-
وَطنٌ يتجَدّد
مسيرة التقدّم في أيّ دولة، تحتاج دائماً إلى دماء جديدة تضخّ في شرايين المسارات الحياتية كلها، تتجدّد، وتسعى بالفطرة إلى تطوير الذات الخاصّة والجمعية، لتصبّ كلها في مصلحة الوطن، وهذا ما يُعتبر في المنظور العام للأمم قوّة الانتماء، والتفاني في حب الوطن، والعمل على تطوير مساراته كي يحمل القيمة المرجوّة من وجوده، وأصالة مواطنيه.
هي راية، تحملها النُخب المؤهّلة لحملِها، علماً وثقافة، ومعرفة، وتخصصاً، يوفّرها لهم الوطن، بالمدارس والتعليم والتخصص والرعاية والدعم، «ولا ألغي الدور الشخصي أيضاً لكلّ منهم»، يقوم كلّ بالدور المنوط به على خير وجه، ويقدّم ما يقدر عليه مما اكتسبه من خير الوطن، ويكون في المقابل على جهوزية تامّة لتسليم الراية إلى جيلٍ جديد له تطلّعات طموحة جديدة، وفكر جديد، ونظرة لا تختلف عن لبّ الأساس، لكنها تسمو بالتجدد والتطوّر الراشد كي يبقى الوطن هو المنارة الدائمة لتوجّه النخب، وتجددها.
الأفراد يتغيرون، لسبب أو لآخر، وهذه فطرة الحياة، لكن الوطن هو القيمة الباقية، هذه مسلمات علينا أن نضعها في أول اهتماماتنا دون النظر إلى فعل أنانيّ من أحد يُوقف بطريقة أو بأخرى المسار العام الذي ينشد التطور وتفعيل الإصلاحات في كل شأن، وصولاً إلى درجةٍ من الرضى عن الذات.
فلا يوحي لنا أحد بأن مساراً من مسارات الحياة يمكن أن يتوقف أو يتراجع أو حتى ينتهي بانتهائه، أو بمحاولة هذا «الأحد» أن يجعل من نفسه مثالاً مميّزاً غير قابل للتغيير أو الاستبدال، أو حتى الاستغناء عنه.
ولعلني لا أبالغ إذا حاولت التحدث عن المسؤولية الوطنية إلى بعض أولئك الذين جعل منهم الوطن شيئاً، «فنّانين أو مثقفين أو تقنيين»، علّمهم، «وسمَّنَهم»، واعتنى بسلامتهم، وثقّفهم، وعالجهم، ورعاهم، وفتح لهم أبواب المجد، ثم هم يتنكّرون، ويلقون بكل ذلك في سلّة يليق أن نطلق عليها «حاويةَ الجُحود».
وأنا أتحدث عن أشخاص قلّة من الجنسين، حقق لهم الوطن مكاناً وشهرة وثراءً في مجال تخصصهم في العمل الدرامي الفني على وجه التحديد، ولولا أن وفّر لهم الوطن ذلك لما سمع بأسمائهم أحد، ثم دعم انتشارهم في مجالهم الفني على مستوى العالم العربي، فأصبحوا نجوماً ونخباً، وللأسف، لا تكشف لهم المرايا إلا عن ذواتهم فقط، ولو كان ذلك على حساب سمعة الوطن، وقيمة الانتماء إليه.
من يحمل الوطن في صدره، وفي فكره ويقينه ومعتقداته، يستحق أن يكون مواطناً، ومن يخرج من الوطن ليسيء إليه فلا يستحق أن يكون مواطناً، ولن يكون مواطناً في أيّ مكان آخر.
لقد صدق قول الشاعر فيهم:
أعلّمهُ الرِمايةَ كُلّ يومٍ..... فلمّا اشتدَّ ساعِده رَماني.
الوطن هو الذي عَلّمَ، وهو الذي تلقّى من أمثالهم الرمية السامّة، جرحت القلب، نعم، لكنها لم تقتل الروح، ولن تقتلها، فالوطن، وكما جعل من أمثال هؤلاء شيئاً يذكر، يستطيع أن يعلّم ويدرّس ويدعم طلائع تنتظر فرصها كي تحتلّ مكانها ودورها الطليعي.
بل لعلّها فرصة سانحة هيأت لجيل جديد واعد أن يأخذ موقعه الطبيعي ليضخّ دماءً جديدة، وحرّة في مسيرة العمل الدرامي، كتّاباً ومخرجين، ومؤدين.
معاهدنا التعليمية في كلّ المجالات التخصصيّة التي تنتمي للدراما الوطنية، ملأى بالشباب الطموح الذي ينتظر فرصة كي يخرج إلى النور بكفاءات عالية.
وكي لا يستغرقنا الحال كثيراً وطويلاً، لنقل افتراضاً، إن كلّ هؤلاء الذين خرجوا من الوطن «منشقّين» بقصد الإساءة إلى الوطن، من أجل مصالح وحسابات خاطئة، في الوقت المفترض أن يكونوا النخبة والطليعة، لو أنهم غابوا جميعاً عن المشهد لسبب أو لآخر، أو إنهم ما كانوا أصلاً، فهل تقف الحياة.؟!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى