(37)
محاولة يهودية لكسر إرادتي
بعد انكسار الكلبشة، وهجومي العنيف عليهم، تنبه المحققون أكثر إلى قوة جسدي، فأضافوا كلبشة أخرى في يدي، وكلبشة في قدمي، وأضافوا عدة أكياس على رأسي، وبدأت أشكال من التعذيب جديدة، لم أشهدها من قبل.
كنت لا أتبين عدد المحققين الذين يطبقون على جسدي، كنت قاعداً على الأرض، ويداي من خلفي، وكانت أجساد ثقيلة تسقط على رقبتي، فينثني ظهري تحت الثقل حتى يلامس رأسي الأرض، كنت أحس بركلات الأحذية التي تتوالى على ظهري، وكانت أوجع الركلات هي تلك التي تنحرف يميناً أو شمالاً في اتجاه الكلى.
تواصل في ذلك اليوم الضغط على رقبتي وكتفي، وتواصل إنحاء ظهري، بحيث لم أعد قادراً على رفع رأسي عن الأرض، وكان المطلوب هو عمودي الفقري.
وفي مساء ذلك اليوم، حين استنفذ المحققون طاقتهم، أحضر خبيثهم كلبشة إضافية، ربط طرفها بالكلبشة التي تقيد يدي، وربط طرفها الآخر بالكلبشة التي تقيد قدمي، بحيث يظل ظهري مشدوداً إلى الخلف، وتركوني على هذه الحالة مع هواجسي في غرفة التحقيق، حتى صباح الخميس الموافق 20/6، حين بدأ المحققون يهيئون أرض الغرفة لجولة جديدة.
كنت أجلس على الأرض، وأرجلي ممدودة، حين وضع أبو ربيع الكرسي على كتفي، وجلس فوقه، كان ظهري منحنياً تحت الضغط، حتى أوشك رأسي أن يصطدم بالأرض، وكانوا يسخرون مني مع الهزات المتواصلة للكرسي، ومع تواصل الضغط على عمودي الفقري، كان السؤال الذي يتسلل إلى أذني: اعترف يا فايز.
وقت الظهيرة رفع المحققون جسدي عن الأرض، وأجلسوني فوق طاولة، وأمسك بعضهم بساقي على سطح الطاولة، وتم تثبيتهما بقوة، وراح آخرون يثنون ظهري بالعكس في اتجاه الأرض، إنهم يكسرون ظهري بشكل متعمد.
وكلما ازداد الضغط، كنت أشعر أن عمودي الفقري قد التصق ببعضه، فأحاول استغلال طول جسدي بالاتكاء على رأسي، للتخفيف من وجع الظهر، وكنت أحاول التملص، فازحزح جسدي قليلاً عن الطاولة إلى الخلف، حتى تلامس كتفي الأرض، فأشعر ببعض الراحة.
ظل يومي يتأرجح بين ثني ظهري إلى الخلف من خلال تعذيب الطاولة مرة، وبين ثني ظهري إلى الأمام من خلال تعذيب الكرسي مرة أخرى.
حتى إذا جاء المساء، انتهت مقاومة جسدي نهائياً، وصار لا يشعر بما يفعلون.
في البداية، ظن المحققون أنني أمثل دور الضحية، فكبوا فوق رأسي الماء، وركلوني بأقدامهم، حاولوا استنهاضي بالقوة، ولكن دون جدوى، صار جسدي جثة هامدة.
ولما أدرك المحققون حقيقة حالتي، حاولوا انتزاع الاعتراف من خلال الشفقة، حاولوا الضغط النفسي من خلال نقلي إلى الطبيب، ومعالجتي على وجه السرعة، ولكن أذني أغلقت عن السمع، وأطبقت شفتي عن الكلام، وظل لساني نظيفاً، لم يتلوث بالاعتراف.
تركني المحققون مقيداً على هذه الحالة حتى صباح الجمعة 21/6، ولكن جسدي ظل ممداً في غرفة التحقيق كما تركوه أول مرة، لقد رفض النهوص رغم توسلي إليه.
كنت لا أقوى على تحريك أي جزء من جسدي، فإن حاولت تحريك رأسي قليلاً، أو حاولت تحريك يدي أو قدمي، كان الألم يصرخ كالسكين المنغرز في عمودي الفقري.
في صباح ذلك اليوم، حملني الجنود الإسرائيليون لأول مرة على نقالة، وأوصلوني إلى طبيب السجن، الذي تحقق من حالتي الصحية، وأعطاني حقنه في العضل.
ظلت جثتي ممدة على أرض المسلخ طوال يومي الجمعة والسبت، لم يحركها إلا الممرض الذي أعطاني حقنة ثانية في العضل، ربما خففت من حدة الألم.
لم أكن أعرف أن عمودي الفقري قد كسر عمداً، ولم أكن أصدق في ذلك الوقت أنني صرت مقعداً، وأن هذه الحالة ستلازمني عدة سنوات في السجن، حتى تاريخ 22/7/1991، حين أجرت لي الدكتورة اليهودية ليئة شيفر، عملية جراحية في مستشفى أساف هروفيه.
يتبع