعزباً فقد فكر في أن تكون أم كامل إنسانة مناسبة له تشاركه حياته ، فما كان منه إلا توجه إلى أن توجه إلى الوفد السوري الفني للتوسط لدى أم كامل قبول الزواج منه ، وكان من بين المشاركين السوريين رفيق شكري وياسين محمود . . . فطلب منهما أن يمهدا له لدى أم كامل ليفاتحها هو بموضوع الزواج .
راقت الفكرة للفنانَين رفيق شكري وياسين محمود ، فأخفيا ضحكتيهما ، وأكدا للسيد فايق أن طلبه مجاب ، ويبدو أن شكري ومحمود قد قد وجدا في طلب السيد فايق فرصة مواتية لقضاء سهرة ممتعة , فقاما بترتيب سهرة تضمهم جميعاً ، لتكون هذه السهرة مجالاً واسعاً أمام حسن فايق للتقرب من أم كامل والتودد لها تمهيداً لطلب يدها . . . وأخبرا السيد حسن فايق أن الأمور جاهزة .
في السهرة بدأ حسن فايق يتودد إلى أم كامل , ويثني عليها وعلى جمالها وأنوثتها , وأم كامل تبدي خجلها وتخبئ وجهها بملاءتها السوداء لتداري ضحكتها , ولم تفلح كل محاولات أنور البابا الأنثوية التي تأرجحت بين الصد والرد من أن تثني حسن فايق عن عزمه وتصميمه في مغازلتها وإبداء رغبته الشديدة في التقرب منها بقصد الزواج ، والفتاة ( أم كامل ) تتثنى وتتلوى مبتسمة تارة وممتعضة تارة أخرى ، علَّ السيد حسن يمل ويكل ، لكن وكما يقول المثل : ومن الحب ما قتل . . . لم ينثنِ حسن عن عزمه ، ومازال حسن يتودد وأم كامل تتردد ، إلى أن تضايق أنور البابا من تحرشات الممثل حسن ، واضطر إلى الخلاص من هذا المأزق العجيب ، فهو ممثل رجل ولا يتحمل أن يقع في غرامه ممثل رجل مثله ، ( ربما لو كان العكس لراق له الأمر ، لأننا نحن معشر الرجال ننخدع بسرعة ونقبل الخدعة ، لو كان الذي يتحرش هو رجل متزي بزي فتاة لقبلنا بتحرشه حتى ونحن نعلم بحقيقته ، وكما يقول المثل ) ، إذن انزعج أنور البابا ، فما كان منه حتى يتخلص من هذا الموقف العجيب إلا أن نهض وخلع ملاءته , فإذا أم كامل رجل يرتدي طقم السموكن تحت الملاءة , فأصيب حسن فايق بصدمة رهيبة . . . وكان الأمر أشبه بالكاميرا الخفية ، لكنه أشد خطراً . . . فأطلق حسن فايق ضحكته المعروفة مدارياً خيبته .
أعود فأقول لعله من السهولة بمكان على من امتلك موهبة وحباه الله فناً أن يقلد من هو في مثل جنسه ، أما أن يقلد الرجل المرأة بإتقان شديد ودقة فائقة ، فإن هذه لعمري حالة فريدة نادرة قلَّ من يجيدها في عالم الفن والظرافة .
رحمك الله يا أنور البابا . . . رحلتَ وأخذت معك ( أم كامل ) .

Hana Daoudi Hassan FA Sahar Abou Hareb Ahmad Al Hamwi Huda Sophia Tello Kinan Houssain Hunada Housri Hesham Tanta Eman MardinyMouhaya Sadat Mohammad AKrosh ياسين تللو علا تللو أم علاء تللو عائلة تللوخلدون تللو عائلة تللو العباسي واصولهم التاريخية هشام تللو شادن اليافيAhmad Sadat
Banan Tello Waddah Rajab Basha Loubana Wh Ghadeer Wahbeh فريد العبد الرحيم
http://alwatan.sy/archives/38639


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي