لتحديد معنى الناشئة لا بد من العودة إلى المعجمات العربية لنجد أن نشأ الطفل تعني شب و قرب من الإدراك أي البلوغ و أن الناشئ هو الغلام أو الجارية جاوزا حد الصغر. و يجمع على نشئ و ناشئة ، فالناشئ و الفتى والحدث ألفاظ مترادفة وكلها تعني من بارح الطفولة وقرب من البلوغ .

السؤال الذي يجول في فكرنا يطرح نفسه : فما هي الشريحة المقصودة حين نقول : أدب الناشئة أو أدب الفتيان ؟و إلى من يتجه هذا الأدب ؟.يجدر بنا القول :إنّ الأدباء أكثر تساهلاً من العلماء و لا يتشددون في الحدود الزمنية بين الطفولة والمراهقة

والرشد وهم حين يطلقون تعبير أدب الناشئة أو أدب فتيان ينظرون إلى شريحة من القراء تجمع بين نهاية الطفولة والمراهقة بمرحلتيها المبكرة والمتأخرة . فعندهم ثلاثة مستويات من الأدب : أدب الأطفال ، أدب الناشئة ، أدب الكبار ، وتتداخل هذه الأصناف في توجهها إلى القارئ وتوجّه القارئ إليها ، فالقضية هنا هي قضية مقدرة على الاستيعاب والفهم لا قضية عمر زمني بحدّ ذاته لأن المقدرة البشرية لا تخضع للحدود الرقمية والقياسية الصارمة بل يجري التعامل معها ضمن حدود المرونة والنسبية .

لَبْسٌ وتمييز : إن أدب الناشئة بسبب تركيبه الإضافي يتضمن التباساً ، فقد يعني الأدب المكتوب للناشئة والموجه إليهم قصداً أو الصالح لهم ولغيرهم دون أن يكون مكتوباً لهم في الأصل ، وقد يعني الأدب الذي يكتبه الناشئة أنفسهم ويختلف هذان النوعان اختلافاً جوهرياً .

فالنوع الأول : يكتبه الأدباء الكبار ليقرأه الفتيان لأنهم المقصودون بالخطاب والتثقيف ولذا يراعي فيه الكتّاب شروطاً معينة كي تناسب مستوى الفتيان من حيث مداركهم وأذواقهم وميولهم ومستواهم الثقافي واللغوي .

والنوع الثاني : هو الأدب الذي تنتجه أقلام الناشئة , وهذا له كيان آخر , وصفات مختلفة وشتان بين كاتب متمرس بالكتابة وفتى حديث العهد بالكتابة يبحث عن نفسه فيما يحاول من تجارب غضة ويعبر عن ذاته وما يجول فيها من الخواطر والانفعالات الخاصة بسنه وطبيعة مرحلته . ولما كانت عبارة ( أدب الناشئة ) ذات حدين فقد وجب التمييز بينهما باستخدام هذه العبارة للأدب المكتوب للناشئة واستخدام عبارة ( الأدب الذي يكتبه الناشئة )

أو ( أقلام الناشئة ) للدلالة على النوع الثاني كيلا نقع في الالتباس والخلط .

قضية الحدود : الناشئة يشاركون الكبار والأطفال بعض الصفات , ففي كل طفل كبير مضمر وفي كل راشد طفل صغير , من هنا لزم أن يشارك أدب الناشئة أدبي الأطفال والكبار بعض الخصائص والمميزات , وأن تنعدم الحدود الفاصلة والحاسمة بين هذه الآداب في كثير من الأحيان .

يقول أحد الدارسين : " يصعب رسم الحدود بين أدب الأطفال وأدب البالغين , فسرفانتس لم يكتب (دون كيخوته ) للأطفال ولا للناشئة , وكذلك سويفت لم يكتب

( جليفر ) لهما . وإن قصص ( روبنس كروزو ) و( أليس في بلاد العجائب ) صالحة للصغار والناشئة ومؤلفات جول فيرن صالحة للكبار والصغار والناشئة " .

ويقول الكاتب السوفيتي سيرجي ميخالكوف : " لو أخذنا كتيبا للصغار وآخر للراشدين سنرى حتما حدودا كبيرة ولكن هذه الحدود ليست متضادة أو ليس تضادها كبيرا وإني على ثقة إن أدب الأطفال الحالي يدخل في الأدب العام أو أدب الراشد تدريجيا كما يدخل النهار في المساء وعلى الرغم من ذلك نرى أدب الأطفال يملك سماته الخاصة التي تزداد كلما قلت سن القارئ ." أما الكاتب الروماني خريستو كاندرو فيانو فيرفض أن يعترف بتحديد الأدب بالعمر , ويقول : " إن ما نسميه أدبا للأطفال هو في الواقع أدب شامل .....وقد يكون الأدب للأطفال والمراهقين ولكنه ربما يروق البالغين وربما يروق لنطاق أوسع فكتب سويفت , والأخوة غريم وحكايات بوشكين موجهة للأطفال والبالغين معا " .

وعلى كل حال ليس هذا الامحاء الحدودي عاما ولا دائما . فنحن مع ذلك نجد أدباً للأطفال وأدبا للناشئة وأدباً للكبار ويجب علينا أن نتفهم الخطوط العامة والسمات البارزة التي يتميز بها أدب الناشئة والتي تصلح أن تكون معايير لمعرفته واختياره حيث وجدت .

العرب ومشكلة أدب الناشئة : بقي قطاع الناشئة مهملا مدة من الزمن وانصب الاهتمام على أدب الأطفال وبقي الفتيان محسوبين في الكبار , وليسوا في بالكبار وبقيت مرحلة المراهقة مغفلة من قبل الكتاب , على الرغم في خطورتها وأهميتها وكان على الفتى أن يطالع في أدب الأطفال وقد شب عن الطوق و أو يغوص في أدب الكبار ولم يقو على الغوص , وأنّى له أن يحظى ببغيته في خضمي هذين الأدبين دون أن تمتد يد إلى توجيهه ومساعدته

فالناشئ يحب المطالعة لأن المرحلة التي يمر بها هي مرحلة إتمام التكون المؤدية إلى النضج والاستقرار , فمن طبعها قضاء وقت الفراغ فيما يجلب الاستمتاع والتسلية , ومن طبعها لعب الخيال الذي لا يريد أن يقف عند حدود وتمادي الأحلام , وفرط الحساسية والانفعال والبحث عن الحقيقة وحب الإطلاع والمغامرة وحب الاكتشاف والتطلع إلى المعالي والمثل الأخلاقية والنزوع إلى التفكير والمناقشة ونمو القدرات اللغوية وبروز المواهب الأدبية ولا شئ يلبي هذه الحاجات ويسير بها في الطريق السوي كالمطالعة المرشدة .

فحرمان الفتى المطالعة كارثة تربوية ,والكارثة الأكبر أن يقرأ على غير هدى أو يقرأ ما يضره , وما اكثر ما يتعثر الفتى إذا ترك وشأنه في إرضاء نزوعه إلى المطالعة فقد يقع على كتاب أعلى من مداركه فيضيّع وقته فيه دون طائل , بل ربما أورثه السأم والملل من المطالعة والأمر الأخطر أن تجذبه الكتب الضارة كبعض الروايات البوليسية ومسلسلات الخيل المريض البعيد عن الواقع وكتب الألغاز والجنس والمجلات المصورة التافهة ذات التوجيه السيئ المضلل .

وهذا لا يعني أن ليس في أدب الكبار ما يصلح لقراءة الناشئة ولكن أنّى للناشئ أن يكتشف هذا الجانب بنفسه إذا لم يرشده معلم بصير أو مرب واع .

ومع ذلك لا نزال نسمع الكثير من المعلمين ينصحون بقراءة كتب المنفلوطي وطه حسين والرافعي والعقاد , لمجرد إن هؤلاء كانوا أساتذة الأسلوب الإنشائي في النصف الأول من هذا القرن , مع أن الزمن يسير والأدب يتطور فنحن لا ننكر أستاذية هؤلاء ومكانتهم ولكن أصحيح أن أساليبهم لا تزال مقبولة في معايير ذوقية العصر؟ أصحيح أن أفكارهم واتجاهاتهم لا تزال كلها مقبولة في هذه الأيام ؟ أليس المنفلوطي يعلم البكاء والتشاؤم ويبحث عن الإصلاح فلا يهتدي إلى الحل ؟ أليس في أسلوب طه حسين الكثير من التكرار والإلحاح على الفكرة الواحد؟ أليس الرافعي صعبا على إفهام الناشئة ولا سيما حين يتفلسف ؟ أليس العقاد صاحب الأسلوب الجاف ؟

وعلى الرغم من هذا وذاك ففي عصرهم يوجد من هو أكثر جاذبية وسهولة إمتاعا وسلاسة كالمازني والبشري ومي زيادة ....ويزيد المشكلة تعقيدا تفاوت مستويات الناشئة وأيضا اختلاف الجنس الذي يؤدي إلى اختلاف المنازع والميول .

ونستنتج مما سبق : أن هذه الصعوبات لم تكن لتوجد إلا بسبب غياب أدب الناشئة وصعوبة الوصول إليه ولذا يضطر الناشئ إلى مطالعة أدبي الكبار والصغار وهما لم يكتبا في الأصل له وضرورة تثقيف المعلم بطبيعة أدب الناشئة ومعاييره وأسسه حتى يستطيع توجيه طلابه إليه في سياق عمله التعليمي والتربوي .

ومثل هذه الثقافة مطلوبة لدى كل من يتصدّى لرعاية مواهب الفتيان وأنشطتهم الأدبية في سائر المنظمات والمؤسسات التربوية .

وكما سبقتنا شعوب الغرب إلى العناية بأدب الأطفال سبقتنا أيضاً إلى العناية بأدب الناشئة ، وتزداد هذه العناية عند الشعوب الاشتراكية بسبب اهتمامها بالناشئة تربية وتغذية وترفيهاً .

أما العرب فقد اهتموا أولاً بأدب الأطفال ، ثم التفتوا في الثلث الأخير من هذا القرن إلى الاهتمام بأدب الناشئة وأخذوا يعدون لهم السلاسل القصصية ويكتبون لهم المسرحيات والأشعار والمقالات ، ويخصّونهم بأبواب من المجلات ، وقد جرى هذا الاهتمام على نطاق التأليف والترجمة والاقتباس والإعداد وعلى صعيد النشر الخاص والرسمي ، ولكن هذه الوثبة لا تزال في المهد .

المضمون التربوي في أدب الناشئة : كل أدب يحمل القيم السائدة في مجتمعه ولابدّ ـ في نظر التربية ـ من احتواء أدب الناشئة على مضمون هادف ومفيد ، وإلا كان عبثاً وتسلية فارغة أو مداعبة سطحية للحواس أو مغامرة ضارة .....

والأديب الذي يتوجه إلى النشء يقوم مقام المربي الغيور الذي ينظر من وراء عمله إلى غاية إنسانية سامية ، وهي بناء شخصية الناشئ وإعداده ليكون في المستقبل عضواً فعّالاً ونافعاً في المجتمع وناجحاً في الحياة مزوّداً بالخلق والعلم والثقافة ثقافة الإنسان الطالع إلى الحياة النهم إلى المعرفة معرفة كل ما يحيط به وما يخطر بباله من التساؤلات وما يعرض له من المشكلات التي تتعلّق بوجوده وعلاقاته التي تسهم في تكوين شخصية المراهق ضمن الغاية التربوية الرشيدة .



المراجع :



- المعجم الوسيط . إخراج الدكتور إبراهيم أنيس , د. عبد الحليم منتصر, د. عطية الصوالحي دار الأمواج بيروت .

- المعجم المدرسي تأليف محمد خير أبو حرب- وزارة التربية في سورية 1985

- الأدب والقراءة عبد الرزاق الأصفر وزارة التربية دمشق 1990
أدب الأطفال والناشئة في العالم لمجموعة من الأدباء ترجمة نادر ذكرى . -

أدب الأطفال , نظريا وتطبيقيا , عبد الله أبو هيف , وزارة التربية دمشق 1970 -

-أدب الناشئة : تأليف عبد الرزاق الأصفر ونزار نجار وسمر روحي الفيصل سوريا 1990.