فيلم (حصان الحرب) .. رسالة انسانية ضد الابادة



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

محمود الزواوي
- فيلم «حصان الحرب» (War Horse) هو الفيلم الروائي الطويل الثامن والثلاثون للمخرج ستيفين سبيلبيرج، وهو أكثر مخرجي السينما نجاحا على شباك التذاكر في تاريخ السينما، كما تضم أفلامه العديد من الأفلام المتميزة. ويشمل رصيده السينمائي أيضا الإنتاج والتأليف والتمثيل والمونتاج. وهو من رواد المخرجين الذين استخدموا المؤثرات الخاصة في أفلام الخيال العلمي. كما قام خلال مشواره الفني الطويل بإنتاج أكثر من 120 عملا سينمائيا وتلفزيونيا، وحقق ثروة كبيرة وضعته في مصاف أكثر شخصيات هوليوود ثراء. وفاز ستيفين سبيلبيرج بمائة وتسع وعشرين جائزة فنية شملت ثلاثا من جوائز الأوسكار وثلاثا من جوائز الكرات الذهبية.

يستند سيناريو فيلم «حصان الحرب» للكاتب السينمائي البريطاني لي هول والكاتب السينمائي النيوزيلندي ريتشارد كيرتيس إلى رواية نشرت في العام 1982 من تأليف الكاتب البريطاني مايكل موربيرجو المتخصص في تأليف قصص الأطفال. كما يستند جزئيا إلى مسرحية «حصان الحرب» المبنية على تلك الرواية والتي عرضت على مسارح لندن ومسارح برودواي في نيويورك.
يجمع فيلم «حصان الحرب» بين الأفلام الحربية وأفلام الدراما وقصص الأطفال، وتقع أحداث قصة الفيلم قبل وخلال الحرب العالمية الأولى، وتبدأ في بريطانيا، حيث يعبّر الشاب ألبيرت ناراكوت (الممثل جيريمي إرفين) عن إعجابه بمهر أصيل يقوم والده تيد (الممثل بيتر مولان) بشرائه في مزاد علني، ما يسبّب خيبة أمل زوجته روز (الممثلة إميلي واتسون) والدة ألبيرت، التي ترغب في شراء حصان يستخدمه في الحراثة بمزرعته المستأجرة. ويتغلب في المزاد على صاحب المزرعة ليونز (الممثل ديفيد ثوليس) لكي يغيظه. ويطلق ألبيرت على الحصان اسم «جوي»، ويكرس وقته لتدريبه، ويعلّمه على الاستجابة لأصوات خاصة يقوم بإطلاقها. والحصان جوي هو الشخصية المحورية في القصة. وقد استخدم 14 حصانا لأداء دوره في الفيلم.
يعاني الأب تيد من إصابة بالغة في ساقه كان قد تعرض لها في حرب البوير بجنوب إفريقيا، كما يعاني من الإدمان على المشروبات الكحولية. وتعرض الأم روز على ابنها ألبيرت أوسمة والده من حرب البوير، بعد أن تخلص الأب من تلك الأوسمة. وبعد أن تقضي عاصفة مطرية على المحصول يضطر الأب لبيع الحصان لضابط في الجيش، دون أن يخبر ابنه ألبيرت بالأمر. ويقوم ألبيرت بتعليق أحد أوسمة والده على الحصان جوي قبل انطلاق الحصان مع الضابط إلى الحرب.
يحاول ألبيرت التطوع في الجيش، إلا أنه دون السن القانوني الذي يسمح له بذلك. ويلتحق الحصان جوي بالحرب في فرنسا مع الضابط الذي يلقى مصرعه في معركة مع القوات الألمانية التي تأسر الخيول، بما فيها جوي الذي يستخدمه الألمان مع حصان آخر لجر عربة إسعاف. ثم تكتشف الطفلة إميلي (الممثلة سيلين يوكينز) الحصان جوي في المزرعة التي تعيش فيها مع جدها (الممثل نيلز أريستروب) وتنجذب نحوه قبل أن يستعيده الجنود الألمان، ولكنها تحتفظ بالوسام المعلق على جوي.
تنتقل أحداث قصة فيلم «حصان الحرب» إلى العام 1918، حيث يكون ألبيرت قد جند في الجيش وانتقل إلى الجبهة الفرنسية، ويتعرض مع رفاقه لانفجار يؤدي إلى فقدان بصره. في غضون ذلك يفر الحصان جوي المصاب إلى الجانب البريطاني للجبهة. ويتصادف وصول ألبيرت إلى معسكر طبي للعلاج مع وصول الحصان جوي المصاب الذي يتخذ قرار من قبل القائد البريطاني بقتله. إلا أن ألبيرت يطلق صوتا يذكّر به حصانه القديم الذي يهبّ قائما ويتوجه نحوه. ويوضح ألبيرت للآخرين أنه قام بتربية جوي، ويقدم الدليل على أنه صاحب الحصان السابق، مع أنه لا يري في تلك اللحظة.
مع نهاية الحرب يستعيد ألبيرت نظره، ويكتشف أن خيول الضباط تعاد إلى بلادها الأصلية، ولكن الخيول الأخرى تباع بالمزاد. ومع أن رفاقه يجمعون بعض المال لمساعدته في استعادة الحصان جوي إلا أن رجلا مسنا هو جد الفتاة إميلي التي تكون قد توفيت يشتري الحصان جوي تكريما لذكراها ويرفض إعطاءه لألبيرت. إلا أن الحصان ينطلق نحو ألبيرت حين يراه. وعندما يتعرف ألبيرت على الوسام الذي يخرجه الجد من جيبه يسلمه الحصان ويعيد إليه الوسام.
ويختتم فيلم «حصان الحرب» بواحد من أكثر المشاهد السينمائية المؤثرة، حيث يلتقط المشهد الختامي ساعة الغروب، ونرى من بعد في الأفق شخصا وحيدا على صهوة جواد، ثم يقترب ويترجل ويعانق امرأة ورجلا يقومان بدوريهما باحتضان الحصان، فيما تصدح الموسيقى المرافقة معبرة عن الزخم العاطفي للمشهد.
يتميز فيلم «حصان الحرب» بقوة إخراجه على يد المخرج القدير ستيفين سبيلبيرج الذي تبدو لمساته الخاصة في المقومات الفنية المتميزة طوال عرض الفيلم. ويقدّم المخرج سبيلبيرج فيلما موجّها لجميع الأعمار ويشتمل على رسالة إنسانية ضد ويلات الحروب التي يعاني منها البشر والحيوانات الذين يتعرض ملايين منهم للإبادة. كما يتميز الفيلم بتصوير المعارك الواقعية التي تذكّرنا بمشاهد المعارك التي قدّمها المخرج سبيلبيرج في فيلمه الشهير «إنقاذ الجندي ريان» (1998) الذي فاز عنه بجائزة الأوسكار. ويصور الفيلم مشاهد الخنادق خلال المعارك على الطبيعة، بما فيها من وحل وصقيع. وقد تم نقل كميات كبيرة من الوحل إلى مواقع التصوير لإضفاء طابع واقعي على المشاهد. ويقدّم الفيلم الخيول وهي تعدو خارج الخنادق ويبدو عليها الفزع، ويصطدم بعضها بالأسلاك الشائكة التي تجرها وراءها، ما يعرّضها لإصابات بالغة.
ويظهر الفيلم براعة التمثيل التي يعزى جزء منها إلى الاهتمام التقليدي للمخرج سبيلبيرج بأداء ممثلي أفلامه. وأمضى عدد من ممثلي الفيلم شهرين في التدرب المكثف على ركوب الخيل. كما يتميز الفيلم بتطوير شخصيات القصة وببراعة التصوير للمصور البولندي يانوس كامينسكي والموسيقى التصويرية للموسيقار جون وليامز، اللذين رافقا المخرج سبيلبيرج في عدد كبير من أفلامه.
رشح فيلم «حصان الحرب» لأربعين جائزة سينمائية، وفاز بخمس منها شملت جائزة أفضل فيلم من معهد الأفلام الأميركي، وذهبت ثلاث جوائز للمصور يانوس كامينسكي. وحقق الفيلم 126 مليون دولار على شباك التذاكر، فيما بلغت تكاليف إنتاجه 66 مليون دولار.
يقدم فيلم «حصان الحرب» مثالا على ما يتطلبه إنتاج الأفلام الحربية من طاقات بشرية وكوادر فنية كبيرة. فقد استخدم فيه 5800 من ممثلي الكومبارس إضافة إلى عدة مئات من أبطال وممثلي الفيلم. أما على الجانب الفني فقد استخدم عدة مئات من الكوادر الفنية التي شملت 33 من فنيي ومهندسي المؤثرات الخاصة و80 في المؤثرات البصرية و53 في الماكياج و51 في القسم الفني و30 في قسم الصوت و49 من البدلاء و47 في التصوير والمعدات الكهربائية و32 في تصميم الأزياء و18 في المونتاج و13 في الموسيقى، بالإضافة إلى 19 من مساعدي المخرج.
http://www.alrai.com/article/26264.html