بسم الله الرحمن الرحيم .

التحريك والإشباع في الشعر العربي
الباحث العروضي / غالب أحمد الغول
&&&&&&&&&&
لقد جاءت كلمة ( تروي ) في بحر المتقارب , ولاستقامة الوزن طلب من الشاعر أن يحذف الياء ’ لأنها بنظرهم قد كسرت البيت الشعري ,
والبيت هو:

وآفاقها تروي كل الحكايا
............تهيئ في النفس دورا طليعا
@@@@@@

للفائدة فقط أود أن أشير إلى أن البيت الذي تحفظت عليه أخي الشاعر , فلا ينبغي ذلك ما دام هناك فكرة لتيسير عروضياً وموسيقياً يمكن قبولها .
.
فمن باب التوسع العروضي الموسيقي وتيسير إنشاد القصائد , فقد استعمل العرب قديماً مصطلح ( الإشباع والتحريك ) أي أنه يمكن قلب الحركة إلى ألف , كما يمكن العكس أيضاً , للضرورة الموسيقية الشعرية لخلق الإتزان بما يناسب الأزمنة المقررة عند الإنشاد الشعري . ومن أمثلة ذلك :
أحنظل لو حاميتمُ وصبرتمُ ........................
وهنا نستطيع إشباع حركة الضمة لتصير ( واو ) هكذا
أحنظل لو حاميتمو وصبرتمو /// للضرورة الوزنية الشعرية الموسيقية .
وقال الشاعر أيضاً
وأنت من الغوائل حين ترمي
....... ومن ذم الرجال بمنتزاح ِ
لقد قلب الشاعر الحركة في كلمة ( منتزح ) إلى ألف لتصير ( منتزاح ) لتتعادل الكمية الوزنية للبيت الشعري .
ومن هنا نقول بأن البيت التالي لا بأس به من حيث الوزن لو لفظناه بالأزمنة الموسيقية الشعرية , بحركة بدل المد ( وهو التحريك )
البيت
وآفاقها تروي كل الحكاي ....
....تهيئ في النفس دورا طليعا

وكأنك تلفظها برسم الحروف ( ترو ِ ) وبما أنه لا يسبقها جازم , فتبقى الحروف كما هي وتلفظ بلفط المجزوم

قبل كل شيء أنا لا أبيح جزم فعل كهذا , أنا قلت بالإمكان لفظه بالتخفيف , أي أن كلمة ( تروي ) يجوز عند الضرورة الشعرية أن تلفظ ( تروِ ِ ) مع عدم جواز حذف الياء .
إخواني الشعراء , ليست القضية جدال , ونقاش وحوار , القضية على ما اعتقد واضحة كالشمس , وهي أن الشعر بالذات دون غيره , يحتاج إلى التيسير لا إلى التعقيد , يعني أن الموسيقا الشعرية عند الإنشاد, يمكن لها مطاوعة الكلمة إلى الوزن , وليس الكعس , لأن المشكلة مشكلة أزمنة موسيقية يجب , نعم يجب أن تأخذ حقها , ولكل تفعيلة صحيحة من الزحاف لها الزمن نفسه أينما حلت , ومن هنا أجاز العروضيون التحريك والإشباع , وأجازوا صرف ما لا ينصرف , ويمكن أن يُضحي المنشد بقواعد اللغة ولا يستطيع أن يضحي بالوزن , لذلك ينبغي أن تكون الكلمة هي التي تطاوع الوزن , وهذا يرجع إلى مهارة الشاعر , ومهارة المنشد ,
انظر إلى هذا البيت الشعري إلى أبي العلاء وهو من كبار الشعراء
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ــــ نفي الدنانير تنقاد الصياريف
هل كلمة الصياريف , صحيحة لغوياً , لو قالها أحد شعراء لقلتم له , صحح ما أخطأت به , إن الصيارف ’ هي الأصل , فلماذا المعري قلب الكسرة ياء , أليس ليحافظ على وزن البيت , فالمعري ضحى بقواعد اللغة ولم يضحي بالوزن
.
أما من حيث الدقة , فإن عدم استعمال التحريك والإشباع أو عدم خروجنا عن صواب اللغة هو الأفضل , ولكن نحتاج إلى تكلفة أكثر , وجهد أكبر , كما أن للزحاف عيوباً كثيرة وكل الزحافات لا بعضها لو لفظناها كما هي مرسومة لانكسر الشعر مثال ذلك :

هل تعتقدون أن التفعيلة مستفعلن حين تأتي ( مُتعلن ) هل البيت الشعري يكون موزونا ً؟

يعني هل يتساوي شطري البيت الآتي موسيقياً؟
ب ب ب ــ / ب ب ب ــ ب ب ب ــ = ـ ـ ب ـ / ـ ـ ب ـ / ـ ـ ب ـ

لا أعتقد أبداً أن الشطرين متساويان , لأن متعلن لا تساوي مستفعلن زمنياً عند اللفظ , ومع ذلك أجازها الخليل باعتبار أن وراء الشعر موسيقى هي التي تقوم وتصوب الأزمنة المقرره .

ليس المهم أن أقنع الشعراء أو لا أقنعهم , المهم أن العرب في جاهليتهم أعرف منا بأوزانهم وأغانيهم وأناشيدهم حين طوعوا الكلمة وانحرفوا عن مسارها اللغوي لأجل ضبط أوزانهم , ومثال ذلك قول عنترة بن شداد .

إن كنت ِ أزمعت الفراق فأنما
............ زمتْ ركابكمُ بليل ٍ مظلم ِ

لماذا حرك عنترة كلمة ركابكم ُ وجعل الميم بالضم , وهي لازم تكون بالسكون ؟

لأنه لو قال ( زمّتْ ركابكم ْ ) بتسكين الميم , فإن الوزن لا يصح , لكنه حرك الميم بالضم لغرض الوزن , وهنا انحرف عن قواعد اللغة للضرورة الشعرية , ومن هنا يمكن القول (((( يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره ))) ولكن بحدود المعقول طبعاً
.
لذلك كان الاهتمام بالوزن من ضروريات الشعر في الجاهلية وبعد الدولة الإسلامية ولهذا اليوم , أرجو أن تكون رسالتي قد وصلت , للإخوة الشعراء وأشكركم جزيل الشكر على تفهمكم الجيد لأقوالي , وهذا درس قد يفيدنا جميعاً .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم غالب أحمد الغول