من "المثالية"إلى "الواقعية"
كنت في طريقي لإعادة نشر سياحتي في بعض الكتب فوجدت أنني أشرت إلى مقالتي،التي وضعت عنوانها على رأس هذه الأسطر .. فرأيت أن أبدأ بها .. أو بإعادة نشرها .. وفيها من العجب العجاب ما يبهر الألباب .. لمن لديه وقت للقراءة المتأنية .. وليحمد الله قارئها أنه ليس في حاجة إلى ( إذن) للخروج من مكة المكرمة .. أو للذهاب إلى الرياض!!
أبو أِشرف : محمود
لا يخفى على المتابع أن (السعودي) أصبح ينافس (المتنبي)في انشغال الناس به ... وبكل صغيرة وكبيرة في هذا البلد .. وقد لفت نظري تعليق وصلني من أخي (أحمد) على إحدى الرسائل التي تتحدث عن شخصية السعودي ... فكتب لي :
((ألا ترى أننا نجلد السعودي بسياط تجافي الحقيقة ولا تقدر ولا تنظر إلى أمور أخرى فرضت ليس على السعودي فقط ولكنها فرضت على شعوب العالم اجمع , فأفقر الشعوب اليوم هي شعوب استهلاكية مرفهة بصفة عامة ولك أن ترى هل العمالة هذه الأيام هي نفس العمالة الجاهلة التي كانت تأتينا قديما , والسعودي من باب أولى أن تفرض عليه نمط من الحياة التي قد يكون لا دخل و لا حيلة له فيها , لكن الغريب أن بعض منا لا يرى الجانب المشرق في السعودي , وهو الذي قل أن تجد مثله في العالم , السعودي إن صح التعبير , فهو من حمل نور الحقيقة إلى العالم سواء كان من خلال الأعمال الخيرية والدعوية أو عن طريق ملايين السياح الذين ينقلون النقاء والطيبة وبساطة المعاملات التي تتسم بروح الصدق والخوف من الله أو من خلال رحابة صدره واستضافته الى اضعاف أضعاف اعداده الذين يعيشون بيننا معززين مكرمين وينقلون أفضل ما عندنا الى بلدانهم , السعودي رغم رفاهيته وغناه وكفايته الا انه أول من يهب الى نجدة اخوه المسلم بالنفس متى ما سنحت له الفرصة واحيانا كثيرة حتى لو تجشم الصعاب , وعلى كل مشكك ان يسال ساحات الجهاد في كل مكان في البقاع الاسلامية وسيجد ان السعودي اخذ النصاب الاكبر من البطولة والاقدام , أما بالمال فالريال السعودي وصل الى ما لم يصله درهم ولا دينار من أي الاقطار العربية والمسلمة

كلمة سعودي هي مرادفة لعدة معاني جميلة


, س , السعد أو السعادة , ع , عروبة , و , وطني , د , ديٌن أو متدين , ي , يا حظك ان كنت سعودي
,,, احمد )).

حقيقة أعتقد أن أخي الكريم أعطى الرسالة التي وصلته عن طريقي،أكبر من حجمها .. فحين تتحدث عن قول السعودي أنه (يموت في كذا وكذا ) من الأشياء ... فليس السعودي وحده من يستعمل هذه العبارة ... وحين تقول الرسالة أن السعودي يقول (يما ويبا) وهما عكس (أمي وأبي) وبالتالي فالشعب السعودي (معكوس) .. أولا ليس السعودي وحده من يستعمل العبارتين المذكورتين .. وثانيا : اختار صاحب (النظرية) كتابة (يما) وليس(يمه) .. وهي الأقرب لنطق الكلمة ... وعليه فالأمر في مجمله ليس أكثر من (مزاح).
كما أن ملايين (السياح) الذي ينقلون الطيبة ..إلخ .. يقابلهم (سواح) – لك تقدير عددهم – يمثلون البلد أسوأ تمثيل .. بل يسيئون إليه .. مما دفع بإحدى المغربيات لكتابة مقالة سيئة .. تصف السعوديين بأنهم أسوء شعب على أظهر أرض {لعلك تذكر أنني كتب هامشا على تلك المقالة،حين وصلتني عبر رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية}.
بعد تعليق أخي (أحمد) وصلتني مقالة للأستاذ عبد الرحمن الشهيب،ومما جاء فيها :
((يسحب الزوج نفسا عميقا من لي المعسل ثم يدخل يده في جيبه ساحبا الجوال ليهاتف أم العيال : وصلتوا...! أنا سأتأخر قليلا في استراحة التسدح!... ثم يأتي لمنزله قبالة الفجر
.. الأولاد من أن يدخلوا المنزل يرمون كل شيء في أيديهم... حقائبهم المدرسية ، أحذيتهم ، بقايا فسحتهم... ثم يصيح الصبي ذو العاشرة في وجه الخادمة الآسيوية : 'جيبي لي مويه' ، فتركض فزعة لتحضر كوب الماء لهذا الصبي المأفون ، وهو لا يريد ماء ، قدر ما كان يريد أن يلقي أوامر! أطفالنا ما أطول ألسنتهم أمام أمهاتهم والخادمات ولكنهم أمام الكاميرا يصبحون كالأرانب المذعورة ، لا أدري كيف يحدث هذا.. (..) أحسن شيء سائق وشغالة ، من يتحمل مشاوير أم العيال ، ومن يتحمل قيادة السيارات في شوارعنا المكتظة بالمخالفات المرورية والطائشين والسائقين النزقين والمطبات وتحويلات المقاولين المستهترين، فليتحمل المسئولية السائق الآسيوي فكلها حفنة ريالات. ومن يتحمل تغسيل الصحون والملابس وشطف البلاط وتسقية الحديقة وكي الملابس.... آه ما أثقل دم كي الملابس... هاهي حفنة ريالات أخرى لخادمة آسيوية تعمل كل هذه الأعمال الشاقة... ولتتفرغ أم العيال لتصليح الحلى ومواعيد اللقآت، اما البنات فلمتابعة الفضائيات والتجول في الأسواق والأولاد لمضايقة بنات الناس في الأسواق! وهو لا يدري أنها ممكن أن تكون أخته في يوم من الأيام))
هكذا .. كل قرأ المشهد من زاويته ... ويستطيع الإنسان – دون كبير عناء – أن يضيف الكثير من السلبيات،أو لنقل .. يطرح بعض الأسئلة .. كيف حال تعليمنا؟ كيف حال صحتنا؟كيف حال بنيتنا التحتية؟ كيف حال التزامنا بالأنظمة؟
كما يستطيع الإنسان – بعناء قليل – أن يضيف بعض الإيجابيات .. فقد كشفت الفضائيات ،ومرحلتي ما بعد حرب(تحرير الكويت) وعملية الحادي عشر من سبتمبر 2001 ... كشفتا عن (وعي سياسي) لدى السعوديين،لا يتناسب مع الفكرة عن (منع الكتب) والتضييق على الأفكار ... كما كشفت عن اهتمام السعوديين – بقدر ما يحتمل التعميم – بقضايا الأمة .. كما كشفت – أيضا – عن مدى عمق ثقافة "الإسلاميين".
حاصل القول .. قفزا فوق التركيز على الإيجابيات أو التركيز على نقيضها .. (السعودي)تنطبق عليه عبارة (الناس كالناس) .. الإيجابيات موجودة .. والسلبيات لا يتعب الإنسان في البحث عنها ..
إذا أين المشكلة .. إذا كان "السعودي"كغيره من خلق الله فيه الخير ونقضيه؟!!
أو بمعنى آخر : ما الذي جعل مجتمعنا (فرجة)،كل يأتي بكمرته،أو بقلمه ليسجل بعض عجائب هذا"المجتمع"؟!!
غني عن القول أنني لا أملك إجابة لهذا السؤال ... ولكنني أتصور أن من الأسباب التي ولدّت(حب الاستطلاع) لدى الآخرين ... الجهود الحثيثة التي بذلناها لنرسم لأنفسنا صورة (نمطية) للمجتمع النقي ... الذي – على أقل تقدير - يجب ألا تظهر سلبياته للآخرين – جزء من هذه الفكرة موجود في كثير من المجتمعات : هذا فعل أو سلوك يسيء لسمعة البلد – وساعد على ذلك (فكرة) موجودة في عقول كثير من المسلمين .. أن أحفاد الصحابة (يختلفون) عن الآخرين ..
رغم أنني لا أعلم إن كان (الحُجاج) يشاهدون تلفازنا .. ولكنني أعرف أنه دأب – خصوصا قبل الفضائيات – إلى إيقاف عرض المسلسلات العربية .. والتركيز على (المسلسلات التأريخية) ... حيث النساء أقل عريا .. مما يبدو وكأنه سعي من (جهازنا الإعلامي) إلى رسم صورة محددة عن هذا المجتمع!!! بينما – في الواقع – يوجد لدينا ما يوجد لدى الآخرين ... مع وجود بعض (العجائب) .. ولا يخلو مجتمع بشري من بعض العجائب .. أقول هذا وقد أنهيت قراءة كتابين أولهما ("يوميات الرياض : من مذكرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي") – أو الجزء الأول من الكتاب،ولا أدري إن كانت بقية الأجزاء قد طُبعت أم لا – أما الكتاب الثاني فهو : ( لمحات من الماضي : مذكرات الشيخ عبد الله خياط).
وقد كان الأخير مديرا لمدرسة أنجال الملك عبد العزيز،والأول مدرسا فيها ... وقد سافر المدرسون أو(هيئة التدريس) إلى الرياض يوم 8/3/1356هـ = 1937م.
ما يميز (يوميات الكاظمي) أنه يسجل كل شيء ببساطة .. لذلك لا نجد فيها نمطا واحدا .. بل يصف لنا الكاتب ما رآه .. وما سمعه .. لذلك نجده يحدثنا عن (الصلاة) :
(جاء وقت الظهر،والعادة المتبعة في الرياض،وفي نجد،أن الصلوات كلها تؤدى في المساجد جماعة. فخرجنا إلى المسجد،وأقرب مسجد لنا هو مسجد دخنة يصلي فيه الشيخ محمد بن إبراهيم أحد علماء نجد المشهورين،والمصلون غالبا يكونون من طلبة العلم أو مَنْ ينتمون إليهم. (..) كان هذا المسجد الذي دخلناه أول مرة مسجدا كبيرا فيه أروقة وفيه الصحن الكبير،فنصلي الظهر والعصر في الأروقة،والمغرب والعشاء والفجر في الصحن،والأرض مفروشة بدقائق الحجر"الحصى"وفي المسجد محل خاص لأيام الشتاء،وهذا ليس له منافذ غير الباب،أو كوات صغيرة في الجدار للنور،ويبقى مغلقا حتى أيام الشتاء،والبساطة متجسمة في هذا المسجد وفي غيره،وقد شاهدنا بعدها مساجد أخرى كلها متشابهة من حيث هندستها وبناؤها وفرشها وتقاسيمها،ولا فرق بين مسجد وآخر مطلقا.
والأروقة لا يجعلون عقودها منحنية كالهلال كما هي العادة في الحجاز وغير الحجاز،وإنما يجعلونها مثلثة الشكل على عمد متوسطة الارتفاع.(..) ولا يستعمل المصلون السجادات كأهل الأمصار والمدن،بل يصلي الناس جميعا الكبير والصغير والأمير والفقير على هذه الحصى،ويستعمل في بعض المساجد الحصير لصفين أو ثلاثة.(..) وقد كنت أسمع أنهم ينادون المصلين بأسمائهم ليعرفوا الحاضر من الغائب،ولكنهم الآن لا يعملون هذه الأشياء إلا في صلاة الفجر والعشاء،وذلك لئلا يتخلف مَنْ يستطيع أداءها عن المسجد. ){ص 50 – 52 / الجزء الأول /"يوميات الرياض : من مذكرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي" / دارة الملك عبد العزيز 1419هـ = 1999م.}.
كما يخبرنا بوجه آخر للعملة .. فاتتهم الصلاة في المسجد .. (يوم الأحد 3/5/1346هـ : لا جديد يستحق الذكر"غير مسألة علي الكتابة فيها"فقد فاتتنا الصلاة صبحا في المسجد،والظهر صلينا في البديعة مع الملك،ثم بعد العودة منها تناولنا الغداء نشطت إلى غسل بعض ثيابي والحمد لله){ص 63}.
يخبرنا أيضا عن صلاتهم في (مزرعة) ... بل وسماع (عبد الوهاب)!!!!!!! .. ( يوم الأربعاء 11/6/1356هـ : سمعت أن الأستاذ يوسف ياسين سوف يسافر في إجازة إلى سوريا،ومعه الأستاذ رشدي ملحس،والأستاذ خالد القرقني،وسيبقى فؤاد بك حمزة هنا وسيقدم قريبا الأستاذ جسور فقد وصل جدة،والأستاذ كامل القصاب،وخالد بك الحكيم. لا يزال العمل جاريا في تركيب ماكينة الكهرباء بجانب القصر،وقد خصصت لها قطعة أرض كبيرة مسورة من جميع الجهات ..(..) كنا مدعوين اليوم الساعة الحادية عشرة عند الأمير مساعد بن عبد الرحمن،وكان الوعد أن يأتينا الأخ المزروع ونخرج معه إلى نخيل الأمير،ونجلس هناك حتى بعد المغرب،ثم نذهب مع سموه إلى داره داخل البلدة. ولكن فوجئنا بسفر الأخ المزروع فاختلف الموعد.{يوم الخميس 12/6} دخلنا أقرب مسجد وصلينا المغرب،وبعد الصلاة خطر لنا – من باب الاحتياط – أن نبحث عن نخيل الأمير مساعد فربما يكون هناك،أو على الأقل نعرف المكان! مشينا في الطريق حتى تجاوزنا النخيل فسألنا أحد المارين عن نخيل الأمير،فأخبرنا أنه وراءنا،فعدنا ودخلنا زقاقا آخر،وهناك وجدنا بابا وعليه رجلان،أو رجل وصبي ومعهما"الإتريك".
وعندما رأينا قاما ورحبا بنا فعلمنا أن هذا هو البستان الذي نريده،وحمدنا الله تعالى الذي ألهمنا المجيء إليه،مع أننا خرجنا من الدار ونحن نريد الذهاب إلى داره بالبلدة.
دخلنا النخيل وكأنها الغابة،لكثرة النخل ومزارع البرسيم وأشجار متنوعة وممرات طبيعية تمثل الحقول والأرياف تمثيلا صحيحا. مشينا والرجل أمامنا ينير لنا الطريق بالإتريك الذي يحمله،وقد مررنا على شفا جرف لو زلقت رجل إنسان لتدحرج – لا قدّر الله – في ذلك الجرف العميق،ومع هذا فهو يزيد في جمال المكان ... بعد أن مررنا على كل هذا دخلنا في حائط آخر فيه أشجار غير النخيل،الأرض خضراء بالبرسيم،والأطراف مزينة بأشجار الأترنج وأشياء أخرى،وكان القمر ناصعا في السماء،ونوره شامل ينير على هذه الأشجار والشجيرات،ويزيد على لونها لونا فضيا،ويكون لونا بديعا خلابا،جامعا بين الخضرة والبياض.
وفي وسط هذه الأشجار أعد سمو الأمير مجلسنا،والمصابيح الساطعة تشترك مع القمر في إضاءة البستان،وقبل وصولنا إليه قام سمو الأمير ورحب بنا فسلمنا عليه،وجلسنا عن يمينه ويساره على الكراسي الموضوعة ... فكان المنظر بديعا جدا ... تحت تلك السماء المزدانة بالنجوم والكوكب الكبير،القمر المنير. (..) قمنا إلى تناول العشاء،وكانت المائدة قد صفت في مكان آخر،وقد جمعت كل ما لذ وطاب من أنواع الأطعمة والفواكه،فجلسنا مع سموه وكان سموه بنفسه يعيّن لكل شخص منا محله،حتى يستطيع الوصول إلى كل شيء أمامه لعظم المائدة ووسعها،جلسنا وأخذنا في الطعام،وسموه يتحدث إلينا بما يناسب الوقت يساعدنا على الخوض في المعركةبدون أي خجل أو تردد. (..) بعد انتهائنا من الأكل قمنا إلى المكان الذي كنا فيه من قبل،وقد أحضر سموه الراديو ووضعه بجانب مقعد،وفتحه ووجد "رنة"فقال : إن هذه الرنة لم نسمعها قط إلا اليوم،وربما النقل والحمل من مكان إلى آخر قد أثر في إحدى عدده،سمعنا مصر وعبد الوهاب وأخبار مصر،وهذه أول مرة في الرياض نسمع فيها الراديو،وإذا سكت الراديو أخذ أحد رجال الأمير في نكته وأحاديثه وذكر تجاربه فيضحك الجميع،سمعنا أخبار فلسطين ومصر والعراق،وقد كانت جلسة تلك الساعة بديعة جدا،فالقمر في السماء والخضرة حولنا وتحتنا،ونسمات النسيم الرطبة الباردة تنعش الحاضرين.
قضينا أربع ساعات في هذا السمر الأنيس اللطيف مع سمو الأمير،ثم قمنا للصلاة وصلينا العشاء،وبعد الصلاة طلب سموه من الشيخ عبد الله أن يقرأ له بعضا من القرآن فقرأ جزءا،ثم قمنا وقام سموه معنا،وأخذ الرجل الذي كان يضحكنا"الإتريك"ومشى أمامنا. خرجنا من البستان والنخيل،وجئنا مع الأمير حتى باب البلدة فدخلها الأمير،ونحن جئنا إلى الدار){ص 81 - 84}.
من هذه (الصور) التي تمثل جزء من واقع المجتمع السعودي في تلك الفترة .. إلى جزئية أخرى .. فيها من العجائب ما فيها .. ولكنها من مذكرات الشيخ عبد الله خياط .. ولكن قبل ذلك .. قد تبدو رغبة أحدنا في هذا الزمان أن يزور عاصمة بلده،مسالة لا تستحق الذكر .. ولكنها كانت(قضية) فيما يبدو!!!!! يقول الأستاذ (الكاظمي) .. (عزمت مرة على أن أسافر مع أناس من أهل اللاسلكي فأظهروا الرضا في أول الأمر،ثم امتنعوا أو استعظموا الأمر وقالوا : إذا سئلنا عنك وعن سبب مجيئك فما يكون جوابنا؟
قلت لهم : لا لا أريد السفر ولا أحرج موقفكم. هذه أمنية إن حصلت فخير،وإن تعذرت فلا ضير عليّ،وحاولت بعدها أيضا مرة لأرى هذه الرياض وأرى قلب الجزيرة،ولكن لم أنجح ومن بعدها تركت الأمر على الله،ولم أفكر في الموضوع لصعوبته حتى جاء به الله من عنده.){ص 43}. ومن نفس الباب يقول الشيخ "عبد الله".. (أخذت سيارة أساتذة الأمراء طريقها إلى الرياض عام 1370هـ أي قبل ثلاثين عاما تقريبا من كتابة هذه المذكرات،وفيها مدير المدرسة وبعض الأساتذة أوقفها شرطي مركز المعابدة وطالبها بالترخيص لاجتياز مكة،وبكل وسيلة حاولت الهيئة إقناعه فلم تفلح،وأخيرا رغب الشرطي في أن تعود السيارة إلى مركز الحجون فنفذت الهيئة الرغبة،وكان ضابط مركز الحجون لبقا مؤدبا فما أن تعرف إلى الهيئة حتى اتصل هاتفيا بمركز المعابدة ليسمح بمرور السيارة.){ص 194 ( لمحات من الماضي : مذكرات الشيخ عبد الله خياط) / عبد الله بن عبد الغني خياط / الرياض / دارة الملك عبد العزيز / الطبعة الأولى/ 1425هـ }.
ومن هذه العجيبة ... إلى عجيبة أخرى .. (ورد الأمر الملكي البرقي في يوم 15/2/1371هـ إلى مديرية المعارف آنذاك بترحيل هيئة تدريس الأمراء في أول طائرة،ولمزيد من الاستعجال أبلغت النيابة العامة مدير الأمن العام اللواء علي جميل بالاتصال شخصيا بمدير المدرسة وإشعاره بضرورة السفر عاجلا.
وبعد منتصف الليل طرق باب مدير المدرسة جندي يحمل تعهدا رغب مدير الأمن في أن يوقعه مدير المدرسة ونصه : "أنا فلان ابن فلان مدير مدرسة الأمراء أوقع على أن أتوجه إلى الرياض في أول طائرة قائمة إلى الرياض". فلبى المدير الرغبة على الرغم من جفاف المعاملة وتجاهل مكانة المدير والمدرسة){ص 199}.
وما بعد (التعهد) إلا .. (وفي ليلة 22/1/1372هـ طرق باب مدير المدرسة عمدة المحلة بصحبة جندي يحمل خطابا من مدير الأمن العام فيه أن الأمير سعود ولي العهد أبلغه بضرورة نزول مدير المدرسة إلى جدة الليلة لركوب الطائرة إلى الرياض(..) ونظرا لأن سفر المدير وحده دون تجهيز طلبات المدرسة لا قيمة له أجاب المدير بأن السفر لا يتسنى إلا بعد تجهيز الطلبات،وأن المراجعات للمالية مستمرة ولم تظفر الهيئة بطائل،واتصل مدير الأمن هاتفيا بمدير المدرسة لإبلاغه أمر الأمير سعود بالتوجه إلى جدة فالرياض ليلا لمقابلة جلالة الملك غدا،وأخيرا وفي الساعة الثامنة ليلا عاد طارق الليل وهو جندي من الشرطة ليصطحب مدير المدرسة إلى جدة في خفارة الشرطة،وقد كان ذلك في الليل المظلم وفي وقت السحر،ولم يبق من الليل إلا أقله،إنها لمحة مؤلمة يكتبها صاحب اللمحات وعبرته متهاطلة،وصلى المدير الفجر منفردا تحت الطائرة (..) مثلت الشرطة الدور نفسه مع المدير المساعد وبقية الأستاذة،إذ أرسل الجميع في خفارة الشرطة حتى أوصلتهم إلى المطار.){ص 205 - 206}.
أما الختام .. فمع الشيخ (عبد الله) أيضا وهو يتحدث عن الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ :
(فكان – يرحمه الله – ممن لا تأخذه في الله لومة لائم،لقد حضرت لسماحته غير مرة عندما يقدم إليه من يتهم في عقيدته من غير السعوديين وبعد التحري والتأكد يخاطب مدير الأمن العام في سجنه حتى يصدر أمرا بمغادرته البلاد،وإذا كان من المملكة وجحد ما نسب إليه، يبعث معه أحد أتباعه ليوقفه في الملتزم يقسم ببراءته،وكم حضرت أمثال هذا المشهد ثم يتوعده بعدم العودة لمثل ما نسب إليه){ص 357 }.
ما سبق ليس أكثر من مقدمة لسياحتنا الجديدة في (يوميات الكاظمي) ... وأخذ بعض اللمحات منها .. قبل الانتقال إلى مذكرات الشيخ عبد الله خياط .. إذا أذن الله.

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 24/12/1432هـ