التأصيلالتوراتي للإرهاب الأمريكي الصهيوني(الحلقة الثالثة)
بداية أودتصحيح الفكرة الشائعة عند المؤرخين وعلماء الآثار من مسلمين وغير مسلمين، القائلةأن اليهود أخذوا عقيدة التوحيد وفكرة "الإله الواحد" عن (الكنعانيين).فقد بات من المعروف عند المؤرخين وعلماء الآثار عن اليبوسيين أنهم أول الشعوب التيعرفت التوحيد وعبادة الإله الواحد، وكانوا يصفونه باسم "الله العلي"،وقد أشارت التوراة إلى زهد ملك اليبوسيين (ملكي صادق) وتعبده وأنه بارك إبراهيمعليه السلام قائلاً: "لتكن عليك يا إبرام بركة الله العلي، مالك السمواتوالأرض. وتبارك الله العلي الذي دفع أعدائك إلى يديك" التكوين 14/20-21. لذلكقال رجاء جارودي -مثل غيره من المؤرخين- في إشارته إلى مدى تأثير (الحضارةالكنعانية) في اليهود: "فحين التقى الكنعانيون والعبرانيون في المرحلة الأولىكان هناك رفض متبادل بين المؤمنين بالإله (يهوه) والمؤمنين بالإله (إيل) ثم ضعفاهتمام العبرانيين بإلههم مع استمرار توطنهم في كنعان، وقوي إحساسهم بإلهالمواطنين الأصليين حتى أنهم تبنوا اسمه (إيل) وجمعوه على (إيلوهيم)"[i].أود القول من البداية: بأن هذه الفكرة فكرة خاطئة، وإلا ما كان اعتبر أنصار تلكالفكرة (اليهودية دين سماوي)! وذلك لأن بني إسرائيل الذين دخلوا فلسطين كانوايعرفون التوحيد وفكرة "الإله الواحد" عن طريق أنبيائهم، وأجدادهم من لدنإبراهيم عليه السلام مروراً بموسى إلى داود وسليمان عليهم جميعاً السلام.ولكن الصوابالقول: أن اليهود بعد إقامتهم في فلسطين لأن نفوسهم مريضة وجبلتهم شريرة، ولأنهممعاندون ومكابرون، وطبعهم الكفر والمعصية، فإنهم عبدوا آلهة (الكنعانيين) وذلك ماأكدته التوراة وكان كثيراً ما يغضب (يهوه) على شعبه لأنه كان يعبد آلهة(الكنعانيين). خاصة وهم قد عبدوا العجل الذي صنعه لهم السامري من ذهب وحلي نسائهمبعد أن نجاهم الله من فرعون وقومه مع نبي الله موسى، وهم تتنزل عليهم آيات ومعجزاتالله ، قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْعِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَيَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} الأعراف148. وقد بقي ذلكديدن اليهود مع جميع أنبيائهم كما تفصح عن ذلك التوراة.الصواب القول:أن فكرة "الإله الواحد" أو التوحيد التي استعارها اليهود من(الكنعانيين) هي فكرة وثنية، تقوم على توحيد الآلهة في إله واحد. أو تغليب إله علىبقية الآلهة. وهذه العقيدة خلاف عقيدة الوحدانية التي دعا لها جميع الأنبياءوالرُسل، والتي كان عليها بنو إسرائيل قبل إقامتهم في فلسطين، وتأثرهم بـ(الحضارةالكنعانية). وقد يكون أصل فكرة التوحيد عند الكنعانيين التي تعود إلى ما كان عليه(ملكي صادق)، أن يكون ملكي صادق أحد أتباع أنبياء الله هود أو صالح عليهماالسلام،. اللذين يؤكد المؤرخون هجرتهما بعد نزول العقاب الإلهي بقوميهما الكافرين،حاملين معهما عقيدة التوحيد إلى فلسطين وجوارها من بلاد الشام. حيث تشير المصادر التاريخية الإسلاميةإلى أن صالح ومن آمن معه خرجوا إلى الشام حيث نزلوا المنطقة من الحِجر إلى صرح أينحو وادي القرى "وهي مدائن صالح الحالية" إلى رملة فلسطين على 18"ثمانية عشر" ميلاً بين الحجاز والشام[ii].أو قد يعود إلى أن (ملكي صادق) قد أمن بدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام وعبر له عنامتنانه بذلك بمباركته.وعليه فإن اليهودية دين وعقيدة وثنية، تقوم على الخرافة والأسطورة، وليسديناً –رسالة- سماوياً بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، كما يحاول اليهود وأنصارهممن العلماء الغربيين الترويج له، ويفرضوا علينا إجراء حوارات دينية مع اليهود تحتدعوى ما يزعمون أنه (حوار الأديان السماوية!) ـ مع تحفظنا على هذا المصطلح لأننالا نؤمن بأديان سماوية ولكننا نؤمن بدين سماوي واحد دعا له جميع الأنبياء والرسلعليهم السلام هو الإسلام، وأن ما سبق بعثة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانترسالات أو شرائع سماوية وليست أديان سماوية، وذلك لأن ما يسمى بالديانة اليهوديةاليوم قد تأكد بشكل قاطع ونهائي أنها ليست الرسالة السماوية التي نزلت على سيدناموسى عليه السلام، ولكنها دين وثني قد تم تأسيسه في بابل، بعد أن دمر نبوخذ نصردولة يهوذا عام 586 ق.م، وحرق هيكلهم المزعوم وسباهم إلى بابل، وهي خليط منالمعتقدات والخرافات والأساطير البابلية، وغيرها من الديانات الوثنية التي كانتمنتشرة في منطقة الهلال الخصيب ووادي النيل آنذاك. ويعتقدون أن"يهوه" هو إلههم الخاص من دون جميع المخلوقات، وأنهم هم وحدهم"شعبه المختار" من دون بقية شعوب الأرض، لأن بقية شعوب الأرض ليسوا بشر،ولكنهم "جوييم" حيوانات خلقت على هيئة الإنسان لتليق بخدمة "الشعبالمقدس للرب يهوه". أي أنه إله قبلي، ودين عنصري.يكفي أن نوردهذا النص من التوراة نفسها يجعل من موسى عليه السلام إله لفرعون، لنتأكد من أنالديانة اليهودية ديانة وثنية، يقول: "فَقَالَ \لرَّبُّ لِمُوسَى: (ٱنْظُرْ!أَنَا جَعَلْتُكَ إِلَهاً لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُنَبِيَّكَ)". (سفر الخروج: 7/1). هل مثل هذا القول يصدر عن كتاب سماوي مُنزلمن الله تعالى؟! إن كان موسى إله فماذا يكون "يهوه" على ذلك؟! ولكن ذلكليس غريباً على ديانة وثنية وليست سماوية، تؤمن بتعدد الآلهة وثنائيتها وتكونها منذكر وأنثى!.وحقيقة عدموحدانية الديانة اليهودية وأنها ديانة وثنية تؤمن بتعدد الآلهة، أكد عليها الكاتباليهودي (رفائيل بتاي): "إن عامة الناس من اليهود وغيرهم مازالوا يتصورون أنالديانة العبرانية الرسمية كانت من مبدأ أمرها ديانة توحيدية بدأت بإبرام الموحدبيهوه، غير أن المتخصصين يعطون ظهور التوحيدية العبرانية تاريخاً لاحقاً لإبرام وزمانه ببضعة قرون إذ يرجعونبدايات التيار التوحيدي حتى إلى زمن أنبياء الأكابر، وبأمانة العالم يتحفظ بتايفيقول: إنه يجب أن نأخذ في الحسبان أن إرجاع بدايات التيار التوحيدي حتى إلى زمنالنبيين الأكابر يجب أن يؤخذ بحذر ويحفظ نظراً إلى ما وجد طريقه إلى الديانة منعقائد باتت جزءً منها في الأزمنة التلمودية، وبالنظر إلى ما انطوت عليه منالإشارات القبالية من تعدد الشخوص في شخص الخالق". ويرى رينيه ديسو أن تعددالآلهة لا سبيل لإنكاره في الديانة اليهودية: لأن التوحيد الإسرائيلي ليس أصلياًبل هو نهاية تطور طويل المدى ظهرت نتائجه بعد سبي بابل حيث فهم اليهود معنىالتوحيد العام[iii].كما أن كثرة الإضافات والتعديلات التي كان يُحدثها كتبة التوراة مع تطورالزمن على النصوص السابقة في أٍسفارهم وإضافة أسفار جديدة بحسب مقتضيات المرحلةجعلت البروفيسور (إلس روفكن) يقول في كتابه "صياغة التاريخاليهودي": "أن فكرة التوحيد وتطبيقها لدى اليهود، لم ترتكز على أسسدينية أو روحية بقدر ما ارتكزت على ضرورات سياسية واقتصادية، وذلك على إثر منافسةشديدة بين زعماء اليهود بعد النفي إلى بابل كتب النصر فيها للفريسيين، وهؤلاءكانوا باتفاق جميع المؤرخين، أصحاب الأثر الكبير في صياغة تاريخ وشريعةاليهود". ويكشف أنها عقيدة وثنية تؤمن بتعدد الآلهة، قائلاً: "ظهرت فكرة التوحيد لدى اليهود ورسخت بناء علىمقتضيات معينة تاريخها محدد بدقة، وهو تاريخ الكتبة والفريسيين في بابل، أي حواليالعام 400 قبل الميلاد، وهي الفترة التي (ألفوا) فيها الأسفار الخمسة الأولى منالتوراة. ومن هؤلاء المشككين من يعتمد على برهان لغوي ظريف، إذ أن أول كلمة كتبتمن قبل الفريسيين هي (في البدء خلق الله السموات والأرض)، (تكوين:1/1)، وفي النصالعبري (في البدء خلقت الآلهة السماوات والأرض)، وفيما يلي ذلك، وبناء على استنتاجالبروفيسور رفكن، اعتمد الكتبة صفة المفرد عوضاً عن الجمع لوصف الإله"[iv]. تلك هي الحقيقةالتي يتفق عليها العلماء أكثر من غيرها، إذ يرون أن "إله اليهود (يهوه) هوتطور طبيعي وبطيء من مرحلة تعدد الآلهة التي مر بها اليهود، شأنهم شأن القبائلالبدائية الأخرى، تلك الآلهة التي كان "يهوه" مجرد واحد منها، إلى مرحلةالإله الواحد، وقد يكون نتيجة هذا التطور تلك الحرب الشعواء التي يشنها (يهوه)، منخلال التوراة، على غيره من الآلهة والتي بقيت آثارها عالقة في أذهان اليهود المتعدديالآلهة بالفطرة". كما أن "يهوه" خلال تطوره البطيء كما يقول (هوميرسميث قد اتخذ "في فوضى تعدد الأديان، الكثير من خصائص آلهة إسرائيلالمتعددة، والصفة المشتركة لأكثر آلهة القبائل القديمة هي الحجر والنار، وتشتركهاتان الصفتان معاً لتشكلا جبلاً بركانياً، وهو رمز القوة الهائلة: "هو ذااسم الرب (يهوه) يأتي من بعيد غضبه مضطرم والحريق شديد وشفتاه ممتلئتان سخطاًولسانه كنار آكلة وروحه كسيل طاغ يبلغ إلى العنق فيغربل الأمم من البوار .."(إشعيا 30: 27 ـ 28)[v].ويؤكد الأستاذ(أندرسون) أن عقيدة التوحيد اليهودية التي أخذوها عن (الكنعانيين) كانت عقيدةوثنية، فيقول: "إن الوحدانية التي كانوا (الكنعانيون) يدركونها في ذلك الوقتلم تكن وحدانية تفكير ولكنها وحدانية تغليب لرب من الأرباب على سائر الأرباب)[vi].ذلك لأن"يهوه" لم يكن سوى أحد آلهة (الكنعانيين) الذي صاغه كتبة توراتهم علىالصورة التي تلائم جبلتهم الشريرة.التاريخ: 26/12/2012
[i] رجاء جارودي، فلسطين أرض الرسالات الإلهية، ص92.
[ii] سعد زغلول عبد الحميد "دكتور" في تاريخ العرب قبلالإسلام، ص 112-120.
[iii] عبد المجيد ههمّو: هل اليهوديةديانة سماوية، ص 945.
[iv] بنيامين فريدمان، التوراةتاريخها وغاياتها، مرجع سابق، ص 79 ، 80.
[v] المرجع السابق، ص80 ، 81.
[vi] عبد الحميد زايد، الشرق الخالد مقدمة في تاريخ وحضارة الشرق الأدنى،ص405.