المخطوطات الإسلامية في جمهورية أوزبكستان
المخطوطات الإسلامية في جمهورية أوزبكستان
بحث كتبه أ.د. محمد البخاري: مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية في العلاقات الدولية. أستاذ مادة التبادل الإعلامي الدولي بقسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانونية، بكلية العلاقات الدولية والإقتصاد بالجامعة، بمشاركة أ.د. تيمور مختاروف عميد الماجستير بجامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية. بتاريخ 1/2/2001، ونشر في صحيفة الإتحاد بأبو ظبي في العددين الصادرين يومي 11/3 و 13/3/2001.
مخطط البحث: سطور من تاريخ أكبر معاهد المخطوطات في أوزبكستان؛ جهود أبناء المنطقة للحفاظ على تراث أجدادهم قبل الاستقلال؛ سطور من تاريخ المخطوطات في أوزبكستان؛ مجمع العلوم بجمهورية أوزبكستان والمخطوطات؛ جهود المعهد في جمع المخطوطات؛ مكتبة المخطوطات؛ الجهود المبذولة لتحقيق المخطوطات؛ التعاون الدولي لتحقيق المخطوطات الإسلامية في أوزبكستان؛ تراث الأجداد وليس المخطوطات الشرقية!؛ النظرة الجديدة من تحقيق تراث الأجداد؛ مراجع البحث.
عند الحديث عن المخطوطات الإسلامية الهامة في جمهورية أوزبكستان، لابد من أن يبدأ الحديث من النسخة الوحيدة والأصلية من مصحف عثمان بن عفان (رض) المحفوظة في مكتبة الإدارة الدينية، والتي يحتاج الحديث عنها إلى دراسة خاصة. ومعهد أبي ريحان البيروني للإستشراق التابع لمجمع العلوم بجمهورية أوزبكستان، الذي سنتناوله بالحديث في هذه الدراسة، والذي يعتبر من أغنى وأشهر المؤسسات العلمية في عالم اليوم التي تحتفظ بنفائس التراث العلمي والأدبي المكتوب بلغات الشعوب الإسلامية.
سطور من تاريخ أكبر معاهد المخطوطات في أوزبكستان: وكان المعهد قد تأسس في عام 1943 كمؤسسة للبحث العلمي المتخصص، بديلاً عن قسم المخطوطات الشرقية الذي أحدثته سلطات الإحتلال الإمبراطورية الروسية، في المكتبة العامة بطشقند عاصمة تركستان الروسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان لذلك القسم الفضل الكبير بجمع وحفظ ودراسة المخطوطات النفيسة التي كانت تعج بها المكتبات الخاصة ومكتبات المدارس الإسلامية (مصطلح مدرسة استخدم في تركستان بمعنى مؤسسة للتعليم العالي، بينما لم يزل يطلق على المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية في المنطقة حتى اليوم إسم "مكتب") المنتشرة في مدن وقرى ماوراء النهر (آسيا المركزية اليوم) قبل إجتياح جيوش الإمبراطورية الروسية للدول التي كانت قائمة في ماوراء النهر آنذاك. والهدف طبعاً من الإصلاحات الثقافية ونظام التعليم في المناطق المحتلة هو خدمة أهداف الإحتلال والضم والسلطات الإستعمارية فيها، والقضاء المخطط والمنظم على المؤسسات الثقافية، ومؤسسات التعليم التقليدية فيها، لتحل مكانها بالتدريج المؤسسات الثقافية ومؤسسات وأنظمة التعليم الإستعمارية.
وعرف المعهد في بداية تأسيسه باسم "معهد دراسة المخطوطات الشرقية"، وسرعان ما تبدل فيما بعد ليصبح في عام 1950 "معهد المخطوطات"، إلى أن استقر أخيراً في عام 1957 على اسمه الحالي وهو "معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق".
جهود أبناء المنطقة للحفاظ على تراث أجدادهم قبل الإستقلال: ورغم اختلاف أهداف تأسيس المعهد التي رمت إليها سلطات الإحتلال الإمبراطورية الروسية وهي تكريس الإحتلال وتثبيت جذور السلطات الإستعمارية والإستيطان في المنطقة، وأهداف السلطات السوفييتية من بعدها، تلك السلطات التي تابعت سياسة الخداع والتمويه وإخفاء الأغراض الحقيقية على الشعوب الإسلامية الخاضعة لسلطتها. فقد استطاع المعهد منذ تأسيسه وحتى اليوم، أن يكون مدرسة علمية حقيقة وجادة تهتم بدراسة التراث الأدبي والعلمي المخطوط لشعوب آسيا المركزية، والشعوب الإسلامية بصورة عامة، والمحافظة على التراث الضخم الذي تم جمعه من التلف والضياع، وتمكن المعهد من دراسته وإصدار ونشر الدراسات عن المخطوطات المحققة، وإعداد القوائم البيبليوغرافية للمخطوطات التي يحتفظ بها حتى اليوم، وتصويرها على شرائح شفافة تسهل عملية نقلها واسترجاعها ودراستها بفضل الرعاية التي حرص عليها العاملون في المعهد من أبناء المنطقة إنطلاقاً من إدراكهم للهدف العلمي الجليل الذي أؤتمنوا عليه، وكأنهم كانوا على موعد مع القدر لتستخدم تلك الآثار الأدبية والعلمية والتاريخية النفيسة المحفوظه في المعهد لإعادة كتابة تاريخ الشعب الأوزبكي، وشعوب المنطقة اليوم بعد استقلال جمهورياتها الخمس (أوزبكستان، قازاقستان، تركمانستان، قرغيزستان، طاجيكستان)، والإسهام في تسليط الضوء على حقائق تاريخ شعوب آسيا المركزية عبر القرون، وإحياء تاريخ الدولة الإسلامية التي كانت في أوج ازدهارها يوماً ما، واستخلاص العبر من دروس وأسباب إنهيار تلك الدولة، في دراسات مبنية على أسس علمية متينة وواضحة ماكانت لتتم لولا ذلك الكنز التراثي الضخم الذي يحتفظ به معهد أبي ريحان البيروني إلى اليوم.
وبالفعل قام أتباع تلك المدرسة العلمية المتميزة عن مدارس الإستشراق الأخرى في العالم، من حيث الأهداف والمرامي، بأبحاث علمية شملت مختلف الإتجاهات العلمية، من التاريخ، إلى الأدب، وتاريخ العلوم، والثقافة، والمجتمع. مستمدة من تلك المخطوطات التي خلفها وراءهم علماء وجهابذة القرون الوسطى في آسيا المركزية وأنحاء أخرى من العالم الإسلامي.
حيث قام المعهد بإصدار نشرات، وفهارس تحدثت بشيء من الشرح والتفصيل عن تلك المخطوطات الأثرية التي تعتبر من المصادر العلمية النادرة، وهو ماتعترف به المراكز العلمية الأخرى في العالم، والأوساط العلمية المهتمة بدراسة تاريخ التراث المكتوب للشعوب الإسلامية في كل مكان. ونتيجة للجهود العلمية المخلصة واعترافاً من الأوساط العلمية بتلك الجهود الكبيرة، حصل المعهد في مطلع الثمانينات من القرن العشرين، على جائزة أبو علي حسين بن سينا الدولية، التي أسسها الإتحاد السوفييتي السابق.
سطور من تاريخ المخطوطات في أوزبكستان: وتذكر المصادر التاريخية الحديثة أن أول ذكر لمجموعات التراث العلمي والأدبي المخطوط المحفوظة في أوزبكستان اليوم، يرجع لسبعينات القرن التاسع عشر، الذي يصادف تاريخ تأسيس أول مكتبة عامة في طشقند بعد الإجتياح والإحتلال الإمبراطوري الروسي لأجزاء شاسعة من تركستان. وضمت المكتبة بين أقسامها المختلفة قسماً خاصاً "للمخطوطات الشرقية" كما سبق وأشرنا، والمقصود "بالمخطوطات الشرقية" هنا عند المستشرقين الروس الدول الواقعة شرق أوروبا، أي العالم الإسلامي، والقارتين الآسيوية والإفريقية، فجاءت التسمية "الإستشراق" رغم وقوع أوزبكستان في دائرته، لأن الإستعمار في تلك المرحلة كان في أوج إزدهاره، والدول الإستعمارية ومن بينها الإمبراطورية الروسية تتطلع للمزيد من المستعمرات في الشرق المغلوب على أمره، والإستشراق كان واحداً من أدواته ووسائله الناجعة وأسلحته.
وهنا لابد من أن نشير إلى حقيقة تاريخية لاتقبل الجدل، وهي أن تقاليد إقامة المكتبات العامة والخاصة وجمع والمحافظة على المخطوطات، فيما وراء النهر، كغيره من أجزاء العالم الإسلامي، تمتد بجذورها إلى فجر الإسلام والقرون الوسطى حيث شهدت ماوراء النهر حضارة إسلامية مزدهرة. وتذكر المصادر التاريخية لتلك الحقبة الزمنية من تاريخ العالم الإسلامي، المكتبات الغنية التي تركتها الدولة السامانية (204-395/819-1005)، والدولة الغزنوية (366-582)، والدولة التي أسسها الأمير تيمور (771-912/1370-1506)، واستمر بها أحفاده من بعده وعرفت بدولة التيموريين، حتى سقطت آخر دولها في الهند على أيدي الغزاة الإنكليز في نهاية القرن التاسع عشر، والدولة الشيبانية (905-1007/1500-1598). وفي المدن الإسلامية العريقة بخارى شريف، ومرو، وسمرقند، وغزنة، وهيرات، وغيرها من الحواضر الإسلامية الشهيرة.
وشهدت الفترة التي امتدت مابين القرنين 17 و 19، في آسيا المركزية تشكل ثلاث دول، هي: إمارة بخارى، وخانية خيوة، وخانية قوقند)، جمعت فيها المخطوطات في مكتبات القصور والمدارس، وفي مكتبات العلماء والمهتمين كمجموعات خاصة. وقد تعرض أ.أ. سيميونوف، لتاريخ تشكل مجموعة التراث المكتوب والمخطوطات النادرة لدى معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق بإسهاب، في مقدمة المجلد الأول من فهرس "مجموعة المخطوطات الشرقية".[1]وتحدث عن تلك المجموعة بإسهاب كذلك كلاً من س. عظيم جانوفا، ود.غ. وفورونوفسكي في مقالاتهما الشاملة،[2] إضافة لمقالات أ. أورونباييف،[3] وك. منيروف وغيرهم.[4]
وفي عام 1889 صدر فهرساً صغيراً لتلك المجموعة التي كانت صغيرة أيضاً تحت إسم "مخطوطات مكتبة تركستان العامة: باللغات الفارسية، والعربية، والتركية"، وضعه ي. ف. كاليم. وضم شروحاً لـ 87 مجلداً فقط، إضافة لـ 126 عنوان كتاب مخطوط، تحدثت كلها بشكل خاص عن تاريخ تركستان، وإيران، والهند، توزعت إلى 78 مخطوطة باللغة الفارسية، و19 مخطوطة باللغة العربية، و29 مخطوطة باللغة الأوزبكية القديمة المكتوبة بالحرف العربي، قبل إنتقال اللغة الأوزبكية إلى الحرف اللاتيني، فالحرف الروسي، إلى الحرف اللاتيني بالتدريج بعد الإستقلال.
وفي عام 1895 تم في طشقند تأسيس نادي تركستان لهواة الآثار، الذي ضم في عضويته بعض المستوطنين الروس المهتمين بالمخطوطات وجمعها من أيدي أبناء المنطقة. وتسلم هذا النادي في عام 1898 محتويات مكتبة محمد علي خليفة (دوكتشي إيشان) الخاصة، الذي أعدمته سلطات الإحتلال الإمبراطورية الروسية وصادرت ممتلكاته، وكان من بينها مكتبته التي احتوت على 194 مخطوطة، سلمت فيما بعد لمكتبة تركستان العامة.
وأخذت مجموعة المخطوطات تلك بالإزدياد ولكن ببطء شديد، وضمت مخطوطات قيمة، من بينها نسخة من "جامع التواريخ" لرشيد الدين، التي نسخت أثناء حياته، وكانت من ضمن مجموعة جوره بيك، و "ظفر نامة" لشرف الدين علي يزدي، المزركشة بمنمنمات رائعة، التي كانت من ضمن مجموعة قاضي محي الدين في طشقند، التي سبق وعرضها في العاصمة الفرنسية باريس عام 1897.
وبعد وصول البلاشفة إلى السلطة في روسيا، واحتلالهم لإمارة بخارى آخر دولة إسلامية مستقلة في تركستان، وقيام الإتحاد السوفييتي السابق. جرى تبدل ملموس في السياسة التي اتبعها الروس منذ بدايات اجتياحهم للمنطقة. وتبدلت سياسة عدم التعرض للأديان إلى حرب شعواء شنها الشيوعيون ضد الدين، وبدأت حملة واسعة لمصادرة وإتلاف الكتب الدينية، ومعاقبة كل من يحاول إخفاءها. وتوجت تلك الحملة باستبدال الحروف العربية المستعملة آنذاك في الكتابة إلى الحروف اللاتينية. وأصدرت السلطات السوفييتية قراراً في نيسان/أبريل عام 1933، يقضي بحصر جهات استلام المخطوطات الإسلامية المصادرة أم المقتناة بجهة واحدة هي المكتبة العامة. ومنذ ذلك التاريخ بدأت عملية حصر وجمع المخطوطات من جميع أنحاء أوزبكستان وحفظها في المكتبة العامة بطشند. فوصل من بخارى جزء من مجموعة المخطوطات الخاصة التي كان يملكها محمد بارس قبل وفاته في عام 822/1419.
ومن المجموعات الخاصة التي تسلمتها المكتبة العامة في عام 1934: مجموعة المخطوطات التي كان يملكها رحمانوف وضمت 148 مجلداً مخطوطاً، ومجموعة أ. فطرت الخاصة وضمت 150 مجلداً مخطوطاً، وكان من بينها مجموعة نادرة من المخطوطات النفيسة، والنسخة النمنغانية لـ"كوداتغو بيليك" التي خطها يوسف خاص حاجب بالاساغوني في القرن 11 الميلادي، وكانت حتى تاريخ تسليمها غير معروفة للمستشرقين السوفييت والأجانب.
وفي نفس العام 1934 أيضاً تسلمت المكتبة مجموعة المخطوطات الخاصة التي كان يملكها خ. ظاريبوف وضمت 40 مجلداً مخطوطاً، وفي عام 1936 تسلمت المكتبة من ورثة الكتبي البخاري شرف جان مخدوم "ضياء" الذي توفي في عام 1935، مجموعة من المخطوطات القيمة بلغت مجموعها حوالي 300 مجلداً مخطوطاً، ومن بينها كانت مخطوطة كتاب ("شرف نامة إي شاهي" - "عبد الله نامة") التي كتبها حافظ تانيش البخاري في القرن 16، و("مجموعي مراسلات" - "مجموعة رسائل")، كانت قد وجهت إلى قصر التيموريين في هيرات، وخاصة للشاعر الكبيرعلي شير نوائي. إضافة لفهرس كتبه شريف جان مخدوم بخط يده واحتوى على معلومات كاملة عن مجموعته من المخطوطات. وشمل قرار تركيز تواجد وحفظ المخطوطات في قسم المخطوطات الشرقية بالمكتبة العامة الحكومية بطشقند، ومعهد أوزبكستان للبحوث العلمية بمدينة سمرقند، ومكتبات إمارة بخارى، وخانية خيوة وغيرها، التي قامت بدورها أيضاً بتسليم مابحوذتها من المخطوطات الإسلامية، إلى قسم المخطوطات الشرقية بالمكتبة الحكومية العامة بطشقند. ولانعتقد بأن أحداً يختلف معنا في أن لتلك الخطوات التي اتبعت آنذاك، فضل كبير في حفظ ذلك التراث الإسلامي الكبير من العبث والضياع والتلف، وما كنا لنستطيع تسميته اليوم وبحق كنز كنوز المخطوطات الإسلامية في العالم.
مجمع العلوم بجمهورية أوزبكستان والمخطوطات: وبعد تأسيس المجمع العلمي في جمهورية أوزبكستان عام 1943، زاد الإهتمام بالمخطوطات التراثية في الجمهورية. ولكن الإهتمام هذه المرة كان من الناحية الأكاديمية البحتة. فأنشأ المجمع العلمي لهذا الغرض معهداً لدراسات المخطوطات الشرقية في نفس العام، وتبعته جملة من الإجراءآت الهامة وجهت ليس للحفاظ على التراث المكتوب ودراسته وحسب كما كانت الحال في السابق، بل لترميم تلك المخطوطات وإصلاح مافسد منها بفعل الإنسان وعامل الزمن إضافة لدراستها، والأبعد من ذلك التوسع في جمع الجديد والمزيد منها عن طريق الشراء المباشر من المواطنين، بعد أن زال الخوف من العقاب الصارم الذي كان يتعرض له كل من يعثر بحوذته أي كتاب أو مخطوط ديني كتب باللغة العربية أو بالحروف العربية، كما كانت الحالة في السنوات الأولى للسلطة السوفييتية بفعل السياسة المعادية للأديان، والتي كانت السبب المباشر لفقدان أعداد هائلة من الكتب المخطوطة التي اعتاد السكان الإحتفاظ بها في بيوتهم. وحدث هذا عندما شنت السلطات السوفييتية حملتها الشعواء ضد الدين ورجال الدين، وأماكن العبادة في تركستان المحتلة، ضمن الجهود التي بذلتها لفرض سيطرتها والحكم السوفييتي الجديد على مستعمرات الإمبراطورية الروسية السابقة والتوسع عن طريق كسب المزيد منها، عندما أقدمت على احتلال إمارة بخارى عام 1920. وهنا لابد من الإشارة إلى ناحية هامة من تاريخ الإستشراق الروسي في تلك المرحلة، والذي كان منصباً أساساً على خدمة المصالح الإستعمارية كما سبق وذكرنا، إضافة لخلق الأرضية التي احتاجتها سلطات الإحتلال السوفييتية لإحكام قبضتها على المنطقة عن طريق التقسيم، تحت ستار حجج واهية ومنها الفرز القومي وحق تقرير المصير لشعوب المنطقة ! والتي كان من ثمارها الجمهوريات المستقلة الخمس المعروفة اليوم.
جهود المعهد في جمع المخطوطات: ومن أجل الحصول على المزيد من المخطوطات، قام المعهد بتنظيم حملات سنوية، على شكل إرسال بعثات من العاملين في المعهد إلى مختلف ولايات الجمهورية، للبحث عن مخطوطات جديدة بقيت سليمة في حوذة السكان واقتنائها منهم عن طريق الشراء، وشملت جهود البحث والإقتناء في تلك المرحلة ليس المخطوطات القديمة وحسب، بل ووسعت لتشمل المطبوعات المطبوعة في المطابع القديمة بتقنية الطباعة على الحجر. ولم تزل اللجنة الدائمة لاقتناء المخطوطات والمطبوعات الأثرية في معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق قائمة حتى اليوم. رغم تبدل الظروف الإجتماعية والإقتصادية بعد الإستقلال، وحصول المواطنين وللمرة الأولى منذ أكثر من قرن من الإحتلال، على حرية التنقل والإنتقال والسفر التي يتمتع بها الشعب الأوزبكستاني اليوم، وبعد الستار الحديدي القاتم الذي فرضته السلطان السوفييتية عليه حوالي الثمانية عقود متتالية، حرمت خلالها الأوساط العلمية والأدبية والثقافية من إقامة أية صلات مباشرة مع إخوتهم في العقيدة، وكانت كل الصلات محكومة من قبل موسكو وعبرها فقط. ولكن الوضع الجديد بعد الإستقلال أدى إلى تسرب المزيد من المخطوطات الهامة التي كانت لم تزل في حوذة المواطنين إلى الخارج، سعياً من أصحابها للحصول على المال دون تقدير للآثار السلبية الكبيرة على التراث الثقافي الوطني وضياع تلك الآثار القيمة التي بحوذتهم، وانتقالها من موطنها الأصلي كسلعة يستخدمها تجار ومهربي العاديات لتلبية حاجات المترفين من الهواة في العالم الغني والدول المتقدمة، بدلاً من معاهد البحوث والدراسات الإسلامية.
ورغم الإنخفاض الواضح والمتصاعد في أعداد المخطوطات والكتب الأثرية التي يقتنيها المعهد اليوم، يلاحظ أن لجنة المقتنيات تصادف في عملها اليوم بعض المخطوطات النادرة، ومن بين تلك المخطوطات الهامة التي اقتناها المعهد خلال السنوات الأخيرة: النسخة الكاملة من "القانون في الطب" وتضم الكتب الخمسة التي تعتبر من أهم أعمال الشيخ الرئيس العلامة حسين بن سينا، وتعود فترة نسخ تلك المجلدات إلى بدايات القرن 14 الميلادي. ونسخة من كتاب "كالاندار نامة" الذي يشرح نظرية التصوف، نسخ خلال القرن 14 الميلادي أيضاً، و"ديوان أصلي" الذي يتضمن مجموعة شعرية للشاعر الخوارزمي مؤنس، تم نسخه في القرن 19 الميلادي.
مكتبة المخطوطات: وتحتوي مكتبة المخطوطات في المعهد وحدها اليوم أكثر من 18 ألف كتاب مخطوط قديم، من بينها حوالي 40 ألف نسخة كتبت بالحروف العربية وباللغات العربية، والفارسية، والتركية، خلال الفترة الممتدة مابين القرنين 10 و20 الميلاديين. إضافة لمجموعة كبيرة من الوثائق الرسمية، تضم أكثر من 3000 نسخة أصلية من الوثائق الرسمية، ووثاثق الوقف الإسلامي، والدعاوي الشرعية وغيرها من وثائق الفترة الممتدة من القرن 15 وحتى مطلع القرن 20، بما فيها وثائق رسمية لإمارة بخارى، وخانية خيوة، ومن المجموعات التي كانت بحوذة فياتكين وغيره من المهتمين بالتراث المكتوب لمنطقة آسيا المركزية. وأكثر من 30 ألف كتاب طبع على الحجر، وكتب أخرى طبعت بطريقة صف الحروف؛ ومن بينها مطبوعات صدرت في الهند، وإيران، وتركيا، وتتارستان، وغيرها من الدول. إضافة للمجموعة الكاملة لإصدارات مطابع آسيا المركزية، خلال الفترة الممتدة من سبعينات القرن التاسع عشر وحتى عشرينات القرن العشرين وتشمل ماصدر في مطابع كاغان (إمارة بخارى)، وخانية قوقند، وسمرقند، وفرغانة (سكوبيليف سابقاً)، وطشقند، وخانية خيوة.
وبناء على قرار مجمع العلوم تم في عام 1999 دمح معهد حميد سليمان للمخطوطات بمعهد أبي ريحان البيروني للإستشراق، وسلمت للأخير مجموعة المخطوطات التي كانت بحوذة المعهد المذكور والتي تضم حوالي 25 ألف نسخة مخطوطة، و12,600 كتاب مطبوع على الحجر.
ومن المخطوطات النادرة المحفوظة في المعهد اليوم النسخة الأصلية من "تاريخ الطبري"، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفي عام 310 هـ الموافق 922 م، والنسخة الأصلية لترجمته الفارسية لمترجم مجهول من بخارى. ونسخة من كتاب "تجارب الأمم" نسخ عام 595 هـ الموافق لعام 1199 م ، لابن مسكويه، المتوفي عام 420 هـ الموافق لعام 1030 م. و"التاريخ الكامل" لإبن الأثير المتوفي عام 360 هـ الموافق لعام 1232 م. و"جامع التواريخ" لرشيد الدين بن عماد الدولة، و"تاريخ بخارى" لأبو بكر محمد بن جعفر النارشاهي، والنسخة الأصلية من مخطوطة "مهمان نامة بخارى" لفضل الله بن روزبهان، و"بابور نامة". وفي الأدب مخطوطات لفردوسي، وسعدي، ودهلوي، وجامعي، وعلي شير نوائي، وجلال الدين رومي، وعمر الخيام، ومحمد بن سليمان فضولي البغدادي، والزمخشري، ومحمود القشقاري. وفي العلوم نسخ من مخطوطات أبو بكر الرازي، وأبو نصر الفارابي، وأبو ريحان البيروني، وابن سينا، وياقوت الحموي.
الجهود المبذولة لتحقيق المخطوطات: وتقوم الكوادر العلمية الخبيرة والمتخصصة في مجالات الدراسات العربية، والفارسية، والتركية، والهندية، والصينية، وخبراء مجربون لهم خبرة طيلة في مجال دراسات التراث الأدبي الإسلامي ومخطوطاته، بمعهد أبي ريحان البيروني، وغيره من مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث العلمي في الجمهورية، ومن بينها معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، والجامعة الإسلامية الحكومية، والجامعة القومية الأوزبكية وغيرهم، بدراسة وتحقيق المخطوطات الإسلامية، ويعكفون جميعاً على متابعة دراسة وتحقيق تلك الثروة الكبيرة من المخطوطات الإسلامية.
ومن المعروف أن عملية دراسة المخطوطات الإسلامية في أوزبكستان كانت قد بدأت في الثلاثينات من القرن العشرين، خلال فترة حفظ بعض تلك المخطوطات في المكتبة العامة بطشقند، حيث بدأت أعمال الوصف العلمي للمخطوطات فقط، وحتى عام 1943 تم إنجاز فهارس للمخطوطات التي بحوذتها تقع في أربع مجلدات. نشر المجلد الأول منها عام 1952، والمجلد الرابع في عام 1957. واستمر إصدار سلسلة الفهارس بعد تأسيس معهد الإستشراق حيث تم فيه إعداد سبع مجلدات أخرى من فهرس "مجموعة المخطوطات الشرقية"، وتم إصدار المجلد الأخير الحادي عشر في عام 1987. وشملت المجلدات التي صدرت وصوفاً لـ 7574 مخطوطة، من بينها أكثر من 3000 مخطوطة أصلية تتضمن حوالي 20 % باللغة التركية، و 40 % باللغة العربية، و40 % باللغة الفارسية.
وتضمنت الدراسات الوصفية التي قامت بها مجموعة كبيرة من المتخصصين كما سبق وأشرنا في مجالات الدراسات العربية، والإيرانية، والتركية، أمثال: سيمينوف، وفورونوفسكي، وأورونباييف، وإيبيفانوفا، وجليلوفا، وأدنالوف، وبيلياييف، وبيتغير، وجوكوف، وكونونوف، وميكلوخو- ماكلايا، وساليه، وسميرنوفا، وتفيريتينوفا، وتشخوفيتش، وشميدت، وعبد اللاييف، وعبد الصمادوف، وعزيز زادة، وعظيم جانوفا، وأكمالوف، ووهابوفا، وولدانوف، وفولوشينا، ودوبروفسكايا، وزافادوفسكي، وذوننونوف، وقاضي بيردوف، وقيوموف، ومنيروف، ونعماتوف، وبولياكوفا، وريزاييف، وتاللاشوف، وحمراييف، وحكمة الله ييف، ويوسوبوفا وغيرهم. ولكن هذا المشروع العلمي الكبير ومع الأسف الشديد توقف عن العمل منذ عام 1990 بسبب الصعوبات المالية التي يعاني منها المشروع.
ورافق صدور سلسلة فهارس "مجموعة المخطوطات الشرقية" إصدار مجموعة من الفهارس المتخصصة، تضمنت وصفاً لمخطوطات علماء مسلمين كبار أمثال عبد الرحمن جامعي،[5] وعلي شير نوائي،[6] وخسراو دهلوي،[7] وأبو نصر الفارابي،[8] وأبو علي بن سينا،[9] وتم كذلك إصدار فهرس خاص للمؤلفات، التي تناولت تاريخ مرحلة الإحتلال الروسي لآسيا المركزية،[10] وآخر فهرس منها خصص للمؤلفات التي تناولت تاريخ الطريقة الصوفية النقشبندية.[11]
التعاون الدولي لتحقيق المخطوطات الإسلامية في أوزبكستان: كما وجرت بعض المحاولات لإحياء المشروع بعد الإستقلال لمتابعة إصدار "مجموعة المخطوطات الشرقية" بالتعاون مع المستشرق الألماني البروفيسور يو. باولا. وجمعية التعاون التقني الألمانية وجامعة مارتين لوتير بمدينة هالليه، وبعض الجهات الأخرى لم تؤدي كلها إلى نتائج ملموسة. ومع ذلك فقد جرت محاولات ناجحة بالتعاون مع المختصين من الإمارات العربية المتحدة صدر بنتيجته فهرس للمخطوطات باللغة العربية،[12] وبالتعاون مع المختصين الإيرانيين أسفرت عن إصدار فهرس واحد عن المخطوطات التاريخية باللغة الفارسية.[13] وكانت آخر ثمار العمل المشترك إصدار "المعجم المفهرس للمخطوطات العربية والإسلامية في طشقند عاصمة جمهورية أوزبكستان" في أحد عشر مجلداً ببيروت، بإسهام من مؤسسة كاللو هولدينغ التي يملكها المستثمر اللبناني مروان كاللو ولها إستثمارات ناجحة في أوزبكستان.[14]
ويحتوي هذا العمل الكبير، الذي ترجمه إلى اللغة العربية أ.د. نعمة الله إبراهيموف، وأ.د. تيمور مختاروف، ود. راميل شاكيروف، ثمرة جهود متواصلة لمجموعة كبيرة من العلماء استمرت نحو نصف قرن من الزمن وتضمنت وصوفاً للمخطوطات، تشمل عنوان المخطوطة، وإسم مؤلفها، وملخص عن محتواها، وتاريخها، واسم ناسخها مع تاريخ النسخ، وتضمنت أبواب المجلدات العناوين التالية:
المجلد الأول: تاريخ الطبري، ومروج الذهب ومعادن الجوهر، والكامل في التاريخ، وعلم الأنساب، وتاريخ إيران، ومراسلات رسمية، ورحلات ومذكرات، وقواميس تعليمية، وقاموس عربي - طاجيكي، وعلم الفلك، والعلوم الطبية، والوافي في النحو، وفهرس بأسماء النساخ.
المجلد الثاني: مخطوطات أدبية ونثرية، وقصيدة "بانت سعاد"، والعقد الفريد، وشاه نامة، والقصيدة النفسية، ورباعيات عمر الخيام، وديوانخاقاني، ومجنون ليلى.
المجلد الثالث: مخطوطات فلسفية وفي التصوف، وأرسطوطاليس، ونوادر وحكم تنسب إلى أفلاطون، ورسالة جواز السائرين، وشجرات النسب، وسلسلة الأولياء، ورسائل منوعة، ومقامات.
المجلد الرابع: قصص الأنبياء، والسيرة النبوية، وغزوات النبي (ص)، المعراج، والخلفاء الراشدين، والقرآن الكريم: تفسيره وقراءته، والحديث النبوي الشريف وشرحه، وسير الفقهاء، وفتاوى في الإرث والصيام والزواج وغيرها.
المجلد الخامس: تاريخ الطبري، وشجرات سلسلة النسب، وتاريخ آسيا الوسطى، وتاريخ الهند، وتاريخ تركستان الشرقية، وكتب في السير والتراجم، ومؤلفات في التاريخ والجغرافيا، وسير حياة عدد من الأعلام، وفي الأدب الرفيع، وفي الأدب الشعبي، ورسالة في الحروف ومعانيها، وفي علم النبات والحيوان، ومئة سؤال طرحها أعرابي، وتفسير بعض السور القرآنية، وبعض قواعد الهمزة، ورسالة في إثبات النبوة.
المجلد السادس: زبدة التواريخ، والجغرافية التاريخية، وعلم الهيئة، ورسائل في الطب، وقصائد وغزليات، وفي التعليم، والقرآن الكريم: نصوص وقراءة، والتحفة المرسلة إلى النبي (ص).
المجلد السابع: روضة الصفاء في سيرة الأنبياء والملوك والخلفاء، وشجرة نسب ملوك خوارزم، وتاريخ خوارزم، وفي الأدب والشعر، وقصة يوسف وزليخا، ودواوين شعر، وفي العلوم الخفية، ورسائل في الطب، وفي تفسير القرآن الكريم، وفي التصوف.
المجلد الثامن: تاريخ الطبري، ونظام التواريخ، وفي تاريخ الهند، وفي سير وتراجم الحياة، وعجائب البلدان، وفي الرسم والخط.
المجلد التاسع: التاريخ، ومذكرات ورحلات، وسير ذاتية، والأدب الروائي، ونظرية الأدب، والإنشاء، والقواعد، والطبيعيات، وعلم التنجيم والفلك، وعلم الحيوان، والفيزياء، وعلم المعادن، والعلوم الدفينة، والطب، والجغرافيا وعلم الفضاء، والفلسفة، وتاريخ الدين الإسلامي، والمذهب الصوفي، والطقوس والأدعية، والمراسلات.
المجلد العاشر: التاريخ والعلوم المتقاربة، وجامع التواريخ، وتاريخ آسيا الوسطى، وتيمور نامة، ومراسلات، وعلم القواميس، والمعجم الرشيدي، ونظم الشعر، والظواهر الطبيعية، والطب البيطري، وفي الفقه.
المجلد الحادي عشر: الجزء الأول: عجائب القصص، وتاريخ آسيا الوسطى، وتاريخ تركيا، وتاريخ الهند، ووثائق رسمية، والعلوم الطبيعية، وعلم الفلك، والبيطرة، وعلم المعاجم، وتفسير القرآن الكريم. الجزء الثاني: المذاهب الإسلامية، وعلم الدين الشفهي، وتحفة السلطان، والشعائر الدينية، والتصوف.
ومن نظرة متفحصة للمواضيع التي تناولتها المخطوطات آنفة الذكر في المجلدات الـ 11 من المعجم، نرى أنها تناولت كافة المجالات العلمية المعروفة آنذاك، وهي: التاريخ، وتاريخ الأديان، والفلسفة، وحكايات الرحالة، وتراجم، ورسائل، ونظرية اللغة والأدب، والعلوم الحية كالرياضيات، والفلك، والفيزياء، والكيمياء، والمعادن، وعلم الحيوان، والطب، والجغرافيا والكون، والفنون كالموسيقى، والخط العربي، والحرف اليدوية، والرياضة، والشعر، والنثر، والفولكلور، والتصوف، والموسوعات إلخ.
تراث الأجداد وليس المخطوطات الشرقية !: ودراسة تراث الأجداد، وليس الإستشراق كما تشير المراجع الروسية لم تنحصر في دراسة التراث الغني لعلماء ماوراء النهر طيلة فترة الإحتلال الروسي والسوفييتي من بعده، وفق المدخل العلمي للإستشراق الذي يخدم المصالح الإستعمارية الروسية، والتي قام بها المستشرقون الروس الذين قدموا لطشقند خصيصاً لهذا الغرض، والمستوطنين من أبناء القوميات الأخرى في الإمبراطورية الروسية، وكان الهدف منها التعرف على عادات وتقاليد ونقاط ضعف الشعوب المحتلة لتسهيل مهمة السيطرة عليها، وحكمها، ونهب خيراتها، وسلبها ثقافتها وتاريخها. بل كانت عكس ذلك تماماً بعد أن تغير الوضع منذ دخول أبناء المنطقة عالم الدراسات "الشرقية" حتى خلال الحكم السوفييتي، حتى أنه تبدلت واختلفت نظرتهم تماماً عن نظرة المستشرقين الروس، وحتى في فهم مصطلح "الإستشراق" بشكل عام. فهم عندما يتناولون بالبحث المخطوطات التراثية القديمة، فهم يتناولون أعمال علماء كبار من أجدادهم المسلمين الذين حملوا يوماً ما عبء التقدم الحضاري في العالم الإسلامي خدمة للإنسانية جمعاء. وزاد هذا المفهوم وضوحاً بعد إستقلال جمهورية أوزبكستان، وأصبحت تلك الكنوز العلمية التي حفظها القدر وجهود البعض من التلف والضياع، الشاهد الحي والملهم لإعادة كتابة تاريخ ليس أوزبكستان وحسب، بل وآسيا المركزية، وأنحاء كثيرة من العالم الإسلامي المعاصر، وتنقيته من الشوائب والتحريف الذي لحق به خلال فترة عصيبة تعرضت لها الشعوب المحتلة في المنطقة، وتعرض خلالها تاريخهم إلى كل أنواع البلع والإستيعاب والتزييف وطمس الشخصية والذات القومية والثقافية.
النظرة الجديدة من تحقيق تراث الأجداد: وجاءت الدراسات والبحوث اليوم مختلفة عن دراسات الفترة الإستعمارية التي خضعت لها آسيا المركزية، فأخذت تلقي الضوء على الحقائق التاريخية، وعلى تاريخ العلوم والثقافة، التي عاشها هذا الجزء الكبير والهام من العالم الإسلامي حتى مطلع القرن العشرين، من خلال التعليقات العلمية والشروحات لمضمون التراث الغني الذي تحفظه صفحات المخطوطات التراثية، وتدقيق الترجمات والنصوص النقدية. وتحقيق التراث في العلوم الحية، التي كتبها الخوارزمي، والفارابي، والبيروني، وابن سينا، وألوغ بيك وغيرهم من كبار العلماء المسلمين. في محاولة جادة لإعادة كتابة تاريخ المنطقة من منظور جديد يعتمد الأساليب العلمية الموثقة، إبتداءً من المصادر المبكرة التي تتحدث عن تاريخ نشر الدين الإسلامي الحنيف في ماوراء النهر (آسيا المركزية)، وبالتحديد مخطوطتي ("تاريخ الطبري")، و"تاريخ بخارى" نارشاهي). إضافة للمخطوطات التي كتبها مؤلفون عاصروا الأمير تيمور والتيموريين من بعده، وصولاً للمخطوطات التي تتحدث عن تاريخ (الخانيات) الإمارات الثلاث (قوقند، وخيوة، وبخارى) حتى نهاية القرن 19، وإصدارها في سلسلة خاصة، إضافة للسلاسل الأخرى التي تتحدث عن تاريخ الأدب، والفن، والجغرافيا، ومذكرات الرحالة وغيرها من المخطوطات. مع متابعة إصدار الفهارس الموضوعية للمخطوطات الإسلامية، التي صدرمنها حتى الآن مجلدين الأول وتضمن المخطوطات في التاريخ،[15] والثاني وتضمن المخطوطات في العلوم الحية.[16]
وتبقى التساؤلات الأكثر أهمية هنا، على من يقع واجب متابعة تلك الدراسات التي يقوم بها العلماء في أوزبكستان ؟ وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسات العلمية ومراكز البحث العلمي والعلماء في العالمين العربي والإسلامي ؟ وهل يجوز أن تقوم أوزبكستان التي لم بمض على إستقلالها العقد الواحد فقط وحدها بتمويل مشروع حضاري كبير يخص ليس أوزبكستان وحدها بل والعالمين العربي والإسلامي، لابل والحضارة الإنسانية بأكملها ؟
وللإجابة على جزء بسيط من تلك التساؤلات، نقول: يخطئ من يظن أن أوزبكستان ستفرط يوماً ما بهذا الكنز الكبير الذي خلفه للإنسانية أجدادهم البررة، ويخطئ من يظن أن علماء أوزبكستان سيتهاونون في المحافظة على ذلك التراث الغني ودراسته ونشره ليكون في خدمة الإنسانية جمعاء نقي صاف من الشوائب في عصر العولمة الثقافية وتداعياتها. والإسهام بنظرنا يمكن أن يكون في التعاون العلمي الصادق والمشترك بين المؤسسات العلمية الحكومية وشبه الحكومية في الدول المعنية للقيام بالدراسات والأبحاث العلمية المشتركة، وإيفاد وتبادل الباحثين العلميين، وفي التمويل المشترك. فإمكانيات البعض هي أكبر من إمكانيات البعض الآخر وهذا ليس بسر، والقاعدة العلمية التي تملكها أوزبكستان رغم حاجتها لبعض التقنيات الحديثة، يمكن أن يحسدها عليها البعض الآخر، ولكن علماءها لايحتكرونها عن الآخرين. وبالحوار الثقافي بين الأمم الذي يتم عن طريق احترام ثقافة الآخر وتطلعاته الثقافية القومية، تكون العولمة الثقافية في عالم متعدد الثقافات تثري وتغني بعضها البعض. لا في عالم تفرض فيه ثقافة الأقوى، وتطمس وتحرف فيه ثقافة الضعيف اليوم، القوي بالأمس. ونعتبر أن الرد الحقيقي في العمل الجاد لا بالتمنيات وحدها.
هوامش البحث:
[1] مجموعة المخطوطات الشرقية لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية. طشقند، 1952. (باللغة الروسية)
[2] عظيم جانوفا س.أ. و فورونوفسكي د.غ.: مجموعة المخطوطات الشرقية لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية. خزائن الإستشراق للمكتبات الكبرى. م.، 1963. ص ص 100-127. (باللغة الروسية)
[3] أورونباييف أ.: إعداد الكاتالوكات، الأعمال التمهيدية ودراسة التراث المكتوب لشعوب الشرق في معهد الإستشراق بأداديمية العلوم الأوزبكستانية // مواد لقاء العمل الإتحادي حول مشاكل علم المكتبات الشرقية. ل.، 1-4 أذار/مارس 1988. س س 134-146؛ (باللغة الروسية) – وأيضاً في: (أوزبكستان مستقيلليغي و شرقشوناصليكنينغ دولزارب موأممولاري)) العلوم الإجتماعية في أوزبكستان (OHY). 1992 رقم 7-8 . ص ص 37-41. (باللغة الأوزبكية)
[4] أورونباييف ب.، ومنانوف ك.: أبو ريحان بيروني ناماديغي شرقشوناصليك إنستيتوتي 50 يوشدا//OHY. 1993. رقم 8 ص ص 50-57. (باللغة الأوزبكية)
[5] إعداد وتحرير: أورانباييف أ.، يبيفانوفا ل.م. طشقند، 1965. (باللغة الروسية)
[6] إعداد وتحرير: منيروف ق.، نصيروف أ. طشقند، 1970. ومنيروف ق.، حكيموف م. طشقند، 1986. (باللغة الروسية)
[7] إعداد وتحرير: مؤمينوف ق. طشقند،1975. (باللغة الروسية)
[8] إعداد وتحرير: قاضي بيردييف أ.ل. طشقند،1975. (باللغة الروسية)
[9] إعداد وتحرير: وهابوف ب.أ. طشقند، 1982. (باللغة الروسية)
[10] إعداد وتحرير: يبيفانوفا ل.م. طشقند، 1965. (باللغة الروسية)
[11] إعداد وتحرير: باباخانوف ش.، أ. منصور. طشقند، 1993. (باللغة الروسية)
[12] إعداد وتحرير: الدكتور عبد الرحمن فرفور، والدكتور محمد مطيع الحافظ، ,تقديم أ. أورونباييف و ك. منيروف. دبي، 1995. (باللغة العربية)
[13] إعداد وتحرير: أورانباييف أ.، وسيد علي معجاني، وموسوييف ش.، طهران، 1997. (باللغة الفارسية)
[14] الإشراف: أ.د. عصام الدين أورنباييف، ولاريسا ييبيفانوفا. هيئة الترجمة من الروسية إلى العربية: أ.د. نعمة الله إبراهيم، د. تيمور مختار، د. رامل شاكر. تدقيق اللغة العربية: روحي طعمة. دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، بيروت، 2000. (باللغة العربية)
[15] إعداد وتحرير: يوسوبوف د.، وجاليلوف ر.، طشقند، 1998. (باللغة الروسية)
[16] إعداد وتحرير: ولدانوف أ. ب.، طشقند، 1998. (باللغة الروسية)
المصدر:
http://muhammad-2009.blogspot.ae/201...st_19.html?m=1