في القرآن الكريم وفي سورة البلد، يقسم الله سبحانه وتعالى بالبلد الحرام، وبوالد البشرية، وما تناسل منه من ولد، أنه خلق الإنسان في شدة وعناء من مكابدة الدنيا. فهل يظن الإنسان أن الله لن يقدر عليه؟ إذ يقول متباهياً: أنفقت مالاً كثيراً! فهل يحسب أن الله لا يراه؟ ثم يعدد الله سبحانه بعض نعمه على الإنسان من عينين يبصر بهما، ولسان وشفتين ينطق بها، كما إنه أوضح له طريقَي الخير والشر. فهلا تجاوز العقبة، وهي مشقة الآخرة. والذي يعين على تجاوزها عتقُ رقبة، أو إطعامٌ في يوم ذي مجاعة شديدة، يتيماً من ذوي القرابة، أو فقيراً معدَماً لا شيء عنده. ومع فعل أعمال الخير هذه فليكن من الذين أخلصوا الإيمان لله، وأوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله، وتواصوا بالرحمة بالخلق. فمن فعل هذه الأفعال فهم أصحاب اليمين، وأما الذين كفروا فهم أصحاب الشمال، وجزاؤهم جهنم مغلَقة عليهم.


فأي ترغيب أجمل من هذا في أن يقتحم الإنسان ويتخطى عقبة يوم القيامة بأن يبذل مما آتاه الله، فيعطي ذوي الحاجة من أقاربه والمساكين من غيرهم؟
إنها دعوة من الله العلي القدير للبذل في سبيله. وها نحن اليوم قد فُتحت أمامنا أبواب العطاء لإخواننا السوريين المشردين واللاجئين. فمن أراد اقتحام عقبة يوم القيامة فهذه من الفرص المتاحة، فمن شاء فليقلل ومن شاء فليكثر، على حسب السرعة التي يريد أن يتخطى بها العقبة.
وتبيّن الآية الكريمة (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) أن الإنسان عند الاحتضار يتمنى الرجعة لعمل الصالحات. لكن الآية الكريمة (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) تبيّن أنه يتمنى الرجعة لهدف واحد ألا وهو بذل المال ودفع الصدقات. والجواب معروف للجميع (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا).
ولعل السبب في تحديد هدف الرجعة بدفع الصدقة هو أن الإنسان في حالة قوته يصرفه الشيطان عن بذل الصدقات إذ يخوّفه بالفقر إن أنفق كما ورد في الآية الكريمة بعد الحض على الإنفاق (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) وكما فسر ذلك الحديث (جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، أَيُّ الصدقةِ أعظمُ أجرًا؟ قال: أن تصدَّقَ وأنتَ صحيحٌ شحيحٌ، تخشى الفقرَ وتأْمَلَ الغِنَى، ولا تُمْهِلُ حتى إذا بلغتِ الحلقومَ، قلتَ: لفلانٍ كذا، ولفلانٍ كذا، وقد كان لفلانٍ). ولذلك ورد التأكيد في أكثر من موضع (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ. وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).







--