اعرف قيمة بلدك أيها السوري وارفع رأسك عاليا فحق لك التباهي بما فضل الله به وطنك
-----------------------------------------------------

قراءة في الحديث النبوي –في أدب فضائل البلدان
-------------
---
دمشق----وفضلها -
------------------------------------------

المقدمة --------------------------
فإن معرفة فضائل المدن من الأبواب التي عني
المحدثون بجمعها ، ولدى تتبع الأحاديث الواردة في هذا الباب نجد أن أصح ما ورد في ذلك كان في فضائل مكة المكرمة والمدينة المنورة ويليهما في ذلك ما جاء في فضل الشام، ورغم ذلك فقد ادعى البعض أن ما ورد في فضلها من أحاديث موضوع لا يصح،

وقد بنى دعواه على تعديلات لا تمت إلى قواعد نقل الحديث بصلة ، مما دعاني إلى تتبع أحاديث فضائل الشام، حيث تبين أن بعض تلك الأحاديث صحيح قد بلغ حد الشهرة، بل كاد يبلغ التواتر، ومن ثم فقد أوردت في هذا البحث بعض ما صح من أحاديث في فضل الشام، ذاكراً أقوال الحفاظ في الحكم عليها، مشيراً إلى بعض دلالتها.
وقد كان أهم أثر لما ورد في فضل الشام أن أصبحت مركزاً من أهم مراكز العلم والرواية في العالم الإسلامي، لأن سكناها أصبح مطمح أهل العلم وخاصة المحدثين منهم.
هذا وقد افتتحت البحث بمدخل، أتبعته بأربعة مطالب ثم خاتمة وذلك وفق الخطة الآتية :
المطلب الأول : فضل الشام في الحديث النبوي .
المطلب الثاني : الإيمان بالشام .
المطلب الثالث : الشام عصمة من الفتن في آخر الزمان.
المطلب الرابع : الشام مركز للعلم والرواية .
الخاتمة : وضمنها أهم النتائج.
أسأل الله تعالى حسن الفهم والعصمة من الزلل والخطأ.
مدخل :
على بطاح مكة المكرمة كانت تجليات المولى عز وجل ببزوغ شمس النبوة الخاتمة التي أضاءت بنور كتاب الله الكريم ظلمة الجهل ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ) (إبراهيم : 1 ) لقد حددت هذه الأية مهمة النبي عليه الصلاة والسلام بإخراج :
البشرية من ظلمات الوهم والخرافة، وظلمات الأوضاع والتقاليد، وظلمات الحيرة في تية الأرباب المتفرقة ، وفي اضطراب التصورات والقيم والموازين ...لتخرج البشرية من هذه الظلمات كلها إلى النور الذي يكشف هذه الظلمات ..."

وفي رحاب بيت الله الحرام – الذي امتن الله على أهله بالأمن والأمان ( لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت* الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ( قريش ) – بدأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ببث أشعة العلم والهداية المنجية من كل ضلال على العالم، حتى عم ذلك النور الافاق " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يدرك الله عز وجل بيت مدر ولا وبر إلا أدخله
الله هذا الدين ، بعز عزيزاً أو بذل ذليل عزاُ يعز الله به الاسلام ، وذلاً يذل الله به الكفر "

المطلب الأول: فضل الشام في الحديث.----------------------
نالت بلاد الشام من بين سائر البلدان الحظ الأوفر من ذلك العز والخير وتلك الرحمة ، فقد اخرج ابن عساكر عن أبي عمر رضي الله عنهما مرفوعاً : " الخير عشرة أعشار ، تسعة بالشام وواحد في سائر البلدان " وأخرجه الطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً ، وفيه زيادة : " والذي نفس ابن مسعود بيده ليوشكن أن يكون أحب شيء على ظهر الأرض إلى أحدكم أن تكون له أحمرة تنقل أهله إلى الشام "
ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بأن : " الشام صفوة الله من بلاده إليها يجتبي صفوته من عباده ، فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطةٍ ومن دخلها من غيرها فبرحمةٍ "
قال العلقمي : هذا الحديث يدل على فضيلة دمشق وعلى فضيلة سكانها في آخر الزمان ، وأنها حصن من الفتن
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الناس يفزعون في الفتن " إلى مدينة يقال لها دمشق ، من خير مدن الشام فتحصنهم من عدوهم "
ومما يدل على فقل الشام قوله تبارك وتعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا إنه هو السميع البصير ) (الإسراء : 1 ) فإن المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي بارك الله حوله هو من أرض الشام
وقوله تعالى : ( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) ( الأنبياء : 71 ) فالأرض التي باركها الله والتي نجى إليها إبراهيم ولوط عليهما السلام ، هي أرض الشام بلا خلاف بين المفسرين.

يقول محمد بن عمر بن يزيد الصاغاني : إني لأجد ترداد الشام في الكتب ، حتى كأنه ليس لله تعالى بشيء حاجة إلا بالشام.
المطلب الثاني الإيمان بالشام -------------------------------
هذا الخير وتلك البركة ماهي في حقيقة الأمر إلا ثمرة من ثمرات علم الكتاب الذي جعله الله سبحانه وتعالى مستقراً في الشام ، فقد جاء في الحديث الصحيح المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
بينا أنا في منامي أتتني الملائكة فحملت عمود الكتاب من تحت وسادتي فعمدت به إلى الشام، ألا فالإيمان حيث تقع الفتن بالشام " وفي رواية : " بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت راسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد إلى الشام ، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام : وفي أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " : رأيت ليلة أُسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلوة تحمله الملائكة ، قلت ما تحملون ؟ فقالوا عمود الإسلام ، أمرنا أن نضعه بالشام ، وبينا أنا نائم رايت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله عز وجل تخلى عن أهل الأرض ، فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام.

وقد رُوي هذا الحديث عن عدد من الصحابة منهم :
1 – أبو الدرداء : روى حديثه الأمام أحمد ، والطبراني ، وأبو نعيم ، وابن عساكر.
2 – عمرو بن العاص : وحديثه عند أحمد ، والطبراني .
3 – عبدالله بن عمرو بن العاص : وأخرج حديثه الطبراني ، والحاكم وأبو نعيم ، وتمام الرازي والحارث بن أبي أسامة.
4 – أبو أمامة الباهلي : روى حديثه الطبراني ، وابن عساكر.
5 – عبدالله بن حوالة الأزدي : روى حديثه الطبراني ، وابن عساكر أيضاً.
6 – عمر بن الخطاب : روى حديثه ابن عساكر.
7 – عبدالله بن عمر بن الخطاب : روى حديثه ابن عساكر.
8 – عبيد الله بن عمر بن الخطاب روى حديثه ابن أبي عاصم.
9 –عائشة الصديقة : روى حديثها ابن عساكر، رضي الله عنهم جميعاً.
أقول : بناء على ما تقدم فإن شهرة هذا الحديث وتعدد طرقه ومخارجه ، وكثرة رواته قد تصل به إلى حد التواتر وفق ما أعتمده ومشى عليه من صنف في الحديث المتواتر ، عدّوا في كتبهم من الأحاديث المتواترة أحاديث أقل من هذا الحديث شهرة وتخريجاً وتصحيحاً.
وأخرج الحاكم عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال : " يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام "
المطلب الثالث: الشام عصمة من الفتن في آخر الزمان ---------------------
أقول : لعل عمود الكتاب الذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم أنه عُمد به إلى الشام يتمثل بتلك الكوكبة العظيمة من الصحابة الكرام الذين استوطنوا الشام حاملين نور العلم وأمانة التبليغ ، عاملين بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجيهه حين رغبهم بسكنى الشام.
هذا وقد روى الحث على نزول الشام وسكناها عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم منهم :
1 – عبدالله بن عمرو بن العاص : أخرج حديثه أحمد ، وابو داود ، والحاكم ، وابن عساكر.
2 – عبدالله بن عمر بن الخطاب: اخرج حديثه ابن أبي شيبة وأحمد ، والترمذي ، وأبو يعلي ، وابن حبان، والطبراني، والرافعي ، وابن عساكر.
3 – بهز بن حكيم عن ابيه عن جده معاوية بن حيدة : أخرج حديثه ابن ابي شيبة ، وأحمد في الفضائل، والترمذي، والطبراني، والروياني، وابن عساكر.
4 – أبو أمامة الباهلي : أخرج حديثه البخاري في تاريخه ، وأحمد ، وابن عساكر.
5 – زائدة أو مزيدة بن حوالة الأزدي : أخرج حديثه الإمام أحمد.
6 – العرباض بن سارية : أخرج حديثه الطبراني ، وابن عساكر.
7 – وائلة بن الأسقع : أخرج حديثه الطبراني ، وابن عساكر.
8 – أبو الدرداء : أخرج حديثه البزار ، والطبراني.
فهؤلاء ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام روي عنهم مرفوعاً الحث على الإقامة بالشام وسكناها ، ورواياتهم تدور بين الحسن والصحة ، وقد روي عن غيرهم من الصحابة والتابعين ايضاً أحاديث في الحث على سكنى الشام ولكن لا تخلو طرق أحاديثم من ضعف فلذلك أعرضت عن ذكرها --------------------
وبناء على ما تقدم فإن حث النبي صلى الله عليه وسلم على سكنى الشام قد تواتراً معنوياً ، والله أعلم.
وقد ورد في بعض الروايات تخصيص دمشق بالسكنى ، من ذلك مارواه جُبير بن نُفير عن رجل من الصاحبة ، قال : قال رسول الله صلىة عليه وسلم " ستفتح عليكم الشام ، فإذاً خُيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها دمشق.
وقد أخذ بعضهم من الترغيب النبوي بسكنى الشام أنه من سكن الشام بنية امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم يثاب على ذلك ، قال الشعراني : أُخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرغب إخواننا التجار الذين يسافرون إلى الشام أن يجعلوا معظم نيتهم امتثال أمر الشارع في سكنى الشام دون التجارة ، فإن التجارة حاصلة تبعاً ولو لم ينووها ، وذلك ليكونوا في سكناهم الشام تحت امتثال أمر الشرع فيثابوا على ذلك ، بخلاف ما إذا جعلوا نيتهم التجارة فقط ، فلا يحصل لهم أجر عند بعضهم.
وهذا استنباط لطيف ، له وجه ظاهر ، والله أعلم.
المطلب الرابع: الشام مركز العلم والرواية. ---------------------------
لقد كان الأثر الطبيعي لكل ما تقدم أن أصبحت الشام بعامة ودمشق بخاصة موطن العلماء ومحط رحال الفضلاء، وأولهم الصحابة الكرام – وتحقق بذلك أنها معدن العلم ونور المعرفة وعمود الكتاب الذي يشير إليه الحديث ، ولو رجعنا إلى التاريخ نستنطقه لأخبرنا بأن عدد الصحابة الذين نزلوا الشام كبير جداً بالنسبة لمجموع الصحابة.
قال الهروي : وبالجبّانة التي
بدمشق خلق كثير من المشايخ والصالحين ، ويقال : بها سبعون رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم معروفة قبورهم.

ويقول الأستاذ محمد أديب الحصني : والذي يظهر أن دمشق وقراها وما يقرب منها معجون بدماء الصحابة الكرام حين الفتح ، وقد ذكر الواقدي صاحب " المغازي " ذلك مفصلاً، وبين أن كثيراً من الصحابة الكرام استشهدوا بأرض الشام في الفتوح وغيره من وقائع الحروب الإسلامية ، ومن تُوفي في غير قتال فكثير لا يحصيهم إلا الملك العلام.
وقد نقل ابن عساكر عن الوليد بين مسلم أنه قال : " دخلتِ الشامَ عشرةُ آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..."
وقد كان الذين سكنوا الشام من جلة الصحابة وأعلاهم منزلة في العلم والفضل حتى قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حقهم " :

بالشام أربعون رجلاً ما منهم رجل كان يلي الخلافة إلا أجزأه.
وقد كان لهولاء الصحب رضي الله عنهم مجالس علمية لتعليم القرآن الكريم وفهمه ورواية الحديث النبوي ودراسته ، تعد رائدة في منهج الرواية والتدريس والتعليم في هذا العصر المتقدم من حياة المسلمين العلمية، هذا وإنني أرى من المناسب أن أرود وصفاً لواحد من تلك المجالس ، وهو مجلس الصحابي الجليل أبي الدرداء عويمر بن عامر رضي الله عنه حكيم هذه الأمة ، الذي ولاه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضاء مدينة دمشق ، فأقام حلقة عظيمة في مسجد دمشق يعلم فيها كتاب الله سبحانه وتعالى، وقد جاء وصف هذه الحلقة في "تاريخ دمشق" عن أبي عبد الله مسلم بن مشكم قال : قال لي أبو الدرداء : اعدُد من يقرأ عندنا - يعني في مجلسنا هذا – قال : قال أبو عبيد الله:
فعددت ألفاً وستمئة ونيفاً ، فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة ، لكل عشرة منهم مقرىء ، وكان أبو الدرداء قائماً يستفتونه في حروف القرآن – يعني المقرئين – فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحول إلى أبي الدرداء ، وكان أبو الدرداء يبتدىء في كل غداةٍ إذا أنفتل من الصلاة فيقرأ جزءاً من القرآن وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه، فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه وأخذ على العشرة الذين اضيفوا إليه : وكان ابن عامر مقدّماً فيهم ، وعن يزيد بن مالك عن أبيه قال : كان أبو الدرداء يأتي المسجد ثم يصلي الغداة، ثم يقرأ في الحلقة ويُقرىء حتى إذا أراد القيام قال لأصحابه : هل من وليمة نشهدها، أو عقيقة، أو فطرة، فإن قالوا : نعم ، قام إليها ، وإن قالوا : لا ، قال : اللهم أني أشهدك أني صائم وإن أبا الدرداء هو الذي سن هذه الحِلق يقرأ فيها.
وكان من الصحابة الذين نزلوا الشام لنشر علوم الكتاب الكريم والسنة المطهرة: معاذ بن جبل رضي الله عنه أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه " معاذ إمام العلماء يوم القيامة " وقال عبدالله بن مسعود فيه : إن معاذ بن جبل كان أمةً قانتاً لله حنيفاً :فقال له رجل : إنما ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، فقال عبدالله إنا كنا نشبهه بإبراهيم عليه السلام ، أتدري ما الأمة وما القانت ؟ الأمة : الذي يعلم الناس الخير ، والقانت المطيع لله ولرسوله وكذلك كان معاذ معلم الخير ، وكان مطيعاً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وائلة بن الاسقع: أسلم قبل تبوك وشهدها وكان من أهل الصفة ثم شهد فتح دمشق وحمص وغيرهما ، وهو آخر من مان بدمشق من الصحابة ( ت : 85 هـ )
أبو الدرداء عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي ، كان من أفاضل الصحابة وفقهائهم وحكمائهم شهد الخندق وما بعدها وأخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي (ت : 32 هـ ) بدمشق.
بلال بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل دمشق وتوفي فيها زمن عمر (ت: 20 هـ)
دحية بن خليفة الكلبي الصحابي المشهور ، كان يضرب به المثل في حسن الصورة وكان جبرائيل عليه السلام ينزل على صورته ، وكان رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ، وقد نزل دمشق وسكن المزة وعاش إلى خلافة معاوية.
النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ، أبو عبدالله المدني ولي القضاء بدمشق بعد فضالة بن عبيد ثم النعمان بن بشير ( ت : 65 هـ )
فضالة بن عبيد الانصاري الأوسي أبو محمد أسلم قديماً وشهد أحداً فما بعدها ثم شهد فتح الشام ومصر، وسكن الشام وولي قضاء دمشق بعد أبي الدرداء ( ت : 53 هـ )
أبو ثعلبة الخُشَني قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى خيبر فشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفي بالشام (ت: 75 هـ)
عبد المطلب بن ربيعة القرشي الهاشمي، سكن المدينة ثم انتقل إلى الشام في خلافة عمر بن الخطاب ونزل دمشق وابتنى بها داراً وتوفي بها سنة (ت: 61 هـ )
وغيرهم من الصحابة الأعلام الذين كان لهم الفضل في نشر علوم الكتاب والسنة في دمشق الشام، ومسند الشاميين في " مسند الامام أحمد بين حنبل " من أكبر مساند البلدان مما يدل على الدور الكبير الذي قامت به دمشق في نشر الحديث النبوي ، وكذلك الحال بالنسبة للكتاب الذي خصصه الإمام الطبراني بعنوان " مسند الشاميين " إذ لا نكاد نجد كتاباً من كتب الحديث خصص لجمع مسند بلدٍ آخر من بلاد الإسلام ، وهذا يدل دلالة واضحة وجلية على أن الشام أصبحت من أهم وأكبر مراكز الرواية والإشعاع العلمي.
هذا وقد تلقى أهل الشام تلك العلوم والمعارف عن الصحابة الكرام بشغف ومحبة زائدتين ، وأصبحت الشام مهوى أفئدة طلاب العلم والمعرفة الإسلامية الصحيحة ، كما قام الكثير من أبناء هذه المدينة بالرحلة في شتى بقاع العالم الإسلامي معلمين ومتعلمين.
ولو استعرضنا كتاب " تذكرة الحفاظ " للإمام الذهبي على سبيل المثال لوجدنا أن مدينة دمشق وحدها قد أنجبت ورعت من أعلام الحفاظ ومشاهيرهم على مر التاريخ العدد العظيم ، ولا أرى بأساً في أن أدلل على ذلك بسرد بعض الأسماء فمن هؤلاء الحفاظ:
أبو أدريس الخولاني عائِذ الله بن عبد الله الدمشقي عالم أهل الشام الفقيه، أخذ العلم عن معاذ بن جبل وطائفة من الصحابة الكرام، وكان واعظ أهل دمشق وقاضيهم وقاصهم (ت : 80 هـ)
رجاء بن حَيْوة الكِنْدي الشامي شيخ أهل الشام ، كان فاضلاً ثقةً كثيرَ العلم، وهو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك باستخلاف عمر بن عبد العزيز (ت : 112 هـ)
الأوزاعي أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي شيخ الإسلام الإمام الفقيه عالم الأمة الحافظ المجاهد، سكن في آخر عمره بيروت مرابطاً وبها توفي وقد قيل إنه كان يصلح للخلافة ، وكان يقول: إذا اراد الله بقوم شراً فتح عليهم الجدل ومنعهم العمل ( ت : 157 هـ ) ولم يخلف إلا ستة دانانير.
الوليد بن مسلم أبو العباس الأموي مولاهم الدمشقي الإمام الحافظ ، عالم أهل دمشق، صنف التصانيف والتواريخ، وكان يقال : من كتب مصنفات الوليد صلح أن يلي القضاء (ت: 195 هـ)
أبو زُرْعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو النصري الحافظ الثقة محدث الشام (ت :281 هـ )
مكحول الشامي أبو عبد الرحمن محمد بن عبدالله بن عبد السلام الحافظ المحدث ، كانت من الثقات العالمين بالحديث (ت :311 هـ)
تمام الرازي بن محمد بن عبد الله بن جعفر أبو القاسم الدمشقي الإمام الحافظ محدث الشام ، كان عالماً بالحديث ومعرفة الرجال (ت : 414 هـ )
ابن عساكر أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي الإمام الحافظ الكبير الجوال محدث الشام، صاحب التصانيف والتاريخ الكبير لدمشق الذي لا يُعرف له نظير، تفرغ للعلم وكان يحاسب نفسه على كل خطة تذهب، ولم يكن يتطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة وأباها بعد أن عرضت عليه (ت : 571 )
عبد الغني المقدسي بن عبد الواحد تقي الدين أبو محمد الجمّاعيلي الدمشقي صاحب التصانيف، الحفاظ الإمام محدث الإسلام، حدث بالكثير وصنف في الحديث تصانيف حسنة، وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد قيماً بجمع فنون الحديث حتى عدّ أمير المؤمنين في الحديث ، وكان يقرأ الحديث ليلة الخميس وبعد الجمعة بجامع دمشق ، ويجتمع في مجلسه خلق كثير (ت :600 هـ)
ابن الصلاح الشهرزوري تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشافعي الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام صاحب كتاب علوم الحديث المشهور بمقدمة ابن الصلاح، ولد بشهرزور ثم رحل طالباً للعلم والمعرفة إلى أن حطّ به المطاف بدمشق ودرس بمدارسها وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية (ت : 643 هـ ) وعاش ستاً وستين سنة رحمة الله عليه.
محيي الدين النووي أبو زكريا يحيى بن شرف الخزامي الشافعي، الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام صاحب التصانيف النافعة وشهرته تغني عن تعريفه (ت:676 هـ)
أبو الحجاج المِزِّي جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن القضاعي ثم الكلبي الدمشقي الشافعي الإمام العالم الحبر الحافظ محدث الشام ، ولد بحلب ونشأ بالمزة ورحل في طلب العلم ، وكان إماماً في معرفة الرجال وكان ذا مروءة وسماحة ويقنه باليسير باذلاً لكتبه وفوائده ونفسه كثير المحاسن (ت: 742هـ)
فضلاً عن صاحب " تذكرة الحفاظ " نفسه الحافظ شمس الدين الذهبي (ت :748هـ ) ...الذي ولدونشأ في كفربطنا---
وغيرهم ممن يضيق المجال بذكرهم بل يحتاج ذكرهم إلى مئات المجلدات.
ولا أستطيع هنا أن أتجاوز التنويه بما قام به الخليفة الراشدي عمر بن عبد العزيز (ت :101 هـ) من خطوة رائدةكانت أحد الأسباب الرئيسة في عده من المجددين لأمر الدين ، وذلك عندما أمر بجمع الحديث ، هذا الأمر الذي حسم الخلاف في مسألة حوار التدوين ، وبدأت على أثره ظهور المدونات والجوامع والمصنفات والموطأت وغيرها من كتب الحديث والآثار.

وأما في جانب التعليم والتدريس فقد زخرت دمشق بأكبر عدد من دور القرآن الكريم ومدارس الحديث الشريف، فقد تحدث عبد القادر النعيمي عن سبعة دور للقرآن الكريم ، وستة عشر داراً للحديث ، وثلاثة دور للقرآن والحديث معاً ، وبإمكاننا إدراك أهمية هذه الإحصائية وقيمتها إذا علمنا أن هذه المدارس ودور التعليم كانت بمثابة جامعات متخصصة أو لنقل إنها كليات تخصصية ، فاذا نظرنا إليها في حدودها الزمانية والمكانية نستطيع أن نقول، أننا نمتلك ستاً وعشرين كلية أصولِ دينٍ في رقعة لا تتجاوز ربع رقعة مدينة دمشق.
الخاتمة:-------------------------------
-
1 – أكثر علماء السلف والمفسرين على أن : الأرض المباركة " حيث وردت في القرآن هي ( الشام )

2 – خلص الباحث إلى أن الحديث " عمود الكتاب أو الإيمان " يشير إلى كثرة الصحابة الذين حملوا علوم الكتاب والسنة ونزلوا الشام فبثوا فيها هذه العلوم والمعارف التي تثبّت الإيمان وتبين مراد الله وأحكامه في كتابه العزيز، والله أعلم
3 - خصت الشام بمزيد فضل بأن نزل فيها واستوطنها أكبر عدد من الصحابة الرواة وحملة العلم النبوي حتى أصبحت من أهم وأكبر مراكز رواية الحديث في العالم الإسلامي
4 - تشير الأحاديث الكثيرة إلى أن الله تعالى يحفظ الشام من الفتن ومهما طال الأمر فإن هذه البلاد ستبقى محتفظة هويتها الإسلامية الصحيحة.

نقلا عن د. بديع السيد اللحام---بتصرف---

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي