جيلُ غزة
وكان جيلاً على الغاصبين عسيراً !
يقظة الأجيال نفحة مباركة من نفحات الكبيرالمتعال ، وأعطية خيّرة تنعقد عليها الآمال ، وشارة عزّ تلوح فتقرّ برؤيتها العيون ، وبارقة أمل تُغمِضُ هنيئة بها الجفون ، وفي الوقت نفسه هي غصّة في نفوس العِدى ، وشوكة في خاصرة مَن اعتدى ، وحِصْنٌ حصين يمتنع بها الوطن فيدرأ بها بطش الباطشين ، ويقطع بها طمع الطامعين !
وأيّما أمّة أصيبت فيها أخلاق الجيل ، فأقم عليها المأتمَ والعويل ! ذلك أنّ التفسّخ الخُلُقيّ يحطّ أوجَ المَعالي !
في حين أنّ الجيل الرشيد هو درع الأمّة ، ومأرز الهمّة ، ومأزر النّعمة ، نعمة تُكشَفُ بها الغمَم ، وتُرتقُ بها الثلَم ، لتبقى الأمّة بحسنِ جيلها شامة بين الأمم !
وعليه : فكلّ جيل إمّا أن يكونَ لأمّته الفتيلَ والقنديل ، الذي تلتمس منه الأمّة ضياءً ونورا !
وإما أن يكونَ الرّمادَ الهامدَ الذي إن نفختَ فيه استحالَ هباءً منثورا !
وكذا إمّا أن يكون الجيلُ لأمّته الصارمَ المسلول ، الذي يُـتقى به في النائبات ! أو العلّة والمعلولَ الذي يخذل مُؤمّـله في المُلِمّات !
وآذكُرْ بهذا الصّددِ جيلَ غزة ، ذلكم الجيل الذي ترعرع على سجايا حسانٍ ، من قضايا إيمان ، وتهذيب وجدان ، فما تلبّث حين دعاه داعي نصرة الأوطان ، والذود عن حرمات المقدّسات وكرامة الإنسان ، ما تلبّث عن المرابطة في الميدان ، فهدَفَ نحرَه للعدوّ ، يصبو إلى العزة ويروم السموّ ، لا يريد الفسادَ في الأرض ولا العُلوّ !
جيلٌ راغم المحتلّين فأبطل بصموده بطش قواهم ، وحلّ عزائم هممهم فأوْهاهم ! ففقد الاحتلال القدرة على زلزلته فضلاً عن إزالته ! وأسقط في يده أن يجعله رهين زلّته ، أو أن ينجح في استزلاله !
وجماعُ القولِ في ذلكم الجيل : إنه كان زوبعة من نار أحرقت مخططات العدوّ ، فإذا هي كالحة وجوههم ، خائبة آمالُهم !
وكانَ قاصفاً من ريحٍ بعثر أوراق المحتلّ ، وفضح سياساتهم ، وأسقط عن وجوههم الكالحة أقنعتها ، وبدّد أماني تلك النفوس وأوهامَها !
جيل لبس لكلّ حالة لبوسَها ، حين ضرّائِها وحين بأسائِها وحين بؤسها!
ومن دونهم جيل ، وُضِعَ في مَرْمَى استهدافِ التضليل الفكريّ ، والتشويه النفسيّ ، والتميّع الخلقيّ ، والانحراف السلوكيّ ، من غاصبٍ دخيل ، ومتواطئٍ ضِلّيل !
يرومون من ذلك كله : نشوءَ جيلٍ يشوبه غبشٌ في التصوّر والقناعات، وتميّعٌ في القيم والولاءات، وتأرجحٌ في المشاعر والتوجّهات ، وانحرافٌ في البوصلات !
فغدا المطلوب إزاء ذلك كلّه تكاتف الجهود وتضافر المساعي ، لانتزاع هذا الجيل من بين أشداق الأفاعي ، وإلا انفتل هذا الجيل عن مقاصد أمّته ، وتحلّل من مسئوليّاته إذا ما دعاه للشهوات والنزوات داعٍ !!!
على أنه ينبغي أنْ يُختزن في ذاكرتنا ويرسخ في وجداننا أنّ كلّ كيان ظالمٍ باغٍ فهو إلى اندحار وزوال واندثار ، وإن تباعد مَدّه ، وتطاولت مُدَدُه ، وجَلّ مَدَدُه ، وزاد في الحصر عَـدَدُه !
فإذا جاء وعدُ الله فلن يغني عن تلكم الكيانات دعمُ الدّاعمين ، ولا رفد الرّافِدِين ...
فكما أنّ الجيل الذي تزرعه إرادة الرّحمن ، لا تخلعه يدُ الطغيان ، وإن تداعى لذلك الثقلان ، كذلك الكيان الذي أسّس بنيانه على شفا جرف هار لا يلبث أن ينهار !
فبذا جرت سنّة ربّ العالمين ، ولتعلمنّ نبأه بعد حين !