المقاتلات المصرية في أجواء قطاع غزة

بقلم / حمزة إسماعيل أبوشنب

منذ بداية الأزمة المصرية الراهنة والأوضاع في منطقة سيناء تشهد حالة من التوتر الغير مسبوق , أما الحدود بين قطاع غزة ومصر فتشهد أعمالاً متواصلة للجيش المصري تهدف إلى بسط السيادة وهدم الأنفاق , مترافقة مع حملة إعلامية شرسة تستهدف الكل الفلسطيني وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية , في خضم هذه التطورات دخلت الطائرات المصرية المقاتلة المجال الجوي فوق قطاع غزة وذلك لأول مرة بعد نكسة 67 , تضاربت الروايات من العديد من الأطراف , مصادر الاحتلال اعتبرت الخرق كان بطريق الخطأ , أما المصادر الأمنية المصرية وصفت ما يجري بأنه حماية للأمن القومي المصري , ظلت هذه المصادر غير معلومة لوكالات الأنباء ,هناك تصريحان رسميان معلوما المصدر, الرئاسة المصرية والتي اعتبرت التحليق لحماية السيادية المصرية , وعضو المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور موسى أبومرزوق اعتبرها عودة للممارسة السيادية على قطاع غزة بعد فقدانها بعد عدوان 67 .

تصريحات أبو مرزوق كانت ملفتة في هذا التوقيت محاولاً إيصال رسالة للجانب المصري , فحواها بتقديري يجب أن لا يخرج عن سياقات ثلاثة :

سياقاً إنسانياً , فقطاع غزة منذ 2006 يعاني حصاراً شديداً من قبل الاحتلال , مما أجبر السكان على بديل الأنفاق مع مصر وأصبح شريان حياة للقطاع , تتعرض الأنفاق إلى عملية ردم متسارعة وغير مسبوقة من قبل الجيش المصري , مما انعكس سلباً على الحياة اليومية للمواطنين من نقص في المحروقات ومواد البناء بشكل أساسي , بذلك هي رسالة تذكير للجانب المصري بأن مليون وثمانمائة ألف يعاني وسيعاني جراء هذه الإجراءات .

سياقاً سياسياً , فالمجال الجوي لقطاع غزة يسيطر عليه الاحتلال منذ عام 67 , نجح الاحتلال في الاتفاقات الموقعة مع مصر والسلطة الفلسطينية بالحفاظ عليه , وبعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي للقطاع عام 2005 ظل الاحتلال مسيطراً على المجال الجوي دون اتفاقيات مبرمة معتمداً على اتفاق أوسلو , ومستفيداً من منع تحليق الطائرات المصرية المقاتلة في جزء واسع من سيناء ( المنطقة ج حسب اتفاق كامب ديفيد ) , تَمكُّن القوات المصرية من التحليق فوق المنطقتين يجعل القيادة المصرية قادرة على حماية قطاع غزة من أي عدوان من قبل الاحتلال , إن كان باتفاق مع الاحتلال أما لا , كما على مصر مسئولية فتح معبر رفح , ومراعاة احتياجات الفلسطينيين في قطاع غزة , وتذكيراً بمسئولية مصر وتعاملها مع قطاع غزة إبان حكمها بعد نكبة 48 حتى نكسة 67.
سياقاً ديمغرافياً , فقطاع غزة يعاني كثافةً سكانيةً هي الأعلى في العالم بــــ 4,505 فرداً /كم2,مساحة قطاع غزة الحالية تبلغ 362 كم2 مما سيولد انفجاراً سكانياً في المستقبل القريب , إن المساحة الحقيقية لقطاع غزة حسب اتفاقية الهدنة الموقعة بين الاحتلال ومصر في فبراير 1949 تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الصادر في 16 نوفمبر 1948 هي 555 كم2 , خلال إدارة القوات المصرية للقطاع جرى اتفاقاً سرياً مع الاحتلال عرف باتفاقية التعايش بتاريخ 22 فبراير 1950 , اقتطعت ما يقارب 200 كم2 من مساحة القطاع ,الاتفاقية لا تمس خط الهدنة ولا تؤثر عليه ، ونجح الاحتلال في ترسيخ اتفاقية التعايش حين أفرد بنداً في اتفاقية كامب ديفيد , نصها في المادة الثانية من معاهدة السلام بين مصر والاحتلال " دون المساس بالوضع الخاص لقطاع غزة ", لذلك تتحمل مصر المسئولية في إلزام الاحتلال بالتراجع إلى خط الهدنة ,وتجنيب نفسها خطراً ديمغرافياً مستقبلاً في قطاع غزة , يسعى الاحتلال إلى إيجاد بدائل مستمرة له , بدائل تتعلق بالفلسطينيين عبر تبادل الأراضي بالعودة إلى خطة الهدنة مقابل تنازلٍ في الضفة الغربية والقدس , أو عبر طرح بديل سيناء مقابل فتح ممر لمصر مع الأردن عبر صحراء النقب .

من الضروري عدم انزلاق الجيش في مصر إلى مستنقع سيناء عبر الحال الأمنية , وإعادة التفكير بمجال المعلومات الأمينة التي تصل له من جهات خارجية, فالاحتلال والولايات المتحدة تحاولان استغلال ظرف الجيش المصري الباحث عن شرعية للانقلاب في مصر , الحل الأمني لن يجلب الاستقرار لسيناء , ولن يخرج الجيش منتصراً , سيكون مستنزفاً يستنزف موارد الدولة المصرية ,العملية الأمنية ستفقد الجيش المصري هيبته أمام شعبه , وخروج الفوضى الأمنية في سيناء عن السيطرة ستدفع الولايات المتحدة والاحتلال لمحاولة تدويل سيناء وإخضاعها لمكافحة الإرهاب, ودخول الاحتلال ضمن المنظومة الأمنية لسيناء باعتبارها خطراً أمنياً عليه .

لقد أخطاء الجيش المصري حين عاود إقحام نفسه بالعملية السياسية بشكل فج , إعادة التفكير وترتيب الأوراق مرة أخرى وعدم الوقوع في فخ الاستنزاف السياسي والحفاظ على دورها في حماية مصر من الأخطار الخارجية هي الأولوية في هذه المرحلة.