مع بزوغ الضياءِ الأوّل لفجرٍ حزينٍ طويلٍ لمغاني الحبائب ، تطوي السماءُ قِرابَ مدامعِها
لتسكبها على ضفاف المهجة الحرّى ، تستقصي حسرات الفؤاد المثخن بذكريات الصباح والمساء عهدَ كنّا نفترش
الدرابين بياسمين الربيع ومِسك كركرات الحالمين ، تطوّقنا آلامُ الحاضر وآمالُ المستقبل ،
وما كنتُ بالذي يعلم أنّ مَن ولدت بعدي تغتالها يدُ المَنون قبلي ، لأبقى رازحًا تحت وجاع ذكراها
:



طوبى لقلبِكِ يا أختاه فاحتملي
شكوى الفراق ، وحتّى ينقضي أجلي

هناءُ : يا بسمة الماضي وما حملت
روائح الودّ للأحبابِ والأهَلِ

طوبى لضعنٍ به الأنوار سابحةٌ
صافي السريرة ، أنقى من ندى المُقلِ

في لحظةٍ عندها ودّعتِ مجلسنا
مشتاقةً لرحيقِ الخلدِ والنُّزلِ

غريبةَ اللّحْدِ والتهجير ، صابرةً
قد أنزلوكِ ، ففاضتْ أعيُنُ الحَجَلِ

واحمرّ أفقٌ ، وأرخى الليلُ غربتهُ
ولا أبٌ أو أخٌ في الموْقفِ الجَللِ

لكنّما الروحُ يا أختاهُ سائحةٌ
لا بُعدَ يطوي سماها فانهضي وصِلي

ستلتقين بأمّي ، قبّلي يدَها
وبلّغيها سلامًا صادقَ القُبَلِ

هناء : يبقى وفاء الروح موردنا
به نطوف على مأواكِ ، فابتهلي

أن نأتسي دونما بَيْنٍ يفرّقنا
وأن تطيب معانينا بلا عملِ

يا أمّ أحمد : لن تخفى مباهجها
عهود بيعتك الكبرى مع الرُّسلِ

ذكرًا وفكرًا ، وعِرفانًا ومنزلةً
تزهو مداركها في أجمل الحُللِ

هناك تزدلف الخيرات يحملها
جناح رضوان ، يلقيها على مَهَلِ

روحي فداؤك ، والأشعار ما بلغت
عيون راحتها الشِّعرى ، إلى زحلِ

يا أمّ فاتن صبرًا أسعفي أرقي
ليل الوداع طويلٌ بالغ العللِ

وليرحم اللهُ مَن طول الدنا صحبت
أدواءَ قلبٍ رقيقٍ مشرق الأملِ

ودّعتُ رسمكِ لكنّي على ثقةٍ
بأنّ روحك قربي أيقظت جُمَلي