الخروج الى العالم ارادة العزيمة ام عزيمة الارادة؟
بقلم: عماد موسى

"الخروج إلى العالم"عنوان لقصة من الادب الطفلي للكاتب هاي اون شين ترجمة غسان شبارو،وقد كان العنوان لافتا للإنتباه لأنه يطرح منذ البد اسئلة تتبطن العنوان وبعد الحفر على جدر العنوان يطل اول الاسئلة من هو الذي سيخرج الى العالم؟ ومن اي عالم؟ ومتى وكيف ولماذا اصلا سيخرج واين كان محبوسا؟ اهو كائن بشري، منفي في مكان قصي ام في مكان قريب؟ اهو كائن خرافي،ام جني،ام حيواني؟ في اي فضاء مكاني يقيم ؟
هكذا تقاطرت الاسئلة على ذهني قبل ان ابدأ بقراءة القصة الطفلية،وامعنت النظرفي العنوان وقلت لنفسي: ماذا لو ان هذا الذي يهم بالخروج الى العالم لم يتمكن من الخروج او أنه تراجع عن قراره فعاد ادراجه ولم يخرج، ماذا لو ينجح ولم يتمكن من الخروج؟ ماذا سيفعل؟ وبقيت اطرح الاسئلة ايمانا مني بأن السؤال البدئي كان (معرفيا،عندما رفض ابليس السجود الى ادم متسائلا ضمنيا ومجييبا على سؤال الخالق له: لماذا اسجد لادم فقال له خلقتني من من نار وخلقته من طين. في قوله تعالى : ( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ( 75 ) قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين( نننتقل من السؤال المعرفي الى معرفة السردية.
القصة تسرد حكاية طفل اسمه جون تعرض لحادث سير فاضطر ملازمة الكرسي المدولب والذي كان للحادث والكرسي اثرهما السلبي على ايقاع حياة الطفل فلم:" يعد يخرج من منزله بمفرده مطلقا" فالكاتب من البدء بتسطير أولى ا لكلمات في الحكاية يبدأ باختيار مفرداته للاحاطة البصرية بكلمة الخروج وللاحاطة البصرية للحالة الجديدة للطفل القابع على كرسي مدولب في بيته التي تتطلب بناء رؤية للخروج لهذا وظف الكاتب هذه الملفوظات التي تنتمي الى جذر لغوي واحد"خرج"(لم يخرج،عدم خروجه،في الخارج،خرجت، تحرك الى الخارج،باب المنزل الخارجي)يقابلها مفردات شحيحة تعبر عن الحالة الضدية (في الداخل،بقي وحيدا) ويخرجنا الكاتب من هذه الثنائية باتجاه العنوان "الخروج" على اعتبار ان كلمة خروج ودخول تحتاج الى مخرخ او مدخل مكاني،وهذه تتحقق عبر دخول حزمة من اشعة الشمس عبر"الباب المفتوح" الامر الذي مكن "جوني" من البدء بالتفكير في الخروج اولا من الباب وصولا للخروج من حالته حالة العجز والاستسلام،على"كرسي مدولب"،فالكاتب يقدم صورة مشهدية لجوني وهويسرح ببصره"من خلال فتحة الباب"حتى "تمكن "من رؤية الجبال والسماء" وهكذا يصطحبنا الكاتب مع جوني لوضعنا على عتبة التفكير للخروج من شرنقة الانزواء على الذات وفي الداخل المكاني"المنزل" و"الكرسي المدولب" و الانطواء النفسي عبر توظيف البصر لرؤية الخارج "العالم" وموجوداته وفضائه اللامتناهي.فاشعة الشمس فتحت مغاليق العتمة بالضياء،فانفتح الذهن على التفكير بالحركة، ومحاولة الخروج من الدائرة المدولبة في المنزل(حبس داخل حبس) للاقتراب اكثر من الباب بحيث يتمكن اكثر من الابصار بتركيز اكثر"وعندما حرك جوني كرسيه الى مسافة قريبة من الباب " تمكن من رؤية حلزون على شرفة المنزل الامامية،واعتقد جوني أن الحلزون ثابت لايتحرك،الا انه كان يتحرك ببطء شديد" .وهنا ينقل الكاتب فكرته الى المتلقي الطفل او القارئ بأن الحزون السجين قسريا داخل قوقعة يغادر القوقعة وهو مالكا لارادته بالمغادرة ويمشي بطيئا وئيدا ويقطع المسافة غير مستسلما فهو ليس في سباق مع كائنات اخرى او في سباق مع الزمن"فجملة الا انه كان يتحرك" جاءت معاكسة لاعتقاد جوني بانه ثابت لايتحرك،فهذا الثقل على ظهر لم يمنع او يحول دون رغبته بالحركة،فهذه الجملة"الا انه كان يتحرك ببطء شديد" نعتبرها جملة مفتاحية ينضوي تحتها عدد من الدلالات،منها:ان الارادة تمكن الكائن من زعزعزة الاحمال والاثقال وزحزحتها عن مكانها،واذا ما توفرت الارداة مع العزيمة فعندها يمكن لصاحبها ان يصنع حياته بيده،و من بين الكائنات فإننا " نرى الحلزون غير مبال بثقل القوقعة على ظهره ويمشي ويمارس حياته،،والسارد باختياره الحلزون نموذجا للحركة والخروج من القوقعة،يدفع جوني الى التساؤل"الى اين يذهب هذا الحزون حاملا على ظهره هذه القوقعة الكبيرة؟"
فهذا السؤال دفع بجوني الى استجماع قواه متعلما درس الارادة،ف"أطبق على قبضته بشدة قائلا: وأنا ايضا اريد الذهاب الى مكان ما" فالسارد يجعل من الحلزون كائنا دافعيا لتفجير ارادة الخروج والتحول من الثبات الى الحركة،فكان الحلزون دافعا لتغيير القرار بعدم ترك المنزل والبقاء فيه الى صناعة القرارلجوني بحيث تمكن من اتخاذ قراره بالخروج قائلا: وانا ايضا اريد الخروج الى مكان ما" متسلحا بارادة التغيير وبعزيمة التغيير وعدم الاستسلام للمصير.
وهكذا تمكن جوني من كسر قيود الزمن اذ"احتاج جوني الى سنة بعد الحادث ليقترب من باب المنزل الخارجي" وهنا تبدأ ملفوظات بالخروج ايضا من معاقلهامثل:"اريد الذهاب،تحرك جوني،دفع جوني،مر بجانبه،يركب..،سأذهب..،"فهذه المفوظات تحمل دلالات الحركة وهناك ملفوظات تحمل دلالات الارادة والعزيمة" قررالوصول..انه صمم على التقدم،مركزا.." ورغم صعوبة الخروج الا ان جوني دلف من الباب الخارجي محطما كل القيود المكانية والنفسية والجسمية، مع رحلة الخروج لم تكن سهلة"بالرغم من حجارة الطريق الناتئة جعلت تقدمه صعب،وان ذراعيه كانتا تؤلمانه بسبب دفعه الكرسي المدولب الى الامام، الا انه صمم..."
فالقصة تمتاز بلغة سهلة معبرة، وقادرة على حمل الرسالة بعناصرها الامتاعية والتربوية والتعليمية.