نَظَرِيَّةُ النَّصِّيَّةِ الْعَرُوضِيَّةِ: قَانُونُ الْمَقْطَعِ
للدكتور محمد جمال صقر
لا يخرج ما يُنْطَق من الأصوات اللغوية العربية في زَفْرَةِ هواء واحدة، عن أن يَتَكَوَّنَ به أَحَدُ هذه المقاطع الستة:
1 قَصِيرٌ [س(ساكن)+ح(حركة)]،
2 طَوِيلٌ مَفْتُوحٌ [س+ح+ح]،
3 طَوِيلٌ مُغْلَقٌ [س+ح+س]،
4 مُسْتَطِيلٌ مُغْلَقٌ بِسَاكِنٍ وَاحِدٍ [س+ح+ح+س]،
5 مُسْتَطِيلٌ مُغْلَقٌ بِسَاكِنَيْنِ [س+ح+س+س]،
6 مُتَطَاوِلٌ [س+ح+ح+س+س].
ومن المقاطع القصيرة والطويلة وحدها (1، 2، 3)، تتكون الكلمات في وَصْل نُطْقها الأصيل، فأما سائر المقاطع (4، 5، 6)، فتَعْرِضُ لها في وَقْف نُطْقها عُرُوضًا لا يقاس عليه، غير ما يكون في وَصْل نُطْقِها من عُروض المقطع المستطيل المغلق بساكن واحد (4)، إذا أَصَابَها إِدْغَامٌ بعد مقطعها الطويل المفتوح (2)، ولا يلبث الناطق أن يصطنع مِنِ اختلاس المَدِّ أو هَمْزِهِ أو تخفيف الإدغام، ما يعالج به استطالة هذا المقطع على كلماته، ليتصل نطقها بمقاطعها القصيرة والطويلة سهلا سريعا، بلا تَحَبُّس ولا تَعَثُّر.
ولا تخرج عن ذلك التفعيلاتُ العروضية على اختلاف بحور أبياتها، لا في هيئاتها القياسية (العلمية النظرية) القليلة السالمة: [فَعُولُنْ=1+2+3]، مَفَاعِيلُنْ [1+2+2+3]، فَاعِلَاتُنْ [2+1+2+3]، فَاعِلُنْ [2+1+3]، مُسْتَفْعِلُنْ [3+3+1+3]، مُفَاعَلَتُنْ [1+2+1+1+3]، مُتَفَاعِلُنْ [1+1+2+1+3]، مَفْعُولَاتُ [3+2+2+1]، مُسْتَفْعِ لُنْ [3+3+1+3]، فَاعِ لَاتُنْ [2+1+2+3]- ولا في هيئاتها الاستعمالية (الفنية التطبيقية) الكثيرة المُغَيَّرة بتقصير المقاطع الطويلة وتطويل القصيرة وفتح المغلقة وإغلاق المفتوحة، ثم لا في وصل نطقها أوائلَ الأبيات وأواسطَها مُتَكَوِّنَةً من المقاطع القصيرة والطويلة وحدها (1، 2، 3)، ولا في وقف نطقها أواخرَ الأبيات مُتَعَرِّضَة للمقاطع المستطيلة؛ ومن ثم كان في تمثيل مجاميع المقاطع العروضية برموز التفعيلات، تنبيهٌ قوي واضح على استمرار النظام اللغوي، على رغم ما يصطنعه بها النظام العروضي من تحديد وترتيب وتهذيب؛ فإنه إنما ينشئ إيقاعه الخاص، من داخل إيقاع اللغة العام.
ومن خلال نظام المقاطع المستمر يستطيع طالب الشعر أن يزيد في الوصل مقدارَ المقاطع القصيرة فيحدث من سرعة الإيقاع ما يلائم بعض المقامات، أو ينقصه فيحدث من بطء الإيقاع ما يلائم غيرها، وأن يزيد في الوقف مقدارَ المقاطع المستطيلة المغلقة بساكن واحد فيحدث من إطلاق المفاصل ما يلائم بعض المقامات، أو ينقصه فيحدث من تقييد المفاصل ما يلائم غيرها؛ وينبغي لطالب علم الشعر أن يختبر ذلك، فيثبته، أو ينفيه!
وربما ارتاب طالب علم الشعر في اجتماع اللغة والعروض على نظام مقطعي صوتي مستمر، بما افترقا في الموضعين الآتيين:
1 وَقْف نُطْقِ الْكَلِمَاتِ بِالْمَقْطَعِ الْمُتَطاوِلِ؛ فإنه مفتقد في وقف نطق التفعيلات.
2 وَقْف نُطْقِ التَّفْعِيلَاتِ بِالْمَقْطَعِ الطَّوِيلِ الْمَفْتُوحِ؛ فإنه مفتقد في وقف نطق الكلمات.
ولكنه ينبغي أن يعتمد على فِقْدان الموضع الأول بالعروض دون اللغة، في التنبيه على أن الناطق يصطنع بهذا المقطع في وقف نطق الكلمات من الاختلاس والتخفيف ما يعالج به تطاول المقطع المتطاول، مثلما اصطنع في وصل نطقها ما عالج به استطالة المقطع المستطيل، ليظل الوقف بعقب الوصل غير بعيد.
وكذلك ينبغي أن يعتمد على وِجْدان الموضع الآخر بالعروض دون اللغة، في التنبيه على أن وقف نطق الكلمات بالمقطع الطويل المفتوح، الغالب من قديم إلى حديث على كلمات قوافي الشعر العمودي، كان من وجوه الوقف القديمة العامة الثابتة بالسماع المُوَثَّق، التي انحسرت من سائر الكلام بقانون التطور اللغوي العام، واستمرت في الشعر بقانون التقاليد الفنية المحافظة.
على حركة مقاطع الكَلِم قَصيرةً وطَويلةً، ينبسطُ سلطانُ قانونِ المَقْطَعِ، ويراعيه وُجودًا وعَدَمًا طالبُ علم الشعر، لأن طالب الشعر يخضع له عَفْوًا وقَصْدًا.