برسيس
رقعة سوداء غريبة ملفوفة بطريقة مرتبة تحتفظ بها عمتي على رف خزانتها بعناية كبيرة تخرج إلى مرأى الجميع عندما تجتمع الجارات و الصديقات في سهرة أو أصبوحة أو " جمعة نسوان".
تفتحها لنراها مطرزة بالتطريز الدمشقي المعروف بالـ "آغاباني" و هو تطريز مميز بخيوط حريرية ملونة و في داخل الرقعة عدد من الصدفات "الودع " و القطع النحاسية الصغيرة ذات الأشكال الجميلة و الغريبة.. نتساءل أليست هذه الوديعات هي التي تستخدمها العرافة "النورية" عندما تطرق الباب و تلح على أن تقرأ الطالع؟ و لا تملك النساء إلا الاستجابة لها تحت ضغط إلحاح الغجرية أو الإلحاح النفسي من ربة البيت لمعرفة طالعها رغم أنها تؤمن أن هذا مجرد " كلام فاضي".
ترد علينا جارتنا أم جمال أن هذه الوديعات ضرورية للعبة و أنهن لا يشبهن الغجرية لأنهن يلعبن للتسلية و لا يؤذين أحدا بتكهنات تثير الشك و الفتن كما تفعل العرافة.
الرقعة السوداء فيها عمودين متداخلين و كل منها مقسم إلى عدد متساوي من المستطيلات يتوسطها مربع يسمى مطبخ و التي يحالفها" الدست "و البنج" و "الشكة" كثيرا تطبّخ قبل ال...تي يكون حليفها "الدْواء".
و في أماكن الفراغات من الرقعة طرزت عبارات مقتبسة من أغاني للسيدة أم كلثوم مثل " أنت عمري " و " أمل حياتي" و " جددت حبك ليه" ...و هذا يعود في الحقيقة إلى أن غالبية من يمارسن اللعبة يستمعن إلى أغاني " الست " أثناءها .. و يشربن القهوة المحمصة و الممزوجة بكثير من الهيل .
جاراتنا كن يجتمعن في سهرة يوم الاثنين في أحد بيوت الحارة و طبعا البرسيس هو سيد الجلسة النسائية و ينقسمن إلى فريقين مكون من لاعبتين في كل فريق ..كانت جارتنا أم عبدو ماهرة في " التحريم" وهي كلمة تعني الغش لذلك كانت كل واحدة منهن حريصة على أن تكون أم عبدو في فريقها لأنها ستفوز حتما و كانت النهاية المعتادة مشاجرة خفيفة لأن فريق أم عبدو دوما متهم بأنه ربح عن طريق الغش !
لكن هذه المشاجرة تنتهي بجلسة صلح على الكنافة النابلسية أو الأرز بالحليب أو كرات النارنج بجوز الهند و أغنية دمشقية قديمة
و مع أن اللعبة نسائية بحتة إلا أن بعض الرجال تستهويهم اللعبة كنوع من التغيير عن الألعاب الرجالية كطاولة الزهر و الشطرنج و الداما و قد كان أحد رجال عائلتنا مغرما بهذه اللعبة و دوما يمنى بخسارة ساحقة لكنه يعزوها دوما إلى أن الحظ حليف النساء اللواتي يبارينه و في إحدى المرات حالفه الحظ فقال أن السبب ذكاؤه و دهاؤه !!