الحركة النسوية بين تأثيل المفهوم وأزمة المصطلح
بقلم:عماد موسى

تشيع في الادبيات العربية استعمال مصطلحات متعلقة بالمرأة سواء أكان ذلك في الكتابة الابداعية(شعر،قصة،رواية) أم كان في مجال االقضايا النسوية المطلبية، ومن ابرز هذه المصطلحات هي "النسائية،والنسوية" " ونتيجة لغياب التحديد الدقيق والكامل لمصطلح الكتابة النسوية، او النسائية وغياب الاطار النظري المصاحب لهذه المصطلحات فقد ساهم ذلك في شيوع مفاهيم مختلفة، هي: "المؤنث" و"النسوي" و"الانثوي" و"النسائي"والجنسوي" و"الجندري" ...الخ.

مما تمخض عنه اشاعة اجواء من التعتيم والضبابية حول هذه المصطلحات الامر الذي اوجد حالة من العطالة لالية الفهم والاستيعاب ،وقد افضى ذلك إلى حالة من الارباك والتخبط.نتيجة استخدام هذه المصطلحات - في الغالب- على عواهنها وفي غيرمواضعها.
من هنا تاتي اهمية " ضبط المصطلح، وتعيين حدوده ومجال اشتغاله الدلالي"
وقد كانت ولا تزال قضية ضبط المصطلح"من القضايا الاشكالية البارزة في المناهج النقدية الحداثية وما بعد الحداثية، وهي ترتبط بتعدد التيارات، والاجتهادات النقدية داخل النظرية الواحدة، وكذلك بتعدد المرجعيات التي تستند اليها هذه التيارات والمناهج في صياغة رؤاها ومفاهيمها وأدواتها، وكذلك فان هذه القضية لا تخصُّ النقد النسوي وحده، ولا تدل على ضبابية الرؤية وتباينها في حقل الممارسة النقدية النسوية فقط، بل هي تطال جميع المناهج والنظريات النقدية بتياراتها ومسمياتها المختلفة".

وفي سياق محاولات تأثيل المصطلح نكتشف كيف" عانت الكاتبات النسويات في الغرب من مشكلة تعريف كلمة النسوي وتحديد معناها الدلالي، فان الكاتبات العربيات واجهن نفس المشكلة، لاسيما على صعيد مصطلحي »النسوي«، و»الأنثوي« فقد رأت بعض الناقدات النسويات أن كلمة »النسوي« هي المصطلح الذي يجب استخدامه لتوصيف كتابة المرأة/ الكاتبة، في حين أن ناقدات أخريات طالبن باستبدال مصطلح النسوي، بمصطلح "الانثوي".
ونعرض في هذه العجالة تعريف بعض المصطلحات وهي:"الحركة النسوية الغربية": هي،الفلسفة الرافضة لربط الخبرة الإنسانية بخبرة الرجل وإعطاء فلسفة وتصور عن الأشياء من خلال وجهة نظر المرأة. وأما المتخصصون يفرقون بين النسوية والنسائية،فيرون ان :


النسائية: هي الفعاليات التي تقوم بها النساء دون اعتبار للبعد الفكري والفلسفي، وإنما بمجرد أنها فعاليات تقوم بها المرأة بينما يرون ان :
النسوية: تعبر عن مضمون فلسفي وفكري مقصود حسب التعريف السابق للحركة النسوية الغربية." nasser_225@hotmail.com

اما التعريف الأكاديمي للنسوية فهي:" منظومة فكرية أو مسلكية مدافعة عن حقوق النساء وداعية إلى توسيع حقوقهن. وقد عملت النسوية الكندية «لويز تزبان» على تعريف النسوية باعتبارها انتزاع وعي فردي في البداية ومن ثم وعي جمعي تتبعه ثورة ضد موازين القوى الجنسية والتهميش الكامل للنساء في لحظات تاريخية معينة."
وقد ارتأتينا أنه من الضرورة بمكان ،اجراء هذه المعالجة لهذه المصطلحات علها تساعدعلى الفهم وتساهم في التطويروتدرء التخبط، ففي البداية ،سنتطرق الى مفهوم الكتابة الابداعية (اي الادبية)وعن ذلك مصطلح الادب الانثوي-
يقول د.سعد العتابي حول ازمة المفهوم الذي يحيط بالادب المنتج من المرأة" إن الأقرب إلى الأصح هو مصطلح (الأدب الأنثوي ) وهو الأدب الذي تكتبه المرأة بوصفها أنثى تحاول إثبات وجودها وإنسانيتها وتفكيك خطاب الرجل الذي رسم صورة لها استلب بها إنسانيتها وقيد حريتها... فليس كل ما تكتبه المرأة هو أدب أنثوي إنما هو الأدب الذي تتخذه وسيلة تعبيرية، وجمالية تعبر من خلالها عن خصوصيتها ومشكلاتها وصدامها مع المجتمع في صراعها المرير من اجل تحقيق إنسانيتها وأنوثتها ."
وترفض الناقدة نازك الأعرجي من العراق، استخدام مصطلح الكتابة الأنثوية، لأن الأنوثة كمفهوم تعني نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيما تقوم به الأنثى، وما تتصف به، وتنضبط إليه
ولفظ الأنثى (يستدعي على الفور وظيفتها الجنسية، وذلك لفرط ما استخدم اللفظ لوصف الضعف والرقة والاستسلام والسلبية.وتتساءل الاعرجي عن اسباب تانيث الادب قائلة:
"لماذا الأدب النسائي أو النسوي، ولماذا هذا الإصرار على دلالة الإحالة إلى نسوية القلم، كصفة بيولوجية لنوعية الكتابة؟

فمنذ فترة، وقضية مصطلح " الأدب النسائي " تأخذ مكاناً واسعاً من الاهتمام، باعتبارها قضية ذات دلالة، ما بين مؤيد ومابين رافض، فهل جاء هذا التخصيص بعد أن كتبت المرأة بشكل مختلف عن السياق، أم أنه أمر يتعلق بالتنظيم فحسب.!
هناك من يتهم نص المرأة بأنه بقي مذكراً، فما قدمته من نتاج لايخولها أن تحجز مكانة متفردة، مادامت لم تحقق خصوصية ولم تقدم جديداً، حتى في قضايا المرأة وطرحها، إذ سبقها إلى ذلك عدد من الرجال الذين طرحوا قضية المرأة وعلى رأسهم قاسم أمين، وتلاه آخرون.."

ومن الجدير بالذكر إلى ان مصطلح الأدب النسوي قد دخل حقل التداول الثقافي، والنقدي العربي في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين، ولعبت الصحافة الأدبية دوراً هاماً في هذا المجال، إذ كانت أول من طرح المصطلح للتداول الأدبي ما جعل المصطلح يشير في دلالته الى الأدب الذي تكتبه المرأة، أي أنه ارتبط بمفهوم الهوية الجنسانية لكاتبة العمل، وقد كشف ذلك عن الفقر النظري والمنهجي- إن لم نقل غيابهما- الذي ترافق مع استخدام المصطلح، وكان من الطبيعي أن يؤثر ذلك على عملية استقبال المصطلح، والتعاطي معه، حتى ان الكثير من الكاتبات والكتاب العرب كانوا يضعون الأدب الذي تكتبه المرأة مقابل الأدب الذي يكتبه الرجل.".ويرى مفيد نجم ان موقف المراة الكاتبة من مصطلح الكتابة النسوية

توزعت"على ثلاثة مواقف:" أولها الموقف الرافض كلية له، وقد تميز هذا الموقف بالسرعة في رفض المصطلح منذ بدايات طرحه للتداول،
بسبب الحساسية الخاصة التي ولدها عند الجيل الذي استطاع أن يكرس حضوره الابداعي وشهرته الأدبية، كما هو الحال بالنسبة للأديبة غادة السمان
الموقف الثاني تمثل في الوسطية، فهو يقرّ من جهة بخصوصية التجربة التاريخية والاجتماعية التي عاشتها المرأة، وجعلتها أسيرة شرطها، ومن جهة أخرى يرفض ان تكون هذه الخصوصية نابعة من خصوصية طبيعية تلازم المرأة، وتشكل محددات للأدب الذي تكتبه،
أما الموقف الثالث فهو الذي تلقف المصطلح، وراح يتبناه في طروحاته، ويدافع عنه محاولاً توطويعه في الثقافة والأدب العربيين

المواقف النقدية النسوية العربية
لقد كان ظهور النقد النسوي في الغرب مترافقاً مع صعود الحركات النسوية الاجتماعية والسياسية والثقافية، وحاول هذا النقد رغم هجومه على النقد السائد باعتباره محكوماً بثوابت ومحددات نظرية ذكورية أن ينفتح على النظريات المابعد بنيوية، وأن يتمثل معطياتها ومفاهيمها وانجازاتها كالتحليل النفسي اللاكاني، والتفكيك،
وقد استخدمت النظريات والمناهج الخاصة بالنقد النسوي أربعة أنماط من الفروق هي:
البيولوجي، اللغوي، التحليل النفسي، والثقافي، وانشغلت هذه الأنماط الثلاثة في تحديد وتمييز خصائص ومميزات المرأة/ الكاتبة،"

ولذلك لابدّ من تحديد معناها لإزالة اللبس، أو التداخل بين حدود ومجال اشتغالها الدلالي بغية ضبط المصطلح، وتحديد معناها الدلالي والمفهومي، خاصة وان هذه الاشكالية حاضرة في اختلاف الناقدات النسويات على استخدام المفهوم الواصف للكتابة المرأة/ الكاتبة، حيث تلعب المرجعيات الفكرية التي، تستند اليها الناقدة النسوية دوراً أساسياً في تشكيل منظورها الى مفهوم الكتابة النسوية، وبالتالي في تحديد طبيعة الرؤية لهذه الكتابة والموقف منها، مع العلم أن هذه الاشكالية يواجهها النقد النسوي في الثقافتين العربية والغربية في الآن معاً.


استخلاص في الاستعمال للمصطلح"النسوي"
نظراً لشيوع استخدام مصطلح "الكتابة النسوية"، وكثرة تداوله عند الحديث عن الأدب الذي تكتبه المرأة، وفي النقد النسوي فإننا نؤثر استخدامه عند الحديث عن هذا الأدب، وعن ممثليه ورموزه، وسماته وآليات اشتغاله وتعبيره، خاصة وأن مفهوم النسوية لا يحيل الى أية دلالة جنسية، كما لا يتضمن أي معنى يتعلق بالصفات القارة المنسوبة الى مفهوم الأنوثة في الثقافة والمجتمع العربيين، مع التأكيد على أن الحمولة الدلالية لأي مصطلح أو مفهوم ترتبط بالمفاهيم النظرية العامة التي تقوم عليها أية نظرية، وتؤسس من خلالها لنسقها المفهومي والنظري والاجرائي الخاص بها."
"ما هو مفهوم (الجندر)؟
يقوم هذا المفهوم على "أساس تغيير الهوية البيولوجية والنفسية الكاملة للمرأة"، و يقوم أيضاً على "إزالة الحدود النفسية" التي تفرق بين الجنسين على أساس بيولوجي أو نفسي أو عقلي، كذلك يزيل الهوية الاجتماعية التي تحدد دوراً مختلفاً لكل واحد من الجنسين في الحياة وتمايزه عن الجنس الأخر.

فغالبا ما تؤثر التنشئة الاجتماعية والأسرية والبيئية التي يتحكم بها الذكر على الأنثىوالتي تعمل على تحديد دور المرأة في المجتمع فتنشئ تمييزاً جنسياً، فالأنثى اكتسبت خصائص الأنوثة بسبب التنشئة الاجتماعية و البيئية وبسبب المصطلحات اللغوية التي تميز بين الذكر والأنثى، التي أبرزتها كأنثى، بينما الذات الواحدة يمكن أن تكون مذكراً أو مؤنثاً حسب القواعد الاجتماعية السائدة، فلا توجد ذات مذكرة في جوهرها ولا ذات مؤنثة في جوهرها.

هذا الاعتقاد هو الذي قاد إلى فكرة (الجندر) أي النوع الاجتماعي باعتبار أنه إذا بقي الوصف بالجنس (ذكر وأنثى) لا يمكن أن تتحقق المساواة مهما بذل من محاولات لتحققها فلابد من إزالة صفة الأنوثة لتحقيق المساواة أو تخفيفها على الأقل لتخفيف التمييز وبناء على ذلك لا يقسم المجتمع على أساس الجنس ولا تقوم الحياة الاجتماعية ولا تؤسس العلاقات الاجتماعية على أساس الذكر والأنثى إنما يكون نوع إنساني (Gender)، وبذا تتخلخل هذه الثنائية الاجتماعية المكونة من المذكر والمؤنث." "


.