واسيني الأعرج: الرواية تطرح سؤال المستقبل

٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٣بقلم توفيق عابد

استضافت رابطة الكتاب الأردنيين الاثنين الماضي الروائي الجزائري واسيني الأعرج الذي تحدث عن أسباب ازدهار الرواية التاريخية العربية في وقتنا الراهن والعلاقة الجدلية بين الأدب والتاريخ وكيف يمكن للرواية التاريخية ان تزاوج بين الشخصيات التاريخية والشخصيات المتخيلة عندما تسند أعمالا لا تاريخية لشخصيات تاريخية وأخرى تاريخية لشخصيات متخيلة دون المساس بالحقائق السياسية والجغرافية!!. ووسط حضور لافت أبرز الأعرج في حديثه عن "الرواية التاريخية واسئلة الراهن" حقيقتين الأولى أن كل حقيقة تاريخية أو غير تاريخية تخبئ وراءها حقيقة أو حقائق لا يقولها المؤرخ بسبب حسابات سياسية .. اجتماعية .. أيديولوجية حزبية ضيقة أو شخصية مباشرة تمس بشرا ما يزالون على قيد الحياة.
أما الحقيقة الثانية فإن التاريخ ينسج مع المتخيل علاقات كبيرة مرئية وغير مرئية فليس هناك تاريخ صافي وعلمي بالمعنى الموضوعي وبشكل إطلاقي فالتاريخ كثيرا ما يمحو فواصله بين الحقيقة الموضوعية والحقيقة المتخيلة.
وتساءل الأعرج هل كان تاريخ ابن خلدون حقائق مراقبة لم يدخلها فعل القص الذي ينقض التاريخ نفسه!! وهل قال ابن خلدون حياته كما حدثت!!وهل تاريخ أبن إياس يخلو من التفصيل المتخيل أم أنهما وغيرهما روضوا التاريخ بفعل المتخيل وهيأوه للكتابة الإبداعية!!.
الروائي والحرية
ويرى أن في التاريخ رغم صرامته مساحة مشتركة مع الرواية تجعل الحدود الفاصلة بين الرواية والتاريخ مغيمة وتمنح الروائي فرصة للتعامل مع التاريخ دون خوف من المزالق وتوفر لفعل الكتابة قدرا كبيرا من الحرية التي ينتفي من خلالها التطابق الكلي أو ترديد التاريخ.
وقال: إن الروائي يشتغل على الحافات المستحيلة والضفاف التي تكاد تمحى لولا العلامات الصغيرة التي تحيلنا لحقيقة تشغل موضوع الرواية بشكل كبير وقال: أن التاريخ علم بآلياته واشتغالاته لكننا نتحدث عن التاريخ من حيث اعتماده على آلة السرد والنقد الذي يمنح الرواية حق التفاصيل الدقيقة التي لا تدخل مطلقا في منهجية التاريخ.
وحسب الأعرج فإن الرواية لا تأخذ المادة التاريخية كحقيقة مطلقة وليس شرطا أن تأخذها مادة للاختبار لكنها تبحث في عمقها عمّا يمكن أن ينتظم داخل النسق الروائي مضيفة شيئا جديدا للتاريخ وقال إن الرواية المغاربية اشتغلت على التاريخ الوطني وحولته لمادة إبداعية تحكمها منظومة التاريخ.
ووفق الأعرج فإن الكتابة عن التاريخ لا يفترض تمجيد الماضي ووضعه في علبة المقدس فالتمحيص لمعرفة التغيرات ليس عملا مغرضا أو معاديا للخطابات المتسيدة وتحدث عن سؤال تاريخي يطرحه كل عربي لماذا منذ سقوط حضارتنا لم نرفع رؤوسنا وكلما حاولنا وجدنا أنفسنا نغوص عميقا في الأوحال!!.
وهنا تحدث الروائي الجزائري عن ما اكتشفه في رحلة البحث والتنقيب عبر المكتبات العالمية وقال انه في مؤلفه "الامير" اكتشف ان عبدالقادر الجزائري لم يكن مناضلا فحسب ضد الاستعمار الفرنسي طيلة 17 عاما بل كان صوفيا المر الذي فتح مساجلة ساخنة مع حفيدته "بديعة" التي انكرت ذلك ومن هنا أوصى بدفنه قرب المتصوف ابن عربي في دمشق وكان له ذلك لكن الحكومة الجزائرية نقلت رفاته لأسباب سياسية.
واكتشف أيضا أن ما يسمى لورنس العرب الذي رافق الثورة العربية الكبرى لم يكن مرشدا بل كان جاسوسا جلّ همم ليس مساعدة العرب على التحرر من الحكم التركي بل جمع المعلومات والخرائط لارشاد القوات البريطانية التي تتقدم صوب البلاد العربية بقيادة اللنبي.
وقال أن الروائي العربي وجد نفسه في عصر الحداثة والحروب والتدمير القيمي والأخلاقي لافتا لقيام الرواية بطرح سؤال المستقبل حتى لا نكون هنود القرن القادم.
روائي عالمي
وكانت الناقدة رزان إبراهيم وصفت الأعرج بأنه صوت روائي عالمي إعتبر الفنون وسيلة من وسائل منع الموت من الانتصار على الحياة مذكرا بقول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش "غلبتك يا موت الفنون جميعها".
وقالت أن حكاية الإنسان العربي ومعاناته من الأنا السلطوي الذي يقمعه حاضرة في أعماله كما انفتحت أسئلة عن الثورات .. نشأتها وانكسارها منتصف الطريق عندما تدخلها الأنانيات وانتهاؤها لنقيضها حين تأتي للسلطة بصفتها الثورية لتعطي نفسها صلاحية القمع والإلغاء.
وأشارت لروايته "رماد الشرق" فقالت أنها لعبت دورا في إنصاف فئة ظلمها التاريخ أو أعطاها ما لا تستحقه ..وحملت رسالة واضحة بأن ما يظهر في الحاضر ناجم بالضرورة عن اتجاهات حية وناشطة في الزمن الماضي .
لا حياد
وحسب الروائية سحر خليفة فإنه لا يوجد رواية تاريخية أو غير تاريخية محايدة لأنه لمجرد انتقاء الشخصيات والمشاهد والأحداث بعينها يدل على غياب الحيادية والموضوعية والسؤال هو لماذا اختار الكاتب هذه الشخصيات والأحداث دون سواها؟ والإجابة من وجهة نظرها هي أن الكاتب يركز ويلقي الضوء على منظوره الخاص والبوصلة الداخلية التي توجه قلمه وقدرته التعبيرية.
وقالت: " للجزيرة نت"عقب الأمسية الثقافية أنه اختارت بروايتها الجديدة التي ستصدر قريبا بعنوان " أنطون سعادة" لأن هاجسها حاليا هو المسألة الطائفية وانقسام وتشرذم الشعب العربي لفئات تتخذ من اختلاف الدين والعقائد الدينية محورا للصراع وهو أي - سعادة- دفع حياته ثمنا لصراعه ضد الطائفية مستشهدة بمقولته " قتالنا على السماء أفقدنا الأرض".
أما الروائية ليلى الأطرش فطالبت بإعادة كتابة التاريخ بمنظور روائي لأن الكاتب أقدر على فهم التاريخ الاجتماعي والتحولات الكبرى وأثرها على البشر إضافة إلى أن معظم ما كتب عن التاريخ الاجتماعي للعالم العربي كانوا مستشرقين كتبوه بنظرة استشراقية لكن الكاتب العربي الأقدر على الغوص في نفوس البشر بمنطقته.
وقالت:" للجزيرة نت" أن الرواية يجب أن تكون محايدة فالروائي ليس حكما على التاريخ لأنه يضيف من خياله للشخصيات دون المساس بحقائق تاريخية ثابتة ولا يجوز له أن يخطئ في أحداث تاريخية معروفة أو الجغرافيا أو يتبنى وجهة نظر قومية أو عرقية أو دينية محددة.
المصدر:
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article37031