الشنفـرى الأزدي القحطاني اليمني:

لم يتفق الرواة على اسم موحد للشنفرى ولقبه، فمنهم من قال إن الشنفرى لقب له لأنه غليظ الشفتين ومعنى كلمة الشنفرى الشفاة الغليظة ومنهم من قال أنّ اسمه هو عمرو براق أوثابت بن أوس بن جابر وقال بعضهم إن الشنفرى هواسمه الحقيقي، وفي المفضليات للضبي أنه من بني الحرث بن ربيعة بن الأواس بن الحجر بن الأزد بن الغوث إلا أن أكثر الأقوال أنه عمرو بن مالك الأزدي شاعر يمني من جنوب اليمن من قحطان.
كان من كبار فحول الشعراء ومن كبار الصعاليك الشجعان الفتاكين وأحد العدائين الثلاثة ( الشنفرى و تابط شراً و السليك بن السلكة) وضرب المثل به في العدو، فقيل (أعدى من الشنفرى) .وهو ابن أخت تأبط شراً. هؤلاء الثلاثة اشتهروا بالعدو قيل أن الخيل لا تستطيع أن تلحقهم، ويقال قيست خطوته بعد مقتله فكان الخطوة الواحدة منها قريباً من عشرين خطوة. كان أسود البشرة فقد ورث السواد من أمه الحبشية لذلك السبب عـدَّ من أغربة العرب، ويقال أن ابن أخته تأبط شراً هو الذي أشار إليه إلى الصعلكة وروضه عليها وعلى قطع الطرق.
ويرجع تاريخه أنه نشأ في قوم الأزد ولم يحسنوا معاملته فتركهم، وفي بعض الروايات أنهُ أُخذ أسيرا ًفداء في بني سلامان بن مفرج وهوغلام صغير فنشأ فيهم ولم يدم طويلا بينهم فهرب منهم من سوء معاملتهم له و لأنه أُخبر أنهم قتلوا أباه و لذلك هجرتهم أمه وعاشت في بني فهم وكان يخص أكثرغزواته بني سلامان. وذات يوم رصدوا له بني سلامان كميناً وقتلوه و مثلوا به ورموه للسباع بعد أن أقسم أن يقتل منهم مائة وتمكن من قتل تسعة وتسعين و كان ممن قتل منهم رجل يقال له حرام بن جابر قتله بمنى حين علم أنه قاتل أبيه ويقال أن أحد بني سلامان عثرعلى جمجمته فرفسها فاصيب بها فمات في الحال وبذلك أكمل الشنفرى المائة وهكذا أبر بقسمه كاملاً بعد موته.
لم يكن الشنفرى من أصحاب المعلقات إلا أنه اشتهر بقصيدته "لامية العرب" ويتقدم على الشعراء الصعاليك بهذه القصيدة لما فيها من الخصائص الفنية والنفسية واللغوية وهي تعتبر من أرقى القصائد في ذلك العصر.
ومن أرق غزله وأحسنه تلك القصيدة التائية التي فضَّلها المفضل الضبي في كتابه " المفضليات " و هي أجمل ما قيل شعراً في الأخلاق والغزل الرائع العفيف وعفة المرأة في ذلك العصر. قال الأصمعي هذه التائية العظيمة أحسن ما قيل في خفر النساء وعفتهن، وقال بعض النقاد أنها أروع قصيدة قيلت في عفة النساء لم نجد لها مثيلاً في هذا العصر. يقول فيها :

أَلاَ أُمُّ عَمْروٍ أَجْمَعَتْ فاسْتقَلَّتِ
وما وَدَّعَتْ جِيرانَها إِذْ تَوَلَّتِ

وقد سَبَقَتْنَا أُمُّ عَمْروٍ بأَمرِها
وكانت بأَعْناقِ المَطِيِّ أَظَلَّتِ

بِعَيْنَيَّ ما أَمْستْ فبَاتتْ فأَصبحت
فقَضَّتْ أُمُوراً فاستقَلَّتْ فَولـَّـت

فواكبدا على أُميْمَةَ بَعْدَ ما
طَمِعْتُ، فهَبْها نِعْمةَ العَيْشِ زَلَّتِ

فيَا جارَتِي وأَنتِ غيرُ مُلِيمَة
إِذَا ذُكِرَتُ، ولاَ بِذَاتِ تَقَلَّتِ

لقد أَعْجَبَتْنِي لا سَقُوط قِناعُها
إِذا ما مَشَتْ، ولا بِذَات تَلفـّتِ

تَبِيتُ بُعيدَ النَّوْمِ تُهْدِي غَبُوقَها
لجاراَتِها إِذَا الهَدِيّةُ قَلَّتِ

تَحُلُّ بِمِنْجَاةٍ مِن اللَّوْمِ بَيْتَها
إِذا ما بُيُوتٌ بالمَذَمَّةِ حُلَّتِ

كأَنَّ لهَا في الأَرضِ نِسْياً تَقُصُّهُ
على أَمِّها، وإِنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ

أُميْمةُ لا يُخْزِي نَثَاهَا حَلِيلَها
إِذا ذُكِرَ النِّسْوَانُ عَفَّتْ وجَلَّتِ

إِذا هُوَ أَمْسَى آبَ قُرَّةَ عَيْنِهِ
مآبَ السَّعيدِ لم يَسَلْ أَيْنَ ظَلَّتِ

فَدَقَّتْ وجَلَّتْ واسْبَكَرَّتْ وأُكمِلَتْ
فلو جُنَّ إِنسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ

فَبِتْنا كأَنَّ البَيْتَ حُجِّرَ فَوْقَنَا
بر َيْحانِةٌ رِيحَتْ عِشاءً وطُلَّتِ

بِريْحانَةٍ مِن بَطْنِ حَلْيَةَ نَوَّرَتْ
لها أَرَجٌ، ما حَوْلهَا غيرُ مُسْنِتِ

وبَاضِعَةٍ حُمْرِ القِسِيِّ بَعَثْتُها
و مَنْ يَغْزُ يَغْنَمْ مَرَّةً ويُشَمَّتِ

خَرجْنا مِن الوَادِي الَّذِي بيْنَ مِشْعَلٍ
و بَيْنَ الجَبَا هَيْهاتَ أَنشَأْتُ سُرْبَتِي

أُمَشِّي على الأَرضِ التي لن تَضُرَّنِي
لأ نْكِيَ قوماً أَو أَصادِفَ حُمَّتِي

أُمَشِّي على أَيْنِ الغَزَاةِ وبُعْدها
يقربني مِنها رَوَاحِي وغُدْوَتي

تَخافُ علينا العَيْلَ إِنْ هي أَكثرتْ
ونحْنُ جِيَاعٌ، أَيَّ آلٍ تألـّت

وما إِنَّ بها ضِنٌّ بما في وِعَائِها
ولكنَّها مِن خِيفِةِ الجُوعِ أَبْقَتِ

مُصَعْلِكَةٍ لا يَقْصُرُ السِّتْرِ دُونَها
ولاَ تُرْتَجَى للبَيْتِ إِن لم تُبَيِّتِ

لها وفـْـضةٌ فيها ثلاثونَ سَيْحَفاً
إِذا آنَسَتْ أُولَى العَدِيّ أقْشَعَرَّتِ

وتأْتِي العَدِيَّ بارِزاً نِصْفُ سَاقِها
تجولُ كَعَيْرِ العَانَةِ المُتَلَفِّتِ

إِذَا فَزِعُوا طارتْ بأَبيضَ صارِمٍ
ورامَتْ بِما فِي جَفْرِها ثُمَّ سَلَّتِ

حُسامٍ كلَوْنِ المِلْح صافٍ حَديدُهُ
جُزَارٍ كأَقطاعِ الغَدِيرِ المُنَعَّتِ

تَرَاها كأَذْنابِ الحَسِيلِ صَوَادِراً
وقد نَهِلَتْ مِنَ الدِّمَاءِ وعَلَّتِ

قَتَلْنَا قَتِيلاً مُهْدِياً بِمُلَبِّدٍ ...
جِمَارَ مِنىً وَسْطَ الحَجِيجِ المُصَوِّتِ

جَزَيْنا سَلاَمَانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَها
بما قَدَّمتْ أَيديهِمُ وأَزلَّتِ

وهُنِّيءَ بِي قومٌ وما إِنْ هَنأْتُهُمْ
وأَصبحتُ في قومٍ وليْسوا بمُنْيَتي

إِذا ما أَتَتْنِي مِيتَتي لم أُبالِهَا
ولم تُذْرِ خَالاتِي الدُّمُوعَ وعمَّتِي

ولو لم أَرْمِ في أَهْلِ َبْيِتِيَ قاعداً
إِذَنْ جاءَنِي بينَ العمودَيْنِ حُمَّتِي

أَلاَ لا تَعُدْنِي إِنْ تَشَكَّيتُ، خُلَّتِي
شَفَانِي بِأَعْلَى ذِى البُرَيْقَيْنِ غَدْوَتِي

وإِنِّي لَحُلْوٌ إِنْ أُرِيدَتْ حَلاَوتي
, ومُرُّ إِذا نَفْسُ العَزُوفِ اسْتَمرَّتِ

أَبِيٌّ لِمَا آبى سَرِيعٌ مَباء َتِي
إِلى كلِّ نَفْسِ تَنْتَحِي في مَسَرَّتِي

وقد أبدع في قصيدته التالية "لامية العرب" وقد نالت إعجاباً كبيراً لدى النقاد والرواة قديما وحديثاً واعتبروها من
أروع القصائد التي قيلت في ذلك العصر:

بقول فيها :

أَقِيمُوا بَني أُمِّي صُدُورَ مَطِيَّكُمْ
فإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لأَمْيَلُ

فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ واللَّيْلُ مُقْمِرٌ
وَشُدَّتْ لِطِيّاٍت مَطَايَا وَأرْحُلُ

وفي الأَرْضِ مَنْأًى لِلْكَرِيمِ عَنِ الأذَى
وفيها لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَزَّلُ

لَعَمْرُكَ ما بالأرْضِ ضِيقٌ على امْرِىءٍ
سَرَى رَاغِبا أو رَاهِبا وهو يَعْقِلُ

ولي دُوْنَكُمْ أهْلُون: سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأ لُ

هُمُ الأهْلُ لا مُسْتَوْدَعُ السِّرِّ ذائعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَاني بما جَرَّ يُخْذَلُ

وَكُلٌّ أبيٌّ بَاسِلٌ غَيْرَ أنَّنِي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِدِ أبْسَلُ