(سلسلة ردود على هجمات التتار الجدد)

ردا على أحمد الشهاوى : هذا ما سيحدث لو طبقنا نصيحتك !!


يقال إن الموضة الإعلامية لشتاء هذا العام , هى تصدر بعض الإعلاميين والصحفيين للقرآن والسنة وكتب التراث الإسلامى والإفتاء فيها ,
فمنهم من يدعو صراحة إلى هجر القرآن والسنة أنفسهم ــ عياذا بالله ــ ومنهم من استحى قليلا فقال بترك السنة وكتب العلماء فقط وأخذ الدين بأنفسنا من القرآن ــ هكذا بلا ضوابط السنة النبوية أو شرح العلماء ــ ومنهم من اقتصر فى دعوته على الأخذ من الكتاب والسنة ومصادر التراث بأنفسنا , بمعنى أن نترك جانبا أحكام العلماء فى تلك المصادر ونختار مع ما يتناسب مع عقولنا !! بحجة أن القرآن والسنة ملك للجميع وليس للعلماء

وبغض النظر عن تلك الدعوة الكارثية التى لن تجد لها مثيلا فى أى مجال علمى ــ ليس العلوم المعملية فقط بل النظرية أيضا ــ وبغض النظر عن أن اللغة نفسها ــ كلغة ــ لا يستطيع أن يفتى فيها وفى قواعدها إلا المتخصصون , فما بالك بالقرآن نفسه وبالسنة النبوية , وهما مجالان تـُــعتبر اللغة ــ بكل صنوف علومها ــ مجرد وسيلة لإدراك المقاصد والغايات فيهما كمصدرين رئيسيين للتشريع , وأن المناداة بغوص كل من هب ودب فى القرآن والسنة واستنباط الأحكام منهما معناه فوضي شاملة لا يقول بها عاقل , وبغض النظر عن أن حجة عدم وصاية العلماء مردود عليها بأن العلماء يتحكمون فقط فى نطاق التخصص للجانب العلمى فى القرآن وبيان أحكامه , لكنهم لا يملكون وصاية على أى مسلم يريد قراءة القرآن والسنة بل العلماء يحضون الناس على هذا , وحتى فى مجال تخصصهم لا يملكون إجبار أحد على تنفيذ فتاواهم بل كل إنسان حر فى ذلك حسب ضميره !
بغض النظر عن كل هذا ,
فإن هذه الدعوة العامة التى افتتحها الأستاذ أحمد الشهاوى فى مقالاته بجريدة المصري اليوم , يدعو الناس للدخول فى مجال التخصص فى القرآن والسنة والتاريخ ,
هذه الدعوة الكارثية لم يدرك الأستاذ الشهاوى أثرها رغم أنه ــ هو نفسه ــ عندما طبقها بنفسه وذهب لكتب التاريخ وأخذ منها وترك ــ مهملا تخصص العلماء فى ذلك ــ جاءنا باكتشافات عجيبة وغريبة واستدلالات لو طالعها أحد أساتذة التاريخ فربما حرق شهادته ودمر مكتبته واعتزل مهنته , وذهب لافتتاح كشك سجاير على ناصية شارع الهرم ! , فهذا أرحم من مطالعة النتائج العبقرية لنظرية الأستاذ الشهاوى ..
وسأبدأ الرد على الأستاذ الشهاوى فيما ادعاه من أن أمة الإسلام هى أمة حرق الكتب ــ !! ــ
وأن هناك اتهامات فى مصادر التاريخ ــ هذا قال بدون تحديد ــ تتهم عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب بحرق مكتبة الإسكندرية وأضاف أنه هناك مصادر أخرى برأتهما من حرق المكتبة !! ــ هكذا أيضا بدون تحديد ــ ورغم هذا فقد عمم تهمة حرق الكتب على المسلمين مستدلا بهذا وبحوادث أخرى من مصادره ــ التى لم يذكر منها مصدرا واحدا ــ
والملحوظة الأولى أنه بدا لى غريبا أن الأستاذ الشهاوى يتهم تاريخنا بحرق الكتب بينما بعض زملاءه ــ المنادين بمثل قوله ــ يخرجون كل يوم فى الفضائيات للنداء بحرق كتب التراث وكتب علماء الأزهر !! , ولهذا نقول له أن اتهامك لأمتنا بأنها كالمغول تماما , فنقول بأن اعترافك هذا يخصك ويخص من يسير على دربك من الطاعنين فى كل شيئ , أما أمة الإسلام فخارجة عن هذه المقارنة
أما الملحوظة الثانية :
أن أى قارئ غير متخصص سيفهم من كلام الأستاذ الشهاوى أن اتهام عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص هو أمر متأرجح بين القبول والرفض تاريخيا , لأن مصادر التاريخ ــ هكذا ــ ذكرت الاتهام والتبرئة !!
ولهذا سأستجيب لنصيحة الأستاذ الشهاوى وأتعامل بنفس منهجه وأقول أن كتب التاريخ ذكرت أن مصر هـُـــزمت فى حرب أكتوبر وأن إسرائيل قد انتصرت ! , وهذا ما ورد فى كتب بعض الإسرائيليين واليهود ممن كتبوا فى تاريخ الحرب
وبالطبع سيكون رد الأستاذ الشهاوى أنه من العار على مصري مسلم مثلي أن يستشهد بكتب اليهود , كما أن العبرة ليس بالأقوال المرسلة بل العبرة بالأدلة والوثائق التى تثبت الحدث التاريخى أو تنفيه , وأن كتب التاريخ لا تتحدد قيمتها ونأخذ بما فيها من روايات كوقائع تحتمل الصدق والكذب إلا إذا كان على تلك الرواية دليل أو حتى قرينة وليست مجرد افتراءات من أعدائنا ,, ( أليس هذا هو الرد المنطقي ؟!! )
وأقول أنه بالفعل رد علمى ومنطقى , وأن أسلوبي فى ذكر هذه الأقوال ليس أسلوبا منصفا ولا علميا فمصر بالقطع هى المنتصرة وإلا لما انسحبت إسرائيل من أرضنا ..
ولكن هذا الرد المتوقع من الأستاذ الشهاوى لن يكون ردا منطقيا ــ مهما حمل من المنطق ــ لأنه روى واقعة حرق مكتبة الإسكندرية واتهم بها الفاروق وابن العاص رضي الله عنهما , بنفس هذا الأسلوب الذى استنكره ..
ولهذا نقول له أن العار الحقيقي أن نروج لإشاعات أعدائنا ونتجاهل المتخصصين فى كل مجال ونذهب لأى كتاب ــ أيا كان ــ وندعى أنه كتاب تاريخ معتمد ونلفق به التهم لرموز حضارتنا ..
وحتى يكون كلامى مبنيا على الأدلة نقول :
أولا : الأستاذ الشهاوى لم يرجع ــ كما ادعى ــ إلى مصادر التاريخ كما قال بل عاد إلى موسوعة وكيبديا ــ وهى أشبه بمزبلة معلومات لا يمكن لباحث أن يعتمد عليها كمصدر للمعرفة ـــ ونقل منها الفقرة التى فيها اتهام الحرق بنصها , ثم جاء يستدل بها وينسبها لمصادر التاريخ !!!
ثانيا : الرواية التى جاءت بها وكيبديا هى رواية مطعون عليها ولم ترد فى كافة مصادر التاريخ العربي والمصري , بل ولا حتى التاريخ الغربي ــ المعروف بأنه يمتلئ بالافتراءات على تاريخ الإسلام ــ بل وردت فقط فى كتاب واحد هو كتاب ( مختصر الدول ) , لمؤرخ يدعى (ابن العبري واسمه غريغوريوس أبو الفرج بن هارون ــ 623 – 685هـ = 1226 - 1286 م ) وهو مؤرخ لا قيمة له بين أهل التاريخ وكتبه ليست بها روايات مسندة أو حتى موثقة ,
والعار الحقيقي أن هذا المؤرخ ليس مسلما ولا مصريا بل أصله مالطى , وكان ينتسب للنصرانية , وعلماء المسيحية شككوا فى عقيدته لانتسابه لمذهب الفلاسفة , وكما قلت من قبل فإن روايته لا قيمة لها فى ميزان العلم ,
بل المفاجأة أن علماء التحقيق البريطانيون أسقطوا رواياته عن الاعتبار , وهو الوحيد الذى جاء بالرواية المكذوبة حول حرق عمرو بن العاص لمكتبة الإسكندرية , وعلماء دائرة المعارف البريطانية أوردوا روايته تلك , ثم عادوا فحذفوها من الطبعة الرابعة عشر بعد تبين كذبها بدليل أوضح من الشمس وهو أن مكتبة الإسكندرية تم حرقها قبل الفتح الإسلامى أصلا على يد الرومان ــ لا المسلمين ــ , وبالتالى فهى لم تكن موجودة فى عهد عمرو بن العاص !!
فهل هذه هى ( مصادر التاريخ ) التى عاد لها الأستاذ الشهاوى فى هذه الواقعة متجاهلا فى نفس الوقت مؤرخى مصر الإسلامية وفطاحلهم ومؤلفاتهم المطبوعة التى تخلو من أى إشارة لمثل هذه الحادثة مما دل بشكل قاطع على أنها حادثة مخترعة أساسا من هذا المؤرخ ولهذا ليس لها أصل فى التاريخ خاصة وأن هذا المؤرخ بينه وبين واقعة فتح مصر مئات السنوات أى أنه لا يملك رواية بمصدر معتمد وليس شاهدا للأحداث
ثالثا : أما ما يحز فى القلب , وهو العار الأكبر , أن من قام بالبحث والتنقيب فى المصادر كلها ــ بطريقة أهل العلم والتحقيق ــ وناقش هذه القضية نافيا ــ ليس فقط أكذوبة حرق مكتبة الإسكندرية من المسلمين ــ بل نفي كل إشاعات حرق الكتب التى نسبها أهل التزوير للإسلام ,
هذا الباحث هو الدكتور نبيل لوقا بباوى ــ أستاذ القانون الجنائي المصري ( القبطى ) وذلك فى مقال مشهور له بالأهرام بتاريخ 18 سبتمبر 2003 م ,,
وقال فى نهاية مقاله بالنص :
(في عهد عمر بن الخطاب في ربيع الثاني من العام السادس عشر من الهجرة في عام‏637‏ م تم فتح بيت المقدس‏,‏ وكان بيت المقدس به مكتبة كبيرة‏,‏ ولو كان من عادة المسلمين حرق المكتبات لحرقوا مكتبة بيت المقدس‏,‏ وكذلك تم فتح دمشق في العام الرابع عشر من الهجرة في عام‏635‏ م‏,‏ وكان بها مكتبة كبيرة‏,‏ ولم يتم حرقها‏,‏ وقد تم فتح دمشق بمعرفة أبو عبيدة بن الجراح والثابت كذلك أنه تم فتح الشام في العام الثالث عشر من الهجرة في عام‏634,‏ وكان بها مكتبة كبيرة ولم يتم حرقها فلم يكن من عادة المسلمين والعرب حرق المكتبات ففي أثناء غزوة يهود خيبر لنقضهم عقد الصحيفة في العام السابع الهجري في عام‏628‏ وبعد انتصار الرسول والمسلمين علي سلام بن مشكم زعيم خيبر كان من الغنائم صحائف التوراة وكتب اليهود أمر الرسول بتسليمها إلي يهود خيبر‏,‏ وهذا يدل علي أنه ليس من سياسة الإسلام حرق كتب ومكتبات الآخرين )
فكل الشكر للقبطى المصري العالم والمتحرى الذى لم يروج للإشاعات ضد تاريخ وطنه وأبناء وطنه من المسلمين , بينما ينتسب إلينا نحن من يري فى تاريخنا كله مهالك وحرائق ..
ونحن والله لا نطلب من هؤلاء فضيلة الحياء فى مجملها , بل نطلب بعضا من حمرة الخجل !