بسم الله الرحمن الرحيم
دفعني لكتابة هذه الملاحظة سوء استعمال نفي الجمل الإسمية ب (لا) بين الرفع والنصب لضرورة الوزن الشعري عند بعض الشعراء.فمثلاً :
يشكو الشاعر في بداية قصيدته من قسوة الوحدة ولا أنيس له ثم يؤيد التعبير عن ذلك بالصور التالية : ( المثال معدل ليكون لطرح الفكرة وليس خاصاً بشاعر معين)
لا كفوف ٌ تمحو دموع عيني ...لا وجوهٌ تُرى بها الأنوار
إن رفع ( كفوفٌ) (وجوهٌ) بعد (لا) هنا لاتفيد النفي التام بل نفي جزئي لبعض أنواع الكفوف والوجوه بينما يثبت دون أن يعلم وجود كفوف أخرى تمسح دموعه ووجوه أخرى تنير حياته. وبذلك أبطل أثر الشكوى من الوحدة التي كان يصورها في مطلع قصيدته.
تسمى هذه الـ (لا) المستعملة هنا : لا النافية للوحدة أي نفي جزء من كل ، أو نفي وحدة من مجموعة وحدات أخرى. وهي تعمل عمل ليس إعرابياً فترفع المبتدأ الذي تدخل عليه وتنصب خبره.
وربما اضطره إلى هذا الرفع المنون وزن البحر الذي نظم عليه.
وكان يمكنه استعمال لا النافية للجنس التي تفيد المعنى الذي يريده مع استعمال حقه في الزحاف الصحيح أو تعديل يسير يعبر بعمق أقوى عن المعنى الذي يريده.
لا النافية للجنس تفيد إطلاق النفي على ماتريد نفيه دون استثناء وهي تنصب الاسم وترفع الخبر على عكس اللا النافية للمجموعة. كأن تقول ( لاقلمَ في الحقيبة). ولو قلت : ( لا قلمٌ في الحقيبة) فإنك تثبت وجود أقلام في الحقيبة ولكنك تنفي وجود نوع خاص منها كالأسود أو الأحمر...
وبذلك يكون التعديل المناسب للمعنى المطلوب دون أن يتأثر الوزن كما يلي :
لا كفوفَ تمحو دموع عيني ...لا وجوهَ تسري بها الأنوار
طرحت الأمر للفائدة. فمن وجد خيرا فأرجو منه الدعاء لي بالخير بظهر الغيب