الاعتداءات اليهودية على المسجد الأقصى لتدميره

وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه

د.غازي حسين
ظهرت في الكيان الصهيوني بعد احتلال القدس الشرقية عدة منظمات يهودية تهدف إلى تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه ومنها «حركة أمناء الهيكل» التي تُعتبر من الحركات اليهودية الإرهابية الخطيرة، وتقوم نظريتها على استخدام الدين اليهودي وتسخيره في خدمة الأساطير والأكاذيب والأطماع السياسية والاقتصادية والاستيطانية للكيان الصهيوني، وأكدت الأحداث والجرائم التي ارتكبتها ضلوع السلطات الإسرائيلية في نشاطاتها وجرائمها.
وجاء «التنظيم السري اليهودي» في المرتبة الثانية بعد حركة أمناء الهيكل، حيث كشف كارمي غيلون رئيس الشاباك الأسبق في كتاب نشره محاولة ‍»التنظيم السري اليهودي» تفجير قبة الصخرة ومحاولة اغتيال رؤساء بلديات نابلس ورام الله والبيرة.
وقامت خطة تدمير المسجد الأقصى التي وضعها التنظيم السري اليهودي على قصف قبة الصخرة بطائرة عسكرية.
وتحدث رئيس الشاباك في كتابه عن وجهة النظر اليهودية لتدمير الأقصى قائلاً: «إن وجوده يشكل انتهاكاً لحرمة مكان مقدس، المكان الذي قام عليه الهيكلان»، وتناول الدوافع التي حدت بالتنظيم للتخطيط إلى تدمير قبة الصخرة وقال:
الأول: سياسي: أي أن العملية (الجريمة النكراء) ستؤدي إلى نسف عملية السلام مع مصر وتحول دون الانسحاب من سيناء.
والثاني: ديني وسياسي أي أن التفجير سيؤدي إلى اندلاع حرب مقدسة حيث يظهر يهوه في أعقابها لتخليص شعبه المحتار.
واستخلص رئيس الشاباك من التحقيقات التي أجراها مع أعضاء التنظيم السري الإرهابي أن فكرة تفجير قبة الصخرة في نظرهم ستحول دون إخلاء مستعمرة ياميت من سيناء وتضع حداً لمشروع الحكم الذاتي الفلسطيني، وإقامة دولة اليهود في كل فلسطين التاريخية.
وعمل هذا التنظيم الإرهابي مدة عامين للتوصل إلى استخدام مواد بالستية متفجرة، فقاموا بالتسلل إلى إحدى قواعد المدرعات في الجولان السوري المحتل، واستخرجوا المواد المتفجرة من داخل الصواريخ وأخذوها معهم.
علمت الأجهزة الأمنية بعزم هذا التنظيم على تدمير قبة الصخرة، فألقت القبض على أعضائه، لأن «إسرائيل» تعتقد أن الوقت الملائم لتدمير المسجد الأقصى لم يحن بعد.
وأكد رئيس الشاباك أنه في أعقاب اعتقال أعضاء التنظيم نشط لوبي سياسي داخل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بالعمل للدفاع عنهم، وبالفعل تم الإفراج عنهم جميعاً بعد أن صدرت الأحكام بحقهم من ثلاث سنوات إلى مؤيد.
وظهر أن المحكمة العليا الإسرائيلية لا تقل إرهاباً وعنصرية عن مثل هذه العصابات الإرهابية إذ أصدرت بتاريخ 6/7/1975 قراراً اعتبرت فيه أن ساحة المسجد الأقصى هو مكان مقدس للمسلمين واليهود معاً، وإن على وزير الأديان اتخاذ الإجراءات ووضع أنظمة وترتيبات ليمارس كل صاحب ديانة حقه بإقامة شعائره الدينية في المكان الذي يعتبره مقدساً لديه.
وجرت في الأول من أيار عام 1980 محاولة أخرى لنسف المسجد الأقصى عندما اكتشف بالقرب من المسجد أكثر من طن من مادة تي إن تي. وقد حوكم في هذه القضية الإرهابي مائير كاهانا.
ودخلت جماعات من حركتي أمناء الهيكل وحزب هتحيا في 21 آب 1986 ساحة المسجد الأقصى، وأقاموا الطقوس اليهودية بحماية الشرطة، وذلك خلال احتفال المسلمين بعيد الأضحى المبارك.
وقامت جماعة أمناء الهيكل في 17 تشرين الأول 1989 بوضع حجر الأساس لبناء الهيكل الثالث بالقرب من المسجد الأقصى.
وقال جرشون سلمون زعيم الجماعة «إن وضع حجر الأساس يمثل البداية، لقد انتهى الاحتلال الإسلامي ونريد أن نبدأ عهداً جديداً من الخلاص للشعب اليهودي».
واندلعت المواجهات في 24 أيلول 1996 عندما افتتح الصهاينة باباً ثانياً للنفق تحت المسجد الأقصى واستغرقت عدة أيام، واستشهد (80) عربياً على يد السفاح نتنياهو.
ودنس متطرف يهودي في 15 أيار 1998 المسجد الأقصى بإلقاء رأس خنزير مغلف بآيات قرآنية في باحة المسجد، كما تم إحراق مدخل رئيسي للمسجد الأقصى في الجهة الغربية منه.
ولا تزال دولة الاحتلال تواصل الحفريات في محيط وأسفل المسجد الأقصى لفرض واقع جديد يستبق نتائج مفاوضات الحل النهائي للقدس على الأقصى. وتؤثر الحفريات الجارية تحت أساسات المسجد الأقصى حتى حي البستان في سلوان، وتشكل اعتداءً صارخاً على أملاك الوقف الإسلامي في حائط البراق والأملاك الخاصة للمقدسيين.
كما أن جميع الحفريات التي قاموا بها لم تؤد إلاَّ إلى اكتشاف آثار إسلامية أموية أو بيزنطية أو رومانية، وليس هناك حتى حجر واحد يعود إلى الهيكل المزعوم.
إن عداء اليهود والكيان الصهيوني للمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية ينبع من الحقد والكراهية التي يضمرها اليهود للديانات الأخرى، وجاء جزء كبير من هذه الاعتداءات والانتهاكات والأطماع والتدمير والتهويد على يد مؤسسات حكومية رسمية.
ويعود مصدر هذه الممارسات والمواقف الهمجية إلى الطبيعة العدوانية والعنصرية والإرهابية المتأصلة في الأيديولوجية الصهيونية والتعاليم التوراتية والتلمودية التي رسخها كتبة التوراة والتلمود، والهوس الاستعماري والديني والعنصري التي أصاب الصهاينة ويطبع تصرفاتهم بطابع الكراهية والبغضاء لكل ما هو غير يهودي.
التراث اليهودي ـ المسيحي وتدمير المسجد الأقصى:
امتزج التراث اليهودي في الثقافة الأمريكية منذ بداية مرحلة الاستيطان الأوروبي على أيدي دعاة الفكر الطهوري البروتستنانتي المرتبط بالعهد القديم.
وانطلق هذا التراث من التركيز على العهد القديم، وقصص بني إسرائيل والإيمان بالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، والادعاء من أن خطة يهوه تتخذ من أرض الميعاد المزعومة مسرحاً لمملكته الألفية، والتي سيكون مركزها الهيكل في مدينة القدس.
ووصف الطهوريون أنفسهم في أمريكا ببني إسرائيل في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان. ولعب ويلعب التراث اليهودي ـ الصهيو مسيحي في السياسة الخارجية للمحافظين الجديد والحزب الجمهوري، والكنائس الأنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية دوراً أساسياً في سياسات الإدارات الأمريكية.
ويعتقد المسيحيون البروتستانت في الولايات المتحدة وبالتحديد الذين يطلقون على أنفسهم «التحالف المسيحي» إن عدو «إسرائيل» هو العدو رقم واحد للرب، وأنه لن يكون هناك سلام حتى يعود «المسيح» ويجلس على عرش داوود وتقوم مملكة «إسرائيل الكبرى» ويحكم العالم ملك من نسل داوود مدة ألف عام.
ويؤمنون أن يهوه يتوقع عودة اليهود إلى أرض كنعان كخطوة أولى، وإقامة دولة يهودية كخطوة ثانية، وأن عليهم ثالثاً التبشير لعقيدتهم بين الأمم، وأن نهاية العالم ستكون في معركة ‍»هيرمجيدو» (تل مجيدو بالقرب من حيفا)، وأنهم سوف ينتصرون في المعركة، وسوف يحكم المسيح العالم وهو جالس على عرش داوود.
ويتجاهلون مجيء السيد المسيح ولا توجد عودة ثانية لمجيئه في الكتب الدينية
وتؤكد الكاتبة الأمريكية جريس هالسل في كتابها «يد الله» هذه الهلوسات الدينية تقول: «إن القدرية تضع الدولة اليهودية وأفضليتها عند الله فوق الكنيسة وفوق تعاليم رئيسها السيد المسيح، وأن المسيح سيعود لإقامة مملكة يهودية، وأنه سيجلس على العرش في الهيكل الثالث بالقدس مترئساً الصلاة بأسلوب العهد القديم كتضحية بالبقر الأحمر».
وتعتبر المنظمات البروتستانتية التي تنضوي في إطار هذا التحالف «إن المدخل لنيل النعمة الإلهية مستحيل إن لم يمر بمحبة اليهود، والاعتراف بحقوقهم في استعادة «أرض إسرائيل التاريخية»، ويطالبون بإعادة بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى المبارك».



وتقوم «مؤسسة هيكل القدس» وهي جمعية بروتستانتية ومقرها مدينة دنفر الأمريكية بالعمل جنباً إلى جنب مع اليهود المتطرفين في القدس من أجل تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
وتؤكد الكاتبة جريس هالسل في كتابها المذكور أن الأصوليين المسيحيين في الولايات المتحدة مقتنعون أن عليهم مساعدة اليهود لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل واستئناف ذبح الحيوانات فيه من أجل إسعاد الرب.
وأوردت في كتابها أن تري ريزنهوفر، رئيس مؤسسة هيكل القدس قال لها أنه يجمع الأموال في أمريكا لمساعدة اليهود الذين يخططون لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه.
ويعتقد الأصوليون المسيحيون أن البحث عن المسيح يعني التصديق بعقيدة القدرية التي تقول أن الله يريد أن يرى الهيكل قد بني من جديد قبل أن يعيد المسيح إلى الأرض، وبالتالي على الأصولية اليهودية بالإسراع في تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث وإقامة إسرائيل العظمى.
ويؤكد الحاخامات والصهاينة العلمانيون منهم والمتدينون أنه لم يبق إلاَّ الفصل الأخير من مأساة «إسرائيل» وهو إعادة بناء الهيكل في موقعه القديم (المزعوم)، وإن الوقت قد حان لتدمير المسجد الأقصى.
وتحدثت الكاتبة الأمريكية عن زيارتها للقدس وقالت: «قال لنا مرشدنا السياحي الإسرائيلي وهو يشير إلى قبة الصخرة والمسجد الأقصى: هناك سيبني الهيكل الثالث، لقد أعددنا كل الخطط اللازمة للهيكل حتى إن مواد البناء جاهزة. وأكد المرشد السياحي أن الهيكل الثالث يجب أن يُعاد بناؤه في موقع قبة الصخرة، فالكتاب المقدس يقول بوجوب بناء الهيكل على أنقاضه».
وهكذا يظهر بجلاء أن المسجد الأقصى المبارك في خطر حقيقي لتدميره وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه على الرغم من تأكيد علماء الآثار الإسرائيليين عدم وجود أي أثر لليهود في القدس وبقية فلسطين.