أمثال سورة آل عمران -1
(مثل عيسى عند الله.)


إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ 59 (آل عمران)

إنَّ من سبق له التفكير في أسماء الله تعالى والتعرف من خلالها على هذا الخالق العظيم يسهل عليه ببساطة فهم الآية الكريمة وأحقية ما تتضمنه من معان توحيدية عقيدية سليمة ومنطقية.
لنبدأ أولا بذكر سبب نزول الآية من حوار بشري جرى بين وفد نجران مع النبي عليه الصلاة والسلام حول سيدنا عيسى عليه السلام.
قال وفد نجران للنبي عليه الصلاة والسلام : أرنا عبدا خلق من غير أب ; فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( آدم من كان أبوه ؟ أعجبتم مِنْ عيسى ليس له أب ؟ فآدم عليه السلام ليس له أب ولا أم )
. فذلك قوله تعالى : ولا يأتونك بمثل -أي في عيسى- إلا جئناك بالحق- في آدم - وأحسن تفسيرا .
فنرى أن وجه التماثل الأول المطلوب من الوفد أن يذكر لهم شخصاً خلق من غير أب ، فذكر لهم آدم عليه السلام ، وزادهم عليه بأنه خلق من غير أب ولا أم .
بل تشير الآية إلى المكون الابتدائي الذي خلق منه سيدنا آدم وهو التراب ثم قال له كن فيكون ، وهكذا خلق عيسى من مكون أساسي في جسد أمه وقال له كن فيكون .
والتماثل مطلق عند الله تعالى .
إنَّ جميع خلق هذا الخالق واحد ، فهو قادر على الخلق من عدم ، وهو الذي خلق الكون كله ومكوناته منه بكلمة (كن) التي تمثل الإرادة الإلهية في الخلق ولو كان الابتداء من عدم بلا مكون ابتدائي. وهكذا يتماثل الخلق في وجودهم بالإرادة الإلهية (كن) ، ولكن هذا الخالق ينوع في خلقه ما يشاء لتتعرف عليه مخلوقاته وترى قدراته المطلقة في الخلق. وخلق باقي ذرية آدم من نطفتي الأب والأم...
وهكذا نجد أنَّ أوجه التشابه بين خلق آدم وعيسى عليهما السلام كما يلي:
1- خالقهما واحد هو الله تعالى ذو القدرات المطلقة على الخلق.
2- كلاهما عبدان من عبيد الله و مخلوقاته
3- مكونات جسد كل منهما متماثلة ، كسائر البشر، من مكونات ترابية الأصل. فأجسادهما تحتوي على مكونات ترابية متماثلة من حديد ونحاس وفلور وصوديوم وبوتاسيوم ...
4- ابتدأت حياتهما بنفخة من روح الله ، قوله تعالى في خلق آدم : (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.) وقوله : (ثم سواه ونفخ فيه من روحه...) وفي عيسى عليه السلام : "إنما الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ"
وهكذا نجد أن تطابق المثلين عند الله تعالى مطلق وأما عند البشر فكان السياق يتطلب التشابه في الخلق بلا أب . وهذا التشابه حاصل .
ويمكن تشابه مخلوقين ولو في صفة واحدة فنقول مثلاً النسر يشبه العصفور (ووجه التشابه الطيران بجناحين).
ولو فكرنا في عظمة الخلق، فإنَّ خلق آدم أعظم من وجهة النظر البشرية لأنه خلق من غير أب ولا أم بينما كان خلق عيسى عليه السلام من أم بلا أب ، وهذا وارد وممكن في العلوم الحيوية الحديثة ، وتطبيقها أصبح وارد بطريقة الاستنساخ. وقد أصبح أمراً عاديا حالياً فيمكن أخذ نواة خلية ناضجة من الأم (أو الأب) وإدخالها في هيولى خلية قابلة للانقسام وزرعها في رحم الأم لتنمو وتنتج مخلوقاً بلا نطفة أب. فإذا كان ذلك على البشر أصبح ممكناً أليس ذلك هين على الله تعالى خالق كل شيء. ولذلك تساوت قدرة خلقهما عند الله تعالى.
وقد نظمت قصيدة عن خلق عيسى عليه السلام جاء فيها :
طوبـى لصدِّيـقـة من نسلِ عمران ... في وصفها عجزوا والروح نورانـي
لأنـها قَنـَـتَت والله قرَّبــــها... تسعى لإرضائه واللب رحـمانـي
لربـــها قربت في حُبِّـه وعلت.... فجاءها مَـلَكٌ في صـــُـور إنسان
قال ابشري سَيِّــداً للخــلق بعثـــتـه ...من روحه حـَمَلَت والنفخ روحاني
ما مِنْ أبٍ والدٍ والله بارئه .. من قبله آدمٌ من صَلِّ طـــيَّـــان
في الأرض تربته بالـماء قد جُبِلَت ... بنفخة نُـــفِخت قامت بدَيَّـان
من غير والدة لـم يـَــنْمُ في رَحِمٍ ... فذاكما مَـثَـلٌ فـي الـخَلْــق سـيَّـان